نيسان شهر النضال والتضحية والفداء

بقلم: عباس الجمعة


نيسان شهر النضال والتضحية والفداء ، شهر المقاومة ، في شهر نيسان نستذكر أرواح قادة كبار سقطوا بفعل الإرهاب الصهيوني ليشهد هذا الشهر على نازية وفاشية الكيان العنصري الذي قام على أنقاذ فلسطين قبل 64 عاماً. في هذا الشهر نستذكر أرواح القادة الشهداء عبد القادر الحسيني، كمال عدوان، أبو يوسف النجار، كمال ناصر، خليل الوزير "أبو جهاد"، والالاف غيرهم من القادة والكوادر والمناضلين الفلسطينيين. في هذا الشهر نستذكر كل شهداء فلسطين والوطن العربي من المحيط إلى الخليج الذين قضوا بفعل الإرهاب الصهيوني والاستكبار الأميركي.
نقف في شهر نيسان امام مناسبات وذكريات اليمة ومجيدة ، فهو شهر دير ياسين ، وشهر امير الشهداء القائد الكبير ابو جهاد الوزير مفجر الانتفاضة الاولى ، وشهر قانا ، وشهر جبهة التحرير الفلسطينية ويومها الوطني ، وشهر العمليات البطولية لجبهة التحرير الفلسطينية في الخالصة ونهاريا والقدس الاستشهادية التي قادتها البطلة عندليب طقاطقة ، هو شهر تدوين الصفحات تلو الصفحات من السيرة الذاتية الأسطورية لشهداء جبهة التحرير الفلسطينيه وشهداء فلسطين الأبرار الذين تساقطوا ويتساقطون نتيجة الإرهاب الإجرامي الذي عادة ما يتخندق وراء ذلك ا لاستعمار وتوثيقها وحفظها في"موسوعة الشهادة والاستشهاد"،وفي مقدمتهم قادة الجبهة وعلى رأسهم فارس فلسطين الرمز ابو العباس والقادة طلعت يعقوب وعمر شبلي " ابو احمد حلب " وسعيد اليوسف وابو العز وحفظي قاسم وابو العمرين وجهاد حمو وابو عيسى حجير وابو كفاح فهد وحسين دبوق وبرهان الايوبي ، لتسهل مهمة انتقالها من جيل إلى جيل آخر دون تزييف أو تزوير.
فهل من فارق أو تباين يذكر بين السياسي والإعلامي والمقاتل، طالما أنهم معرضون للشهادة والاستشهاد في كل لحظة وطالما أنهم يحملون نفس الرسالة.
شهر نيسان لهذا العام نعيش كعادتنا أيامه بكل ما تتطلب من مستلزمات الحيطة والحذر لما لها وما عليها من مخاطر وتبعات محتملة، ونجد أنفسنا مندفعين تلقائياً ومن باب الوفاء لإنعاش ذاكرتنا واستذكار تلك المجازر والمذابح وجرائم الاغتيال التي دفع فيها الشعب الفلسطيني من دمه الذكي الكثير من أجل قضيته المقدسة، جراء صنوف وأنواع الإرهاب "الإسرائيلي" الذي مورس بحقه.
ان استشهاد القادة الرموز الكبار في مسيرة النضال الفلسطيني لا يقلل أبداً من شأن وقيمة الشهداء الأبرار الآخرين، فكلهم شهداء القضية المركزية، من أصغر طفل رضيع وامرأة وشيخ مسن حتى أكبر قائد فلسطيني، وكلهم تتمزق قلوبنا ألماً وحسرةً لفراقهم، فقوافل سبقت وأخرى تنتظر والعطاء مستمر.
حصاد "نيسان" يعقبه حصاد بعد حصاد... ومسلسل الحصاد مستمر، فالإرهاب "الإسرائيلي" بشتى صوره وأشكاله متواصل، والعطاء الفلسطيني من أجل الأرض والإنسان متواصل هو الآخر، ولنا في كل يومٍ شهيد بل شهداء، "وموسوعة الشهادة والاستشهاد" تبقى مشرعة الأبواب إلى أن يتحقق حلم الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس.
فهو الشهر التي تجاوزت أميركا القوانين الشرعية وعبرت البحار والمحيطات بحجة كاذبة إختلقتها كي تقنع العالم بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شاملة تهدد العالم أجمع , وأن النظام في العراق قادر على تصنيع الاسلحة المدمرة والمحرمة دولياً من خلال معامل متنقلة خلال 45 دقيقة , هذا ما أدعاه وقتها كولن باول متخذاً منها ذريعة للاجتياح الهمجي على العراق الحبيب، ثم يعود ليظهر على شاشات التلفزة ويعترف بعد دمروا العراق وعاثوا فيه وجعلوه ساحة للنزاعات الدولية بأنه أقترف خطأ وان العراق لم يكن يملك اسلحة الدمار تلك ، تمر الذكرى المشؤؤمة على غزو العراق وأحتلاله من قبل قوى الشر العالمية بزعامة أميركا ، وهي بكل تأكيد ذكرى اليمة على قلوب العراقيين والعرب ففي هذا الشهر وقبل عشرة أعوام أستبيح العراق وأمام العالم أجمع, ووفق شريعة الغاب,حيث غطت الصواريخ سماء العراق وأشتعلت الراجمات وأسقطت الاطنان من القذائف والقنابل العنقودية على ارض العراق الأبي لتحرق اجساد الأطفال الأبرياء , وتقطع سواعد الشباب , وتثكل الأمهات وترمل النساء في كل مناطق العراق ابتداءاً من البصرة الصامدة في أم قصر وأنتهاءاً ببغداد الحبيبة.
وفي الرابع عشر من نيسان اعتقل فارس فلسطين القائد الوطني والقومي الكبير الشهيد محمد عباس " ابو العباس " الامين العام لجبهة التحرير الفلسطينية الذي قضى في العراق معظم السنوات السبع عشرة الماضية في العراق قبل استشهاده ، حيث تم اغتياله في معتقلاق الاحتلال الامريكي الصهيوني ، حتى أمامنا لم يقبل "أبو العباس" أن يظهر بمظهر الضعيف. كانت روحه عالية ومعنوياته رغم كل ما حدث ما زالت مرتفعة وكانت قامته أعلى ما هامات الجلادين والمتنكرين لعروبتهم الذين أرغموه على العودة إلى بغداد بعد أن سقطت، لكن مواقفه كانت لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، صحيح ان الانظمة قمعت صوت شعوبها المطالب بسماع صوت المعركة، ولم تسمح لهذه الشعوب إلا بإطلاق صرخات الجوع والفقر والتخلف. صادرت الحريات حتى أصبحت حريتها الخاصة ومصيرها كأنظمة رهناً بالرضا الأميركي وجيوشه ومخابراته. فانهار بعضها بالتدريج واستسلم بعضها الآخر دون معركة ودون صرخة تصدي، وبعضها الممانع وهو قليل ما زال يتلمس وبخجل دروس المرحلة السابقة. ومن مهازل القدر أن معظم "أيتام" هذا النظام العربي تحولوا إلى منظرين ومهللين "للأحلام" القادمة على رأس الصاروخ الأميركي المتلبس أشلاء شعب العراق، أطفاله، نسائه والشيوخ، وربما مراهنين على "ديمقراطية" الكياني الصهيوني، الحامل معه وعد الإله الأكبر لامريكا بإلغاء التاريخ والحاضر وصناعة مستقبل "شرق أوسطي" خالٍ من لوثة فلسطين وقضيتها ولمَ لا شعبها وقياداتها المقاومة والوطنية.
نعم، إنها مؤامرة أن يكون الشرق الأوسط الكبير خالٍ ليس من السلاح النووي العراقي أو الإيراني أو السوري أو... ليس فيه إلا السلاح النووي الإسرائيلي، بل يجب أن يكون هذا الشرق الأوسط خالٍ من جراثيم المقاومة من أمثال القادة العظام ابى عمار و"أبي العباس" و"أبو علي مصطفى" و"أحمد ياسين" و"أبو جهاد الوزير" في فلسطين ومن "مروان البرغوثي" و"أحمد سعدات" و"محمد التاج " وسامر العيساوي " وعباس السيد ، هؤلاء الاسرى والقادة الذين يرسمون مستقبل الحرية والاستقلال ،
إنها مؤامرة، أن لا تستطيع الشعوب العربية بعد ثوراتها من إنتاج حركة عربية وديمقراطية قادرة ولو في المستقبل على رفع راية التصدي للاحتلال الأميركي وللعدوان الإسرائيلي، بل ارادوا السطو عليها من خلال ثوراتهم المضادة حتى يمنعوا اي حركة او صوت يؤكد على "صوت المعركة" يعلو عندما يعلو صوت الشعوب والقضية تحافظ عليها الحرية والديمقراطية ومصالح الأمة، هي مصلحة شعوبها بالتنمية والتقدم والعدالة الاجتماعية .
ربما رحل الشهيد القائد "ابو العباس" ليستخلص معنا هذا الدرس، ليقول أن القائد ليكون كذلك وليكتسب صفة التاريخية، يجب أن يثبت أنه ممثل لشعبه وليس مختصراً له، يجب أن يعمل على أن يكون قادراً على التفاعل مع الآراء المختلفة ولا يكون كاتماً لأصواتها والمعبرين عنها.
شهر نيسان هو شهر الحركة الاسيرة المناضلة التي تسطر آيات في الصمود والكرامة الانسانية هو تمثل ارادتها الشامخة وكبريائها طريق النضال واستعادة الوحدة الشرط الذي لا غنى عنه لمقاومة جادة ومجدية ضد الاحتلال ولانتزاع حرية الاسرى والاسيرات وحرية شعبنا وحقوقه في الاستقلال والعودة .
لقد مثل شهر نيسان بالنسبة لجبهة التحرير الفلسطينية رافداً نوعياً ورافعة قوية في تاريخ النضال الوطني للشعب الفلسطيني، حيث عملت منذ انطلاقتها على رفع شعار الكفاح المسلح واستعملت وسائل المقاومة بأشكالها كافة و كان الهدف منها رفع صوت فلسطين عالياً وإسماع العالم قاطبة بهذه القضية العادلة وكان لها ذلك، وما زالت حريصة على رص صفوف شعبنا ووحدته الوطنية، فقد كانت العقبة كأداء في وجه كل من يحاول تمزيق أو تفريق هذا الشعب، متمسكة بالثوابت الفلسطينية وحقوق شعبنا المشروعة وخاصة حقه في العودة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس ، كما تعمل جاهدة دون كلل من اجل انهاء الانقسام الكارثي وتعزيز الوحدة الوطنية واجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية وإعادة تفعيل وتطوير منظمة التحرير الفلسطينية الهوية والكيان للشعب الفلسطيني.
وامام الهجمة العدوانية الصهيونية المتواصلة عبر سياسة الاستيطان وتهويد الارض بقوة البطش والإرهاب والنزعة التوسعية الإستيطانية ومسلسل العقاب الجماعي من خلال العدوان والاعتقال وممارسة كافة انواع التعذيب بحق الاسرى الابطال الذين يطالبون بتطبيق القانون الدولي واتفاقية جنيف وكافة المعاهدات والمواثيق التي أقرتها الشرعية الدولية المتمثلة بمنظمة الأمم المتحدة والمؤسسات المنبثقة على مرأى ومسمع العالم ، ولكن نقول ان سهم النضال سيبقى دائما باتجاه فلسطين دوما والى الابد مهما كانت التضحيات .
ومن هذا المنطلق نؤكد في نيسان الفلسطيني العربي على اهمية خوض عملية نضالية وكفاحية شاملة مستمرة ، جوهرها التمسك بالمقاومة بكافة اشكالها ، فالنضال حق مشروع اقرته المواثيق الدولية ، وهو بكل تأكيد يحتاج إلى جهد جميع القوى والفصائل والتمسك بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وعلى رأسها حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة وحق تقرير المصير، ويظل حق العودة هو ( جوهر ) القضية الوطنية والجسر الواصل لحق شعبنا في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني وإنهاء الصراع بالمعنى التاريخي لصالح شعبنا وأمتنا ولصالح العدالة والسلام الحقيقي في فلسطين.
ان الصراع مع الكيان العنصري الاسرائيلي هو التجسيد السياسي والمادي والعملي للمشروع الكولونيالي الاستيطاني في فلسطين والمنطقة، فهذا المشروع الدموي والذي تقف خلفه وتسانده قوى متعددة، وعلى رأسها الادارة الأمريكية في هذه الحقبة التاريخية والسياسية الراهنة من عمر الصراع العربي الصهيوني، فالصراع بحاجة الى إرادة الصمود مهما امتلأت جدران الزنازين بعذابات الاسرى التي تمتزج مع آهات وآلام شعبنا.. فالألم واحد، والأمل واحد.. وما الهدف إلا الحريةوالاستقلال والعودة واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على أرض فلسطين.
ان الهجمة الشرسة التي تتعرض لها المنطقة العربية اليوم من خلال الجهد الامريكي الاستعماري الحثيث لوأد ثورة الشعوب العربية وحرفها عن أهدافها وخاصة تغيير بوصلتها باتجاه فلسطين، بهدف السيطرة على البلدان العربية وتقسيمها وتفتيتها الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية ومحميات جديدة، وفق اتفاقية سايكس - بيكو، تتطلب من جميع القوى التنبه لهذه المخاطر والعمل من اجل تعزيز وحدة كافة القوى التقدمية والقومية واليسارية العربية حتى تتمكن من مواجهة القوى المضادة للثورة بمختلف مسمياتها.
ختاما لا بد من القول ان رهان عدونا التاريخي على الزمن والقوة والإرهاب والاستيطان هو رهان خاسر، لأن شعبنا لم ولن يتنازل عن حقوقه الوطنية الثابتة أبداً مهما بلغت المعاناة والتضحيات والعذابات وإن إرادة الشعب الفلسطيني العظيم الذي يقاوم المشروع الصهيوني الاستعماري منذ مائة عام ستنتصر على المحتلين وسيزول هذا الاحتلال الأسوء والأطول في التاريخ المعاصر عما قريب، وسيحتفل الشعب الفلسطيني بحريته واستقلاله وعودة لاجئيه إلى ديارههم التي شردوا منها، وسترتفع رايات النصر خفاقة في مدينة القدس وأزقتها وحاراتها وشوارعها وفوق مآذنها وكنائسها، وسيحتفل معنا كل الأحرار والأصدقاء الذين يقفون مع نضال الشعب الفلسطيني من أجل الحرية والعودة والإستقلال، مهما اشتدت حلكة وظلمة الزنازين ومهما طال العدوان والحصار فأن فجر الحرية آت لا محالة والنصر قريب .
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت