امام الجولات الامريكية الى المنطقة وفلسطين نرى ان ما يجري اصبح يشكل مخاوف لدى الشعب الفلسطيني صاحب الحقوق والارض ، ولهذا لا بد من التاكيد أن السيادة للشعب الفلسطيني على ارض وطنه فلسطين ولا يمكن ان تنطفئ بسبب الاحتلال والاستيطان ، وهذا يتطلب عدم العودة الى دائرة المفاوضات مهما بلغت الضغوطات ، وخاصة ان العودة الى هذا المسار يعني السيطرة على ما تبقى من الارض .
أن خطوة الاعتراف بحل الدولتين،وفق شروط العدو الإسرائيلي ، هو حل أقرب إلى الوهم في ظل ميزان القوى المختل راهناً، ولا يشكل حلاً او هدفاً مرحلياً ، وانما يمثل ضمن موازين القوى في هذه المرحلة تطبيقاً للرؤية الإسرائيلية الأمريكية، التي تسعى الى مسخ وتقزيم هذا المفهوم واخراجه على صورة حكم ذاتي موسع ,او "دويلة مؤقتة، مفتتة ، ناقصة السيادة" او أي مسمى اخر لا يتناقض مع الشروط الاسرائيلية الامريكية.
وفي ظل هذه الظروف نرى ان الادارة الامريكية تسعى الى لعبة السير على حافة الهاوية، ضمن إجراءات وترتيبات تمنع الانحدار إلى عمق الهاوية أو الصعود نحو الحل وخاصة في ظل العين الأميركية الساهرة على المصالح القومية العليا للولايات المتحدة، والمتورطة باشتباك قوي مع المصالح القومية الروسية ما زالت قادرة على التحكم بالايقاع ولو ضمن حدود دنيا، فإن هذا لا يعني أن هذه القدرة مطلقة ونهائية وحاسمة، والصحيح أن هناك اقتراباً متزايداً وإن بخطى بطيئة من مواجهة حاسمة في المنطقة.
أمام كل ذلك لم يعد مفهوماً الحديث عن حلول مرحلية، يعزز هذا الاستنتاج الفشل الذريع لمسار المفاوضات على مدار عشرون عاما ، حيث يتمادى الاحتلال الصهيوني في مشاريعه الاستحواذية الإقصائية للأرض والسكان في الضفة الفلسطينية ، من خلال سياسة ممنهجة قائمة على تصور خلق وقائع مادية على الأرض، صادمة ومانعة لتحقيق حتى حلّم إنجاز الهدف المرحلي القائم على أساس حق العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، بالترابط والتوازي مع سياسة عنصرية ضد أهلنا في مناطق 1948 وتزايد الضرب على وتر الإبقاء على جناحي الدولة مقسمين وعصيين على التلاقي، بفعل الوقائع السياسية والميدانية التي يفرضها الاحتلال ، وسياسة الأمر الواقع.
ان ما نراه من تحرك شعبي واسع في الضفة الفلسطينية يبشر بانتفاضة فلسطينية ثالثة، يضع النقاط على الحروف بما يتعلق بوحدة الشعب الفلسطيني ووحدة مصيره في كل مكان، ويثبت بما لايدع مجالا للشك، أن العدو المتربص بهذا الشعب لايألو جهداً، ولا يوفر وقتاً في التخطيط لاقتلاعه ودماره، وبالتالي من الطبيعي أن تكون ردة فعل هذا الشعب بحجم المؤامرة والاستهداف وأن يكون السعي الأساسي لتوحيد جهوده وقواه لتصب في نهر المقاومة الشاملة ضد الاحتلال ووجوده القاتل.
وامام كل ذلك يجب ان يكون الخطاب الفلسطيني موحد في م.ت.ف ، باعتبار ان توحيد الرؤى اصبح مطلوب الان اكثر من اي وقت مع الاخذ بعين الاعتبار رأى المعارضة ، لان المواقف الفلسطينية وللاسف حتى داخل التنظيم الواحد اصبحت متعددة وتؤثر على الأيديولوجية، أى على وجهة نظر القيادات المختلفة للثورة الفلسطينية فى الهدف النهائى، ثم الأسلوب فى الوصول إلى ذلك، حيث تتراوح فيما بين ذلك من محافظ ومعتدل ومتطرف ،ثم محدد آخرحول اسلوب النضال الوطني ، ولكن ما يهمنا عدم التأثير على المضمون الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية كمعبر عن وحدة الشعب الفلسطيني وباعتبارها الكيان السياسي والمعنوي ، لذلك لا بد من التحذير من أن بقاء الحال على ما هو عليه، وترك المسألة برمتها تحت رحمة الشروط الامريكية الاسرائيلية والتفاوض العبثي، سيؤدي الى إفساح المجال أمام المشروع الصهيوني الامبريالي لتصفية المنظمة دون مقاومة.
ان التسليم بشرعية الاغتصاب الصهيوني ، وتقزيم فلسطين هو امر مرفوض من الشعب الفلسطيني رغم كافة المتغيرات السياسية الحاصلة في المنطقة، وما يتوجب اليوم أن يكون هناك هدفاً استراتيجياً لكافة الفصائل والقوى هو رفض العودة الى اي مسار سياسي والعمل على نقل ملف القضية الفلسطينية الى الامم المتحدة من اجل المطالبة بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة ، مع التمسك بخيار المقاومة بكافة اشكالها لانها حق كفلته المواثيق الدولية .
لذا فاننا نتطلع الى كافة القوى الوطنية من اجل رسم استراتيجية وطنية تعيد الاعتبار الى منظمة التحرير الفلسطينية وتفعيل دورها ومكانتها من خلال شراكة وطنية حقيقية وليس اسمية والعمل من اجل انهاء الانقسام الكارثي ورفض وجود سلطتين ، وخاصة انه اصبح هناك مخاوف اتجاه ما يسمى بدويلة غزة ، وهو ما يصب في خدمة محاولات الكيان الصهيوني شطب منظمة التحرير وإنهائها وللاسف بدعم من بعض الدول العربية ، إذن فإن التعامل مع م.ت.ف مسألة متحركة ترتبط بمدى قدرة الفصائل والاحزاب الوطنية عموما على ممارسة كل اشكال الضغط لكي تستعيد المنظمة التزامها بمبادئها وثوابتها الوطنية ومواصلة النضال من اجل تحقيق اهداف الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة .
أن إنهاء الانقسام اصبح مطلب شعبي من اجل وضع الحالة الوطنية على سكة إنجاز التفاهمات التي تمت حول العديد من المسائل والقضايا، التي سيسندها تشكيل حكومة توافق وطني وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية شفافة وعلى أساس وطني قادر على تأمين مشاركة وطنية لمختلف القوى والاطراف في تحديد المواقف والسياسات الوطنية، بما يحافظ على الوحدة الوطنية بأبعادها السياسية والكفاحية والشعبية ويفتح بارقة أمل في قدرة الساحة الوطنية على السير قدماً على طريق تطوير الفعل الوطني، والهجوم السياسي، والدبلوماسي، والكفاحي، القادرعلى وضع حد للصلف والعنجهية والإجرام الصهيوني ورفع كل مبررات التخاذل الدولي عن معاقبة حكومة الاحتلال على هذه الممارسات التي تتنافى وأبسط قواعد الشرعية والقانون الدولي.
امام كل ذلك علينا ان لا نعول على الزيارات المكوكية الامريكية ، وعلينا ان نرى الشموخ لدى الشعب الفلسطيني والتمسك بالأرض والمقاومة والحقوق الثابتة، وفي الدفاع عن حق الأسرى ومعتقلي الحرية في سجون الاحتلال الصهيوني ،وعدم تعريض حياتهم للخطر بفعل السياسات والممارسات الصهيونية التي تفوق في عنفها وهمجيتها كل ما شهدته البشرية، حيث يحرم السجناء من الحقوق التي توفرها المواثيق والمعاهدات الدولية، فمجرمي الحرب الصهاينة يمارسون شتى أنواع التعذيب والمعاملة اللا إنسانيه حيث شهدت تلك المعتقلات استشهاد العديد من الشهداء وخروج العديد من الأسرى بعاهات كبيرة، إضافة إلى الأحكام التي تصل لمئات السنين، وإعادة الاعتقال والاعتقال الإداري والظروف القاسية على كل المستويات التي يتعرض لها الاسرى والاسيرات الابطال ، فما يتعرض له الاسير محمد التاج عميد اسرى جبهة التحرير الفلسطينية والاسير سامر العيساوي يدق ناقوس الخطر مما يتطلب رفع هذه القضية لكل الهيئات والمنتديات الدولية، لوضع حد نهائي لهذا الواقع المؤلم، الذي يهدد مصير الآلاف من خيرة مناضلي الشعب الفلسطيني، والتي تتعارض مع كل الأعراف والمواثيق والمعاهدات الدولية الخاصة بمعاملة أسرى الحرية كأسرى حرب وعدم إبقاء الكيان مطلق اليدين في جرائمه ضد مئات الآلاف من أسرى الحرية الفلسطينيين والعرب وعلى الأسرة الدولية والعالم أن يتحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية لوضع حد لهذه الجرائم والممارسات العنصرية والتي كلفت شعبنا العشرات من الأبطال ومئات المناضلين .
والعبرة الأساس أن تبقى مهمة تحرير أسرانا ومعتقلينا في السجون الصهيونية أمانة في أعناقنا جميعاً كحركة وطنية وشعبية، مما يتطلب دينامية وإستراتيجية قادرة على وضع هذه القضية على سلم أولوياتنا وتحركاتنا في المرحلة القادمة وتجنيد كل الطاقات والإمكانيات لإنجاح هذه المعركة الوطنية الهامة في حياة الشعب والثورة .
ختاما : لا بد من القول ان عظمة الشعب الفلسطيني وإصراره على مواصلة كفاحه واستعداده الغالي لتقديم التضحيات لنيل حقه المقدس في الحرية والعودة، يتطلب الحفاظ على وحدة الشعب والارض والقضية.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت