محطة الدكتور سلام فياض القادمة

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي


الدكتور سلام فياض شخصية فلسطينية حازت على اهتمام واسع من كافة المراقبين سواء على الساحة الفلسطينية او الدولية منذ بزوغ نجمه بتوليه وزارة المالية في حكومة ياسر عرفات عام 2002 ومن ذلك التاريخ وحتى يومنا ظهر الخلاف حول هذه الشخصية بين فريقين الاول رحب بوجوده لما بتمتع به من علاقات دولية لا ينكرها عليه أحد ومن قدرات إدارية وخبرة في مجال إدارة المال وقدرة على العطاء ، والفريق الآخر رأى في الرجل غير ذلك وأنه قادم لتمرير سياسات معينة وهو جاء بدعم أمريكي غربي ، وبقي هذا الخلاف على الدكتور فياض يتقدم ويتأخر كثيرين غيروا من مواقفهم بعد أن اقتربوا منه ووجدوا صدقه وتواضعه وقدراته وحماسه لعمل شيء يخدم القضية الفلسطينية وجهده في بناء مؤسسات الدولة وتعزيز الشفافية والنزاهة الى حد كبير ، وهناك من زاد خلافه وتشدد في الموقف منه لاسباب مختلفة البعض يرى في فياض شخصية ليست حزبية ولا ينتمي لحركة فتح وبالتالي لا يستحق المناصب التي تقلدها واعتبر البعض ان وجود شخص بقوة فياض يحرج حركة بحجم حركة فتح ، وهناك من يرى نفسه أولى من فياض بالمناصب التي تولاها وهناك من يحسد ويكره لاسباب شخصية ، وعلى كل الاحوال كان ولازال فياض نقطة خلافية بين المجموع الفلسطيني وهذا ليس عيبا وليس طارئا لأ، هذا حال الشعب الفلسطيني بحكم التركيبة الثقافية والحزبية السائدة ، ولم ينج اي قائد مما تعرض له الدكتور فياض حتى رمز الشرعية النضالية الفلسطينية الشهيد ياسر عرفات – رحمه الله – وكذلك شيخ المجاهدين الشهيد احمد ياسين – رحمه الله – وغيرهم من القيادات التاريخية . هذه المقدمة لابد منها حتى لا يعتقد البعض أن ما يتعرض له فياض بدعة جديدة بل هي سياسة عامة .
في المحطات السابقة لعلاقة فياض بالقيادة الفلسطينية كانت تتصف بالانسجام التام والتوافق السياسي العام بل وافق الجميع ان يتقلد الدكتور فياض وزارة المالية في حكومة الوحدة الوطنية عقب اتفاق مكة الشهير وهذا اعطاه قوة تؤكد على الإجماع في تقدير مكانته واحترام قدراته ، ثم اصبح الأمر اكثر وضوحا في تمسك الرئيس محمود عباس بصديقه الدكتور سلام فياض واختياره في أعقد الظروف بعد حالة الانقسام الفلسطيني ليكون رئيس حكومته في رام الله وقبول فياض للعب هذا الدور في أصعب الظروف كانت مغامرة مهمة ولكن كانت تؤكد على مدى قوة العلاقة الخاصة التي تربط بين الرجلين ، وتمسك الرئيس عباس بصديقه طوال السنوات الماضية بالرغم من تصاعد الاصوات المطالبة باستبعاد فياض عن رئاسة الحكومة خاصة من بعض تيارات فتح وكذلك من حركة حماس التي وضعت ذلك شرطا لتحقيق المصالحة .
وفي احد لقاءاتي مع الرئيس محمود عباس قالها بكل وضوح وصراحة " لن نجد أفضل من الدكتور سلام فياض لرئاسة الحكومة في هذه المرحلة فهو القادر على حمل كل هذه الاعباء ولن نجد بديلا يوازيه " ، وفي احد لقاءاتي مع الدكتور سلام فياض ونصيحتي له بالاسراع بتقديم استقالته عندما زادت ضغوط البعض عليه كان جوابه " أنا أدرك انني يجب أن أغادر ولكن ليس أنا من يخذل الرئيس محمود عباس وحتى لا يقال أنني سبب أزمة إضافية وسأتحمل النتائج على المستوى الشخصي " .
واليوم الحديث يدور انه أصبح من الصعب على الدكتور سلام فياض الاستمرار بمنصبه لاسباب عديدة ولكنه يقول دائما أن القرار هو للرئيس فقد سبق أن قدم استقالته وطلب من الرئيس أن يعفيه من مهامه ولكن الرئيس صاحب الولاية لم يحسم امره بعد ، هل ينتظر الرئيس الفرصة ليكون البديل هو التوافق مع حماس على حكومة الوفاق برئاسته ثم الذهاب للانتخابات ؟ أم هل ينتظر نتيجة زيارة الرئيس الامريكي اوباما وجولات وزير الخارجية الامريكي كيري ومدى نجاحه في إعادة عملية المفاوضات من جديد ؟ لأن كل خيار له أدواته ، فإذا كان الخيار الأول فلابد من رحيل فياض وإذا كان الخيار الثاني فإن بقاء فياض هو الاسلم والأفضل للرئيس .
ولكن إذا كان للرئيس محمود عباس حسابات خاصة فإن للدكتور سلام فياض أيضا حساباته فلازال فياض يعتقد أنه ىمتلك مشروعا تنمويا مستقبليا يمكن أن يساهم في بناء وتعزيز المؤسسات الفلسطينية وبناء الدولة على أسس صحيحة وقوية ولديه مشروعا سياسيا خاصا وطموحا ويمتلك من الامكانيات ما يؤهله للعب دور مستقبلي وله في ذلك الكثيرين من المؤيدين والساحة الفلسطينية بحاجة الى تيار فلسطيني جديد يختلف في طرحه ونعاطيه مع الواقع الفلسطيني عن الفصائل التقليدية الحالية . البعض يعتقد أن لا فرصة جديدة لنجاح فياض من جديد ولكن هذه حسابات البعض لان هناك من يعتقد انه لازال فياض يمتلك الفرصة الكبيرة لفعل الكثير في المستقبل بعد مغادرته مبنى رئاسة الوزراء .
مربع فياض القادم هو استعادة نشاطه من خلال مقعده في المجلس التشريعي ولديه الوقت والكثير ليفعله متسلحا بالحاجة الفلسطينية لكل إمكانياته ، وفي هذه المرحلة فإن لدى فياض الكثير ليقوله مما خفي عن الكثيرين خلال الفترة الماضية ، وعندما نستمع للرجل سيحكم عليه الكثيرين الذين يحترمون عقولهم إما بالسلب أو الإيجاب وليس أصحاب المواقف المسبقة .
اعتقد اننا أمام متغيرات مهمة والمجتمع الفلسطيني مقبل على رسم صورة جديدة له تتسم بالارادة الشعبية القادمة ، الشعب بدأ يتململ ويطالب بتغيير الصورة النمطية الحالية والانطلاق نحو الافق الواسع وكسر الجمود الحالي والنظر نحو المستقبل دون الاستسلام الكامل للماضي ، سيرحل عنا القيادات التي لا تملك سوى قصص ماضيهم ولا يدركون حاضرهم ومستقبلهم .

م. عمـــاد عبد الحمـــيد الفالــــوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت