فياض إستقالة أم مناورة

بقلم: هنادي صادق


يدور منذ عدة أسابيع أحاديث داخل الصالونات المغلقة عن أزمة مكتومة بين رئيس الوزراء د . سلام فياض وبين الرئيس محمود عباس على خلفية إستقالة وزير المالية ، إلا أن الرئيس الفلسطيني فاجأ الجميع وخالف التوقعات بإعتماده الموازنة العامة بدون أن يتم عرضها على الكتل النيابية في خطوة ذات دلالات عميقة وتؤكد على متانة العلاقة بين الرجلين ، بل أن الرئيس عاد رئيس الوزراء عندما ألمت به وعكة صحية في المستشفى وقد ظهر مقدار التفاهم الكبير بين الرجلين ، والسؤال المطروح هنا هل لهذه الإستقالة علاقة بقرب إنجاز المصالحة ؟ وهل هذه الإستقالة حقيقية أم مناورة للإلتفاف على الغضب الفتحاوي من فياض ؟
للإجابة على هذه التساؤلات سنتطرق إلى عدة هامة سنأخذ بها للاستبصار عند تحليلنا وقراءتنا للموقف الراهن :
أولاً :- الحديث عن المصالحة يدور في حلقات مفرغة و لا يوجد ترجمة حقيقية على الأرض لتهيئة الأجواء العامة للمصالحة يلمسها المواطن العادي والبسيط اللهم إذا كان المصالحة الذي يتحدثون عنها تتم بين القيادات في الجولات السياحية والحقيقة أنني هنا أجد نفسي مضطراً للتعليق بسخرية على هذه السياحة والحديث أن الفصائل على إختلاف مشاربها والمستقلين يضافون إليهم يهدفون من الجولات المتواصلة من اللقاءات في قاهرة المعز لتعزيز النوع الجديد من السياحة والذي غفل عن الحديث عنه في اللقاءات الصحفية وزير السياحة المصري وهو السياحة التصالحية .
وبعيداً عن السخرية فإنني كما أسلفت لا يوجد أرضية صلبة لتنفيذ المصالحة والحديث عن تشكيل حكومة قبل حل بعض القضايا المهمة والمتفجرة والتي على رأسها الملف الأمني وعليه فإن إبقاء الأمور على حالها سيلقي بضلال كثيفة من الشك على قدرة الحكومة المراد تشكيلها على إجراء إنتخابات ذات مصداقية في ظل العصا الأمنية الموجودة والتي يمكن أن تتدخل هنا أو هناك لتغيير الوقائع على الأرض وخصوصاً أن هناك حالة من الإحتقان الشديد بسود غزة وظهر ذلك جلياً في تاريخ 4/1/2013 م ذكرى الإنطلاقة الفتحاوية والتي أظهرت رغبة الناس في التحرر والإنعتاق من هذا الظلم الجاثم على الصدور وأنا هنا فقط ذكرت مثالاً لعشرات من الملفات المتفجرة والتي يمكن أن تنسف خطوط المصالحة بدون رجعة ما لم يكن هناك ترتيبات على الأرض يشعر بها المواطن البسيط .
إذا الحديث عن المصالحة وأتمنى أن أكون مخطئاً يدور من باب تسجيل النقاط كل في ملعب الآخر وحتى لا يظهر أي طرف كطرف معطل ، وعليه فإن الحديث عن أن المصالحة هي السبب في إستقالة فياض لتهيئة الأجواء لتشكيل حكومة هو من باب ذر الرماد في العيون .
ثانياً :- منذ ما قبل الدورة الثالثة يطالب المجلس الثوري بإجراء تغييرات على حكومة فياض تطاله شخصياً إلا أنه في الآونة الأخيرة تعالت الأصوات التي تنتقد فياض بشدة وتدعو الرئيس إلى إقالته وكلنا نذكر الهجوم العنيف والغير مسبوق من عضو اللجنة المركزية الأخ توفيق الطيراوي ، ولقد ازدادت حدة الهجوم الفتحاوي الذي يستهدف رئيس الحكومة بعد قبوله إستقالة قسيس خلافاً لما صرحت به الرئاسة والتي رفضت هذه الإستقالة ، وكذلك بعد لقاء فياض مع الرئيس الأمريكي وما تبع ذلك من إفراج عن الأموال المحتجزة من المساعدات المقررة لدولة فلسطين ولقد رأت أوساط فتحاوية أن فياض لا يتصرف كرئيس وزراء حكومة لا علاقة لها بالشأن السياسي بل أنه ينازع الرئيس ومنظمة التحرير على التمثيل السياسي يل رأت فيه طامحاً للوصول للسلطة على أنقاض حركة فتح وعن طريق تفتيتها وشراء الذمم .
إن الغضب الذي يكتنف القاعدة والقيادات المختلفة على رئيس الوزراء سلام فياض حقيقي وغير مفتعل ولكن لكل أسبابه المختلفة ووجهة نظره التي يرى فيها وجاهة ، ولقد ظهر هذا جلياً في إجتماعات المجلس الثوري وما تسرب عنها من جلسات عاصفة طالت بالنقذ اللاذع رئيس الوزراء وانتقدت سياساته المالية ، صحيح أن هذا لم يظهر جلياً في بيان المجلس الثوري بفعل تدخلات يبدو أنها من طرف الرئيس والذي حاول إمتصاص الغضب بوعودات بمعالجة ملف الحكومة ، والسؤال الذي يتبادر إلى ذهن الجميع هل سيقبل الرئيس إستقالة رئيس وزرائه سلام فياض ؟
بلا شك أن الرئيس ونتيجة لظروف موضوعية وعوامل إقليمية وغربية ترى في الدكتور سلام فياض رجل حكم رشيد وترهن الدعم الذي تقدمه بوجوده على رأس الحكومة والأكيد أن الدكتور فياض يعرف هذه الأمور ويحاول أن يرمي الكرة في ملعب الرئاسة وحركة فتح وباقي فصائل منظمة التحرير وكلنا يذكر مقترحه عند بداية الأزمة المالية وبدء توجيه سهام النقد لأداء حكومته وفشل سياساتها الاقتصادية والقاضي بتشكيل حكومة من فصائل منظمة التحرير حيث حاول من هذه الإقتراح تحميل تبعات الأزمة الإقتصادية وما سينتج عنها للفصائل وبحيث سيظهر في نظر عموم الشعب كالمنقذ الذي جرى إخراجه من المعادلة كي يعم الخراب والفساد ، وسيجعل فصائل منظمة التحرير ترجوه للعودة لرئاسة الوزراء ، وأمام هذه المعادلات سيجد الرئيس نفسه مدفوعاً للإبقاء على رئيس وزرائه سواء أكان هذا البقاء على هواه أم بغير رضاه ولكن بطريقة لا تجعله يظهر بمظهر المستجيب لهذه الضغوط وأعتقد هنا أن الظروف الحالية تخدم الرئيس في هذه المنحى ، فمع إنتهاء لجنة الإنتخابات المركزية من عمليات إدخال البيانات وتحديث السجل الإنتخابي ، تكون الأمور نظرياً قد تهيأت للبدء في المشاورات اللازمة لتشكيل حكومة وحدة وطنية من الكفاءات والمستقلين ، مما يترتب على الرئيس قبول إٍستقالة رئيس وزراءه مع تكليفه بتسيير الأعمال لحين تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وكما أسلفت فالأمور على الأرض لا تبشر بحدوث هذه المصالحة قريباً ، وهذا سيعطي مزيداً من الوقت للرئيس لتنفيس الإحتقان الداخلي لحركة فتح وإصلاح الجسور مع رئيس الوزراء فياض ، ويمكن في هذا الإطار أن يعيد تكليف فياض بتشكيل حكومة جديدة مع إرضاء حركة فتح بإعطائها وزارات مهمة وأكثر من السابق بما يشمل سحب وزارة المالية من رئيس الوزراء وإعطائها للحركة لكي لا ينفرد فياض بالقرار المالي والإداري للحكومة .
ولكن إذا أراد الرئيس مواجهة كافة الضغوط التي بدأت بوادرها تلوح وتكليف شخصية جديدة لشغل هذا المنصب ، فهو يجب أن يأخذ بعين الإعتيار أن يكون ذو خلفية إقتصادية ومعروف لدى الآخرين ، وفي هذه الحالة فإن د. محمد مصطفى مستشار الرئيس للشؤون الإقتصادية هو الأوفر حظاً من بين كافة المرشحين ، إن المحك العملي لكون فياض يناور في إستقالته أم لا هو مدى إصراره على موقفه سواء العلني أو في الكواليس والغرف المغلقة منها .
أمام هذه الضغوط فإن على الرئيس أن يحسم خيارته فإما أن يستجيب لها وفي هذه الحالة سيجد لها مستشاروه مخرجاً دبلوماسياً ممتازا ًكما أسلفنا أو يفاجئنا ويفاجأ الجميع وكما عودنا في مرات سابقة بتكليف شخصية جديدة للمنصب ..... الأيام بيننا .
تنويه : لم أخذ بعين الإعتبار الغضب الفتحاوي في غزة وغضب الموظفين على فياض بعين الإعتبار لأنني أعتقد أن هذا في ذيل إهتمامات وتخوفات صانعي القرار وليس له أية تأثير على هذا القرار .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت