عبر المسار التاريخي لنضال الشعب الفلسطيني من أجل حقه في وطنه أفقدت المواقف السياسية "القضية" بعض وهجها المقدس، صار الشعار في أحيان كثيرة فارغاً من أي مضمون، واغتالت المزايدات جوهر النضال، ، على أرض يحكمها ويتحكم بأهلها الاحتلال الإسرائيلي، فيما تدور أنظار العالم حول قضايا عربية ودولية قد تبدو أكثر سخونة وحساسية، تستغل حكومة الاحتلال الصهيوني هذا الانشغال وتنفذ خلسة مخططاتها التهويدية في الضفة الفلسطينية ومدينة القدس المحتلة، والتي تستهدف بشكل مباشر المسجد الأقصى المبارك، أولى القبلتين وثالث الحرمين، من خلال محاولة إثبات وجودها اليهودي فيه من جهة، وتسريع عمليات هدمه أو انهياره من جهة أخرى لبناء هيكلها المزعوم.
وفيما تتوالى المواقف الفلسطينية لإنقاذ المسجد المبارك من براثن الاحتلال، امام كل هذه التداعيات المرتبطة بقضية السلام، تفرض على الدول العربية والإسلامية، أكثر من أي وقت مضى، التيقظ التام لكل ما تقوم به إسرائيل من محاولات يائسة للتنصل من اي استحقاق.
وفي ظل هذه الظروف تأتي الزيارات الامريكية للمنطقة في مسلسل تحريكي انطلاقا من تبني الرواية الصهيونية المختلقة للصراع العربي الصهيوني على فلسطين كاملةً بلا نقصان ورفعها إلى مستوى العقيدة الأميركية الأبدية ، و لم يعد يصعب على عاقلٍ في هذه المنطقة، خابري مواقف الادارة الامريكية طويلا من القضية الفلسطينية ورأى سياساتها المعادية لعقودٍ خلت، إدرك أنه مامن علاقة حقيقية لجولة كيري بأهدافها الإيهامية المعلنة، وإنما، إلى جانب الإيهام والتخدير والتجميد، دون ان يرسم استراتيجية وطنية تستند لكل اشكال الكفاح الوطني للشعب الفلسطيني ، وعدم الاعتماد على الحالة العربية المزرية المبتلية بغياب الإرادة السياسية وفقدان المناعة القومية ، لابتزاز المزيد من التنازلات التصفوية .
ومن هنا نرى أن دعوة قطر لقمة مصالحة في القاهرة ليس هدفها إنجاز المصالحة بالمفهوم الذي يريده الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية بل التلاعب بالتمثيل الفلسطيني واستكمال مخطط تم الاشتغال عليه طوال سنوات لتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية، وعليه فإن القمة الموعودة كما هو الشأن بكل اللقاءات السابقة التي جرت خلال السنتين الأخيرتين في القاهرة والدوحة ليس هدفها إنجاز المصالحة الفلسطينية في إطارها الوطني وفي إطار شرعية منظمة التحرير الفلسطينية حتى مع توسيعها وإعادة بنائها، بل تمهيد الطريق لحركة حماس لتنتزع القرار الوطني الفلسطيني والصفة التمثيلية للشعب الفلسطيني من منظمة التحرير لتصبح هي الجهة الرسمية الممثلة للشعب الفلسطيني مدعومة في ذلك بالاسلام السياسي في المنطقة وقطر وبمباركة أميركية وأوروبية مشروطة لهذا التوجه، وهي شروط باتت تتساقط مع كل مبادرة حسن نية تُقدم عليها حركة حماس منها : توقيع الهدنة بين "حماس" وإسرائيل بما يعنيه ذلك من وقف المقاومة من قطاع غزة .
ندرك جيدا الخلل الكبير في منظمة التحرير الفلسطينية ، كما ندرك أزمة المشروع الوطني الفلسطيني بعناوينه ونخبه الراهنة، كما نتلمس الحاجة من اجل تفعيل وتطوير مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية على اساس شراكة وطنية حقيقية ، وبمهام استنهاض الحالة الوطنية، والحفاظ على المشروع الوطني بعيدا عن الأجندة والمحاور الخارجية التي عانينا منها كثيرا طوال عقود، المهم ألا يتم إلحاق قضيتنا ومشروعنا الوطني بالمشاريع والأجندات التي تحاك للمنطقة العربية في إطار الشرق الأوسط الجديد، لأن المهام والمتطلبات الوطنية لفلسطين تختلف عن المهام والمتطلبات السياسية للشعوب العربية، وخاصة بعد ان حاولت الثورة المضادة انتاج انظمة جديدة لا تختلف عن سابقاتها من خلال ما يسمى الاسلام السياسي وبمباركة ودعم امريكي استعماري بهدف تفتيت المنطقة الى كانتونات طائفية ومذهبية واثنية ، وهذا يتطلب من الاحزاب والقوى العربية تفادي لما تخطط له الدوائر الامبريالية والرجعية العربية، والمرتكزات الإقليمية للعولمة الأميركية في المنطقة، من الصدام مع الدين والمتدينين. وتعمل على إشراك المعتدلين من الإسلاميين في تطوير العملية الثورية. كي تأتي معبرّه عن مصالح أوسع الفئات الشعبية في الحرية والديمقراطية والكرامة الوطنية والعدالة الاجتماعية، ورفع مستوى النضال الايديولوجي كأحد أشكال النضال الديمقراطي العام، لفضح نوايا ومخططات وأهداف التحالف الامبريالي – الصهيوني ، الذي لا همَّ عنده سوى الانتفاض على مسيرة الشعوب وقواها الحية، وايقاف مسار التقدم، وتأمين مصالحه الاستراتيجية على المستويات كافة، ونحن على ثقة ان ارادة الاحرار والقوى والشعوب ستكون بالمرصاد لهذه الطغمة الجديدة .
ان الشعب الفلسطيني ما زال يعاني من الاحتلال في قطاع غزة والضفة والقدس، ومن الوهم بل والسخرية الكبيرة أن يعتقد البعض أننا انهينا مرحلة التحرر الوطني لمجرد وجود سلطة وحكومة ومجلس تشريعي سواء في الضفة أو غزة، فهذه التشكيلات أو المؤسسات السياسية مجرد ملهاة وخداع للنفس، بل ستكون السلطة والصراع عليها مقتل العمل الوطني والعائق أمام مشروع التحرر من الاستعمار. لأننا في مرحلة التحرر الوطني فنحن بحاجة لمصالحة تجسد المشروع التحرر الوطني التوافقي على مهام مواجهة الاحتلال وليس مصالحة إدارة الانقسام أو الصراع على تمثيل الشعب الفلسطيني، وفي اعتقادي أن الأقدر والأحق بتمثيل الشعب الفلسطيني هو الأقرب لأحاسيس ومتطلبات الشعب بالحرية والتحرر من الاستعمار وهو الأقدر على تمثيل الوطنية الفلسطينية المستقلة ثقافة وهوية وانتماء وهنا اعني منظمة التحرير الفلسطينية الكيان والهوية والممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني .
ان الضعف أمام دولة قطر والقوى الكبرى التي ترسم معالم الشرق الأوسط الجديد وهو ضعف ينتج عنه ردود فعل باهتة وخجولة، لا يبرر صمت كافة القوى والفصائل لان القضية تتجاوز الحسابات وتمس مصير ومستقبل الشعب الفلسطيني برمته.
ولهذه الاسباب نتطلع الى اهمية الانتخابات الديمقراطية الفلسطينية باعتبارها الطريق الوحيد الممكن ولوجه من قبل جميع الوان الطيف السياسي الفلسطيني ، للوصول الى الوحدة الوطنية باعتبار ان هذه الانتخابات تشكل اليوم قاعدةً وبيتاً للوحدة الوطنية الفلسطينية ومن اجل اعادة بناء رؤيه مستقبلية، واستنهاض الجماهير من خلال اخذ دورها في تحقيق أهدافها بالتحرر الوطني.
ختاما : لا بد من القول في مثل هذه الظروف ، فإن من واجب القوى والفصائل أن تنتقل من حالة الركود الراهنة إلى حالة التفاعل الذي يحقق قدرتها على الاستجابة والتحدي للمأزق السياسي والمجتمعي الراهن، وأن تتعاطى مع ما يجري من على أرضية المصالح والأهداف الوطنية والديمقراطية ، والعمل على تفعيل دورها في المقاومة بكافة اشكالها ، بما يوفر لها إمكانيات طاقاتها ، والانطلاق إلى رحاب الجماهير والتوسع في صفوفها لكي يستعيدالشعب الفلسطيني من جديد، دوره الوطني العظيم من اجل تحقيق الاهداف الوطنية في الحرية والاستقلال والعودة .
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت