بعد كل هذا "الخض" الذي شهدته الساحة الفلسطينية في موضوع استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني من عدمها، لم تشكل الاستقالة مفاجئة من أي نوع كان، لأي كان، لا على مستوى الشارع الفلسطيني الشعبي ولا الرسمي أو الفصائلي، كما انها لم تشكل مفاجئة على أي مستوى إقليمي أو دولي.
ربما شكلت الاستقالة خيبة أمل لمن يرغبون في بقاء السيد سلام فياض في موقعه، وخاصة في الجانب الأمريكي بشكل خاص والغربي بشكل عام، هذان الطرفان اللذان بحسب ما تردد، قاما بما هو أكثر من اللازم للإبقاء على د. فياض في موقعه، وهذا ربما احد الأسباب التي دفعت الرجل إلى الإصرار على الاستقالة، حيث قيل انه وبعد ما تم ترويجه عن التدخلات الغربية والأمريكية "صار أكثر إصرارا على التخلي عن موقعه".
ردة الفعل الأخرى اللافتة، برغم ما فيها من تناقض مع المواقف السابقة التي كانت تهاجم فياض باستمرار، كانت من قبل دولة الاحتلال، حيث كُتِبَ في وسائل الإعلام الصهيوني، ما يشير إلى أن دولة الاحتلال، كانت تتمنى بقاء الرجل، لأنها تعتقد بأنه الأكثر ملائمة لسياساتها، لا بل أشارت جريدة هآرتس إلى ان غياب فياض قد يكون المقدمة لأفول السلطة الفلسطينية، وقد كانت ردة فعل دولة الاحتلال، تعبيرا عن عدم رضا هو اقرب إلى الغضب بعد ان تبين ان الرجل أصبح من الماضي.
خلال الفترة القريبة الماضية اشتدت الحملة الفتحاوية على الرجل، وقيل فيه ما لم يقله مالك في الخمر، وهي هجمة وان اتسمت "بالقسوة" في الفترة الأخيرة، إلا انها لم تكن غائبة طيلة السنوات التي تولى فيها فياض هذا المنصب، وكان أحد محاورها ان هذا المنصب لا يجوز ان يكون لغير حركة فتح، خاصة "انها الحركة الرائدة والقائدة للمشروع الوطني الفلسطيني" بالنسبة لِكُثُر، وقال البعض في الحركة إن الرجل كان يريد الهيمنة ليس فقط على الحكومة الفلسطينية، لا بل ولديه رغبة جامحة في "ترويض" الحركة من خلال "استزلام" من يمكن "استزلامه"، وشراء من يمكن شراؤه، وتحويل الحركة إلى جزء من سياسته على كل الصعد الاقتصادية والسياسية ...الخ.
خلال تسلمه لمنصبه، حاول سلام فياض لعب دور القائد الشعبي، الذي لا يتوانى عن زيارة الأرياف والمناطق الفلسطينية الأكثر تهميشا واحتياجا، وقام بالذهاب إلى حيث أمكن للاختلاط والتفاعل مع الناس "العاديين"، وكان لا يفوت أية فرصة من اجل "التجول" والحركة وزيارة المناطق الفلسطينية، من اجل اكتساب اكبر قدر من الرصيد الشعبي، هذا الرصيد الذي يعلم انه يفتقر إليه، والذي هو بحاجة ماسة له إذا ما أراد البقاء في غمار السياسة، وخوض معاركها المستقبلية، لتحقيق طموحاته التي تجلت من خلال ما حاول تشكيله "الطريق الثالث"، خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 2006.
دخول فياض إلى الحلبة السياسية بكل هذا الدعم الغربي والأمريكي، لم يكن محض صدفه، فلقد دخلها بعد مخاضات وضغوطات متعددة على أركان القيادة الفلسطينية منذ أيام الراحل ياسر عرفات، وكردة فعل على ما راج عن "مأسسة" للفساد ساد أركان السلطة، التي كانت "طبعا وما زالت" تقودها حركة فتح، وهي ذات الأسباب التي كانت نتيجتها فوز كاسح لحركة حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006.
لقد كان واضحا على إثر خروج فتح بهزيمة مدوية من الانتخابات التشريعية، ان من غير الممكن ان يكون على رأس الحكومة شخصية فتحاوية، وهذا ربما احد الأسباب الرئيسة التي دفعت أبو مازن لاختيار شخصية من خارج الحركة، لتكون على رأس الحكومة، ولم يك هنالك من هو أكثر ملائمة من سلام فياض في ظل تلك الهزيمة، وكذلك في ظل الضغوط الغربية، بالإضافة إلى الانقسام الذي حدث على إثر سيطرة حماس على القطاع.
بعد أن عاب كثيرون في فتح على فياض محاولاته "ترويض" أبناء الحركة من خلال "المال السياسي" وغيره من الطرق، وبعد أن أصبح الرجل من الماضي، لا شك ان حركة فتح بقيادة السيد عباس، اختارت من هو من "صدر بيتها"، ومن يعتقد البعض انه سيكون أكثر موالاة لسياساتها، أو ربما "مطواعا" لرغباتها.
أن يكون القادم الجديد من فتح أو من سواها ليس هو المشكلة، ولكن المشكلة هي في الكيفية التي سيكون عليها، وكيف سيدير الحكومة وكيف سيوظف الأموال؟ بعد أن يجلس هذا القادم الجديد على رأس الحكومة، يبرز السؤال عن الكيفية التي سيتعامل بها من كانوا السبب في "طيران" فياض.
سوف يتبين فيما إذا كان هؤلاء سيلجئون إلى نفس الأساليب فيما لو ثبت ان الرجل يتصف بمهنية وشفافية عالية أكثر من فياض - على افتراض انه كان كذلك-، خاصة وان هذا هو المطلوب بعد ان "طار" فياض، وإلا فما الداعي للتغيير ان لم يأت رجل أفضل من الذي رحل، ترى هل "سيعض" هؤلاء أيديهم ندما؟ أم ترى سيتساوق القادم الجديد مع رغباتهم ويتخلى عن مهنيته في سبيل إرضاء هؤلاء الذين ربما لا "يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب"؟، هذا ما ستقرره الفترة القريبة القادمة.
15-4-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت