ما زالت ردود الأفعال على إستقالة رئيس الوزراء سلام فياض تتواصل فمن مرحب ومتفائل بها إلى محذر من عواقبها وتداعياتها على العلاقة مع المجتمع الدولي وخصوصاً العلاقة مع المانحين ، والحق يقال أن رئيس الوزراء قد تولى زمام الحكومة في وقت جبُن الكثيرون فيه على التصدي لهذه المهمة وإستطاع قيادة دفة الحكومة والإقلاع بها وإقناع الجهات المانحة بمواصلة الدعم لحكومته ولقد تعرض رئيس الوزراء المستقيل لإنتقادات واسعة بسبب السياسات الإقتصادية التي تبنتها حكومته والتي رسمها من خلال ترأسه لوزارة المالية طوال السنوات السابقة ، هذه السياسات المالية التي أرهقت الموازنة العامة بالكثير من الديون والأعباء والتي سيدفع ثمنها الأبناء ، ولقد تميزت هذه السياسات بالتوسع في الإنفاق الحكومي بل وتشجيع وتعزيز ثقافة الإستهلاك لدى المواطنين وإغراقهم في قروض مع البنوك ولقد ظهرت الأزمة بكل تجلياتها بعد تقليص المانحين للدعم ووقف إسرائيل لتحويل العائدات الضريبية وتخلي العرب عن مسؤولياتهم كإجراء عقابي على إصرار القيادة على التوجه للأمم المتحدة لترقية وضع السلطة إلى مرتبة دولة غير عضو ، فقد عجزت الحكومة عن سداد فاتورة الرواتب وعن سداد ديون القطاع الخاص بكافة أنواعه مما فاقم معاناة آلاف الأسر التي تعتاش على الدورة الإقتصادية التي تحركها فاتورة الرواتب ولقد كشفت الأزمة مدى إنخراط شريحة الموظفين في الإقتراض الإستهلاكي المخصص للرفاهية بحيث لم يستطيعوا تحمل تأخير صرف الرواتب ، وفي ظل هذه الأزمة أحاط رئيس الوزراء المستقيل نفسه بالعشرات من المستشارين الذين يتقاضون رواتب عالية وقام بصرف المكافآت للعاملين بوزارة المالية في ظل الأزمة الخانقة وبرر ذلك بشكل مثير للسخرية بأنها بند وراد في الموازنة ولا يمكن تعديله .
إن التغيير الوزاري المنشود يأتي في ظل مرحلة من أخطر المراحل التي مرت على الشعب الفلسطيني منذ نكبته ، فالشعب الفلسطيني منقسم على نفسه ولا بوادر تلوح في الأفق لتجاوز هذه الوضع المزري للعودة مرة أخرى للإحتكام إلى الشعب ، وعليه فإن التغيير ما لم يكن جوهرياً في الأشخاص وفي السياسات للخروج من الوضع الراهن بأقل الخسائر فإننا ننهي بأيدنا الحلم بإقامة الدولة المستقلة ذات السيادة .
إن صك القبول لأي رئيس وزراء جديد وحكومة جديدة لن يكون من خلال أمريكا وحلفائها بل من خلال إنحيازها لشعبها وسعيها للاصلاح الفعلي وفق برنامج وطني يشارك فيه الكل الوطني وتُمسك حركة فتح فيه بزمام المبادرة التي تخلت عنها أول مرة والمأمول أن لا تتخلى عنها هذه المرة أيضاً وعلى قاعدة من الشفافية والحكم الرشيد تعيد فيه حركة فتح رسم صورتها وبيان طهرها الثوري وتأكيد أن لا مكان فيها لفاسد وكل ذلك على وقع رسم سياسات مالية جديدة ، لأنه إذا كان من المقصود من عملية التغيير تغيير شخص رئيس الوزراء فقط ، فإن هذا التغيير سيفشل لأن الأقدر على اللعب على نفس السياسة هو الدكتور سلام فياض ، وبالتالي فإن من يطالب ويعمل على تغيير الوجوه لا السياسات ، سيحصل فقط على إجراءات ترقيعية مثل تلك التي تبنتها الحكومة على مدار السنوات السابقة من عمرها ، إذاً العبرة التي يجب أن نستخلصها هي أن المشكلة ، والحل ، في الجذور لا العوارض...
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت