أن تكون من غزة

بقلم: هنادي صادق


غزة هذا الشريط الساحلي الضيق بالمساحة الفائض في السكان ، العزيز بأهله وثقافته ، المتجذر في التاريخ بنضاله وصلابته ، حامي الكينونة النضالية للشعب الفلسطيني ، فيه تشكلت أول حكومة فلسطينية ، ومنه إنطلقت شرارة الانتفاضة الأولى ، وهو أول السلطة وأول حلم للدولة ، خاضت الحروب وما ركعت ، وما ذلت جباه أبنائها لأنها لغير الله ما ركعت ، غزة كانت وما زالت ممراً للغزاة ومقبرة لهم .
لكن غزة تغيرت ، تلونت بلون غير لونها ، بطبيعة غير طبيعتها ، فلم تعد تراها إلا حزينة باكية ، كأن على رؤوس ساكينها الطير ، فلقد غابت البسمة وفُقد الأمل ، بعدما فقدت البوصلة ، وقتل الأخ أخيه وشرد أمه وأبيه ، منذ أكثر من ست سنوات غزة تتوق للعودة إلى مجدها ، إلى نفض الغبار عنها ، إلى تبديل واقعها من الظلام إلى النور ، حيث يعود الأخ يعانق أخيه يقبل يد أمه وأبيه ، يصون عرضهُ وكرامته ، ولا يضام فيها حر و لا يُسكت فيها عن حقٍ لمظلوم ، ولا يترك أحدٌ فيها مقهور .
سامحوني هذا هو حلمي الذي رأيته .. شربته وتربيت عليه ، ولكني عندما أستيقظ من حلمي أرى الأمور على حقيقتها فأن تكون من غزة يعني أن تلاقي بؤس الحياة وصعوبتها وصبر أهلها ورعونة حكامها وظلم ذوي القربى وسوط جلاديها وقذائف أعدائها .
أن تكون من غزة يعني أنك لاجئ تتفنن وكالة الغوث التي أنُشئت من أجلك في كل يوم بالقيام بإجراءات تقشفية بحجة عدم وجود ميزانية مع أن مدرائها يتقاضون الرواتب الخيالية والسفريات السياحية والمزايا التفضيلية وكل ذلك على حسابك .
أن تكون من غزة يعني أن تستقبل في المطارات كاللقيط لا صاحب لك ولا مريد ، في الغالب تخضع للترحيل وفي أحسن الأحوال يسمح لك بالمرور والإقامة لأيام معدودة ربما تتعرض فيها للمهانة ، وكل ذلك لأنك تأبى الخضوع والركوع والجميع يستكثر ذلك عليك ، فهم يريدونك طائعاً مجرداً من هويتك متخلياً عن عروبتك عن شهامتك عن دينك عن فلسطينيتك .... ربما عن آدميتك .
أن تكون من غزة يعني أن عليك أن تستقبل أسراك بعد أن يقضوا زهرات شبابهم في سجون ألذ أعدائك ، وفصائلك لا تمارس إلا الفعل اللفظي ، في ظل الإنقسام الفعلي والقطيعة لا مكان لعمل وحدوي يرجع لمن أفنى عمره حريته وبسمته ولا يحفظ كرامته .
أن تكون من غزة فأنت أول الحجارة وأول الرصاص ، أنت أبو جهاد ، تحلق كالنسر فوق المناطقية البغيضة وتقفز فوق الحزبية وترسو على بر شعب الجبارين ... الشعب الذي لا يلين ولا ينكسر في وجه نكبات الأيام.
أن تكون من غزة فسيكون عليك تلقي الضربات من حكومتك التي تتفنن في عقابك ، فتارة تخصم الكهرباء وتارة أخرى توقف الرواتب بحجة التوكيلات و ياما في الجراب يا حاوي فأنت تتعرض للعنصرية لأنك ولأنك فقط من غزة .
لا أحب الحديث بمناطقية بغيضة ولكن لأنك من غزة ... ممنوع عليك العلاوات والترقيات والدرجات وربما تفرض علينا حكومتنا منع الإنجاب وتحدد سن الزواج وكل ذلك لأنك من غزة .
ولأنك من غزة حلم أعدائك أن يناموا ويصبحوا ويجدوا البحر قد ابتلعك ، فإبتعلتهم الدنيا وبقيت أنت في غزة وبقيت غزة صامدة فلكل المتآمرين والمارين على غزة حذاري حذاري من غضب أهلها .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت