حملة مكافحة التخابر مع دولة الاحتلال التي نفذها ولا يزال جهاز الامن الداخلي في قطاع غزة حسب المعلومات اسفرت عن نتائج ايجابية، فهي محاولة مستمرة من اجل القضاء على ظاهرة التخابر، ويجب الاستمرار فيها وعدم التوقف عنها، وملاحقة العملاء ومتابعتها بشكل مهني ضرورة وطنية، ويجب اتباع الاجراءات القانونية في ملاحقتهم وتقديمهم للعدالة.
ظاهرة العملاء لا تتعلق بالجانب الامني فقط، فهي تطال البعد الوطني بتفصيلاته المختلفة الثقافية والاجتماعية والاقتصادية وتهدد النسيج المجتمعي الفلسطيني، وعلى الاجهزة الامنية ان تبقى على تواصل مع الناس من خلال حملات التوعية المختلفة وتزويد الكتاب والصحافيين بالمعلومات اللازمة لتضعهم في صورة ما توصلت اليه هذه الحملة للإسهام بدورهم في وضع حد لهذه الظاهرة، وتوعية وتثقيف الناس بمخاطرها والأضرار التي تلحق بقضيتنا ومجتمعنا الفلسطيني.
دولة الاحتلال مستمرة في تجنيد عملاء لها فبدون العملاء على الارض تجد صعوبة كبيرة في اختراق المجتمع الفلسطيني والعربي، امس الجمعة 19/4/2013، نشرت صحيفة "يديعوت أحرنوت" خبراً يفيد ان جهاز المخابرات الاسرائيلية "الموساد" بدأ حملة واسعة لتجنيد عملاء في صفوفه، تحت عنوان " مع هكذا أعداء نحتاج أصدقاء" على خلفية قضية " العميل أكس" بعد ان تبين وجود اخفاق كبير في تجنيده ومدى ملائمته، وحسب يديعوت بان الحملة هي الاوسع ضمن الحملات التي قام بها الموساد في السنوات الأخيرة في مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي.
اسرائيل تدرك مدى اهمية العملاء فهم جزء لا يتجزأ من البنية الأمنية والعسكرية والسياسية للاحتلال، وهم من أخطر أدواته ويعتبرون جزء أساسي من أذرعه المغروسة بين الفلسطينيين، ينفذون الجرائم التي تواصل قوات الاحتلال ارتكابها بحق الفلسطينيين، وهم ركن أساسي في الجرائم الذي نفذتها وما زالت قوات الاحتلال تنفذها.
ومنذ انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة، والفلسطينيون خاضوا معارك كبيرة في مواجهة الاختراقات الاسرائيلية وتجنيد العملاء في صفوفهم، وسقط عدد كبير من قادتهم وخيرة ابنائهم في انحاء العالم الذين واجهوا العملاء الاسرائيليين وملاحقتهم، وكان للأجهزة الامنية الفلسطينية عقيدة وطنية واضحة، ودور مهم وكبير في مواجهة جهاز الموساد الاسرائيلي، والأجهزة الامنية الاخرى.
وعندما عادت السلطة الفلسطينية الى فلسطين اصيب الفلسطينيين بخيبة امل من اتفاقية اوسلو التي قدمت فيها منظمة التحرير الفلسطينية ضمانات بعدم ملاحقة العملاء ومضايقتهم، وتم تسليم عدد من العملاء الى دولة الاحتلال، وفي حينه اعتبر الفلسطينيين ذلك تنازلاً غير مبرر عن حقوق مشروعة للشعب الفلسطيني بملاحقة هؤلاء المجرمين وتقديمهم للعدالة.
ومع ذلك قامت الاجهزة الامنية الفلسطينية بملاحقة العملاء، وتم القاء القبض على عدد منهم وتقديمهم للعدالة، وعلى الرغم من التنسيق الامني بين الاجهزة الامنية الفلسطينية والإسرائيلية، وتلقيها تدريبات في دول غربية وعربية ومحاولة شطب العقيدة الامنية الفلسطينية من خلال كي الوعي وزيادة جرعة التنسيق والتعاون الامني، ومع ذلك تلقت الاجهزة الامنية الفلسطينية ضربات قاتلة خلال انتفاضة الاقصى ولم تعد اسرائيل تثق بالأجهزة الامنية الفلسطينية.
وبعد أن توقف التنسيق الأمني بعد عملية السور الواقي وإعادة احتلال الضفة الغربية ربيع العام 2002، زادت وتيرة التنسيق الأمني بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية، والأجهزة الأمنية الإسرائيلية وصلت لأعلى المستويات، وأصبحت الأجهزة الأمنية الفلسطينية تعمل بانفلات غير مسبوق، وعاد الوضع إلى الفترة الذهبية لتلك الأجهزة من التعاون والتنسيق الأمني في سنوات التسعين من القرن الماضي.
وانطلقت الأجهزة الأمنية الفلسطينية بذلك بتغطية سياسية مطلقة من القيادة الفلسطينية، وعدم السماح لحركة حماس أو غيرها من الفصائل بالقيام بأي نشاط، ولم تتعظ تلك الأجهزة مما حل بها عندما اقتحمت قوات من الجيش الإسرائيلي المقر الرئيس لجهاز الأمن الوقائي في بيتونيا في الضفة الغربية أثناء عملية السور الواقي، واعتقال معظم ضباط الجهاز الذين كانوا يشرفون على التعاون المشترك والتنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الذي وصل في تلك الفترة لأعلى المستويات.
وما تزال تلك الأجهزة مستمرة في التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وتقوم بما هو مطلوب منها، ويتلقى ضباط معينون التدريب على تلقي المعلومات وتحليلها وطرق التعامل معها، وتجنيد المتعاونين وكيفية تشغيلهم واختراق صفوف فصائل المقاومة.
وبالرغم من نفي المسؤولين في السلطة اكثر من مرة عن حجم التعاون، إلا ان الوقائع على الارض تقول عكس ذلك من خلال التمويل الكبير والتدريب المتخصص في الاردن وأكثر من دولة عربية وغربية، والتعاون الوثيق مع جهاز المخابرات الامريكية "سي أي ايه"، هذا التعاون تحت ما يسمى محاربة "الإرهاب" قائم منذ نشأة السلطة الفلسطينية، وان العلاقة كانت وما تزال بين الأجهزة الأمنية الفلسطينية و"سي أي إيه"، علاقة مميزة تتعدى التعاون، و العلاقة بين "سي أي إيه".
وربما ما قاله عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومدير عام جهاز المخابرات السابق اللواء توفيق الطيراوي قبل عدة اشهر "ان ميزانية الاجهزة الامنية تصل الى 30% من موازنة السلطة، وان تدريب كتيبة مؤلفة من 330 شرطيا تفرض الولايات المتحدة تدريبهم في الاردن تصل الكلفة الى 10 ملايين دينار في حين لو تم التدريب في فلسطين تصل الكلفة الى 300 الف دينار اي اننا ندفع 100 ضعف اكثر،وقص على ذلك الكثير".
حملة مكافحة التخابر والقضاء على هذه الظاهرة المخزية والمشينة التي تنفذها الاجهزة الامنية في غزة التف الناس حولها ولاقت تأييد كبير من كافة شرائح المجتمع الفلسطيني، يجب الاستمرار فيها بملاحقة العملاء وإتباع الاجراءات القانونية في توقيفهم والتحقيق معهم، وهذا يتطلب من الاجهزة الامنية الفلسطينية بإعادة ترتيب اولوياتها وبناءها على اسس وعقيدة وطنية فلسطينية تكون فيها الاولوية لحماية امن المجتمع الفلسطيني والفلسطينيين.
فالقيادة الفلسطينية لم تدرك بعد، أو هي تدرك أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة أنها وعلى رغم ما تقوم به الأجهزة الأمنية الفلسطينية من تعاون وتنسيق أمني وتقديم معلومات، يعتبروننا اعداء لهم وليس اصدقاء، و أن الاسرائيليين لم ولن يثقوا بالفلسطينيين والأجهزة الامنية، وهم ينطلقون من أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية عملها فقط تقديم المعلومات وتلقي المعلومات التي تريد الأجهزة الأمنية الإسرائيلية تقديمها، ومن الشعار الأمني الإسرائيلي " نحن فقط نحمي أنفسنا".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت