سلطة النقد الفلسطينية عينان مفتوحتان وقلب أعمى

بقلم: سامي الأخرس


يبدو أن قدر الشعب الفلسطيني أن يكون دومًا بين رحى من يمارس عليه الحصار، وخاصة في غزة الّتي لا تعرف من أين تتلقى الحصار، وكيف تواجه من الداخل أم من الخارج؟ ومن الذي يفرض عليها الحصار؟ هل هم أعدائها أم أهلها ومسؤوليها؟
سلطة النقد الفلسطيني منذ الأزمة التي فرضها علينا حصار غزة نتيجة ممارسته الديمقراطية التي لم تأتي على المزاج العالمي الغربي الذي لم ولن يرضى عنا وإن أشعلنا له أصابعنا شمعة تنير له، وإن تغاضينا عن ذلك فلنسأل روح الشهيد ياسر عرفات الذي جنح للمتغيرات الدولية وأراد أن يتوافق مع هذه المتغيرات، وتساوق وتجاوب معهم إلَّا أن النهاية كانت التآمر على ياسر عرفات وتسميمه واستشهاده وهو محاصر بين ركام المقاطعة في رام الله لا حول ولا قوة له رغم أنه حاول بكل جهد أن يوصل رسالته لشعبه ولقومه، إلَّا أن كل الأصوات ضاعت في ضوضاء الأغبياء.
قد تم فرض حصار جائر وخطير ضد غزة وأهلها، وزاد من عمق هذا الحصار الانقسام الذي استكمل حلقات التآمر على قضيتنا، وتآمر على غزة التي تدكها كل القاذفات من الداخل والخارج، وتوقعنا أن تكون مؤسساتنا وخاصة المؤسسات الاقتصادية والمالية عونًا لأهلها ومنقذٍ لشعبها، وسندًا شديدًا وقت الحاجة ولكن هذه المؤسسات رضخت لإرادة الغرب ومارست فعلهم بطريقة أكثر حقارة وأكثر قذارة تحت مسمع ومرآي الحكومتين في رام الله وفي غزة بل ومباركة منهما، دون أن تحرك ساكنًا في رحمة شعبها من أنياب البنوك العاملة في فلسطين بل والبنوك الفلسطينية، التي استباحت كرامة الفلسطيني وأصبحت تتعامل معه عبدًا يصب حليبه في أحشاء خزائنها التي تجمع مدخرات شعبنا وتستثمر فيها بالخارج، ولا يحقق منها شعبنا سوى مكتسبات الاستعباد وممارسة الحصار، فرغم عشرات البنوك العاملة في فلسطين والوافدة التي يجب أن تكون استثمارات تساهم وتساعد في استنهاض البلد وبناها التحتية، وتقوي من عضد الاقتصاد الوطني، وتضخ المدخرات التي تجمعها من شعبنا في مشاريع استثمارية تحقق جزءًا مما تجمعه لصالح البلد والمواطن يحقق انتعشه اقتصادية أو نهضة صناعية أو خدماتية، ولكن هذه البنوك استنكفت واكتفت بمراضاة أصحاب المعالي ومن هم على رأس الهرم المالي والاقتصادي في الضفة الغربية وقطاع غزة وسلطة النقد الفلسطينية، وبدأت تتوغل في استعباد المواطن الفلسطيني واستغلال حصاره لكي تهينه وتحقق مزيدًا من الحصار عليه.
في غزة ومصادفة وأنا ببنك القاهرة – عمان قبل عدة أيام وجدت فتاة صغيرة السن تأتي للحصول على حواله مالية عبّر خدمة ويسترن يونيون من دولة عربية، وإذ بموظف الحوالات يقول لها لا يوجد عملة الدولار فعليك استلامها بالشيقل أو بالدينار، وهي تحاوره أنها تخسر مبلغ كبير ما ذنبها، وأن البنك يحصل على عمولته من الشركة المحولة، "بادرها الموظف بالقول لا علاقة لنا عاجبك عاجبك لا يعجبك أنت حرة"، فقالت له:" أنا حولت قبل ذلك بالشيقل وقلتم لي لا يوجد شيقل، وأعطوتني إياه بالدولار، فكل ما أحول بعملة تقولي لا يوجد لدينا العملة وتصرفوها بعملة أخرى وبالسعر التي تريدونه، فما ذنبنا نخسر فارق العملات لكي تحققوا مكاسب فوق مكاسبكم، فنهرها الموظف واضطرت أن تصرف المبلغ بالدولار فكان فارق العملة مائة دولار كادت أن تبكي الفتاة التي فيما يبدو أنها طالبة".
بنوكنا العاملة والمواطنة تتعامل باستنزاف المواطن إن جاءت له حواله مالية بعملة ما تصرفها له بعملة أخرى لكي تحقق مزيدًا من العمولات بالرغم من أنها تحصل على عمولتها من الشركة التي تم التحويل من خلالها.
هذه الحقائق وهذه الأمور تجري بغزة منذ أن تم فرض الحصار عليها واحتكرت بعض البنوك مثل تلك الخدمات تحت حجة تهريب الأموال لغزة، وكسر الحصار، وعليه استغولت البنوك في إذلال المواطن الفلسطيني واستنزافه في ظل واقع اقتصادي مذل ومهين وحالة من البطالة والفقر هي الأعلى في العالم، وسلطة النقد تقف موقف المتفرج والموافق، دون أن تردع هذه البنوك التي تضر أكثر مما تنفع شعبنا، فلم نشاهد لها أو نلمس لها مشروع تنموي واحد في فلسطين يعبر عنها، بل كل ما تمارسه هو بعض الخدمات كنوع من الدعاية لها أي أنها تصرف ما تخصصه للدعاية بشكل خدمات، في حين أن سلطة النقد فيما يبدو لا تطالب هذه البنوك بممارسة أي دور تنموي حتى لا تتأثر فاتورة الضرائب التي تدفعها هذه البنوك لأن المشاريع تخصم من الضرائب.
سلطة النقد الفلسطينية أسد على الفقراء حيث لم تتورع للحظة من إجبار أو التعاون مع هذه البنوك في فضح البيانات الشخصية للموظفين وهو حق أصيل للموظف لا يحق لأي جهة الكشف عنه إلَّا تحت ذرائع أمنية أو جنائية، ولكن سلطة النقد فضحت ومارست هذا الحق غير الأخلاقي ضد الموظفين، وجعلت من سلطاتها أداة قمعية تقهر أمعاء الفقراء والبسطاء، كما هي تجعل من نفسها سلطة تهاون وإذلال لحصار أبناء الشعب الفلسطيني في غزة من ممارسات هذه البنوك واستعبادها لأبناء شعبنا الفلسطيني.
وأخيرًا هل تكرشت خزائن سلطة النقد الفلسطينية والبنوك الفلسطينية من آهات الجوعى والمضطهدين في غزة؟ وهل أشبعت هذه السلطة التي هي بمثابة البنك المركزي نهمها من لحم الفقراء ... ولكن لمتى؟ ولماذا صمت سلطة النقد الفلسطينية وحكومة حماس عن هذه الممارسات من البنوك؟
ولكن في النهاية لا يسعنا إلَّا القول أن أبناء شعبنا الفلسطيني بصمتهم ورضوخهم لهؤلاء جعلوهم يتمادوا أكثر في غيهم وجبروتهم واستهتارهم بشعبنا الذي لو نهض وطالب بحقوقه حتمًا سيحاكمهم أمام محاكم الجنايات الدولية وليس المحلية.
د. سامي الأخرس
21 ابريل (نيسان) 2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت