سأله أحد أبنائه الصغار الفضوليين،وهو تلميذ في الصف الأول الابتدائي ، وقتما كان يتصفح الأب موضوعا عبر احد مواقع الإنترنت عن أحداث بورما حيث كانت صور المجازر، تقشعر لها الأبدان وتدمي لها القلوب من هول تلك المشاهد الفظيعة، حيث صرخ ذاك الطفل الصغير بصوته ،وبكل براءة فجأة قائلا، وذلك بعد محاولة تهجي حروف كلمة وتركيبها يا أبي : أليست هذه الكلمة بورما ؟ رددها أكثر من مرة وبصورة سريعة ،وابتسامة عريضة كانت قد ارتسمت على شفتيه!!يمكن لأنه استطاع قراءة الكلمة لذلك قد فرح فانتابته حالة من السرور قال له الأب وهو يومأ برأسه:صحيح ،فرد عليه ،وقد لمح علامات الدهشة تموج في مقلتيه كيف يا أبي؟!! : ثم قال والذكاء يشع من عينيه :لكن هذه ليست صورة البورما ،انظر إلى الصورة والتي كانت ترسم ملامحها جثث عارية ممزقة مجرد بقايا أشلاء تطفوا فوق سطح مياه البحر وحيث قال ذاك الصغير بكل لوعة وحسرة ياالله من هؤلاء ؟!،ومن الذين يرتدون اللباس الأحمر ويقفون على مقربة منهم كالشياطين ؟!! ،قالها وقد بدت ارتجافة خفيفة تسري في كيانه،وقد تعالت بسرعة ضربات قلبه نفس المشاعر التي تواجه الصغار عند مشاهدتهم أفلام الرعب كأنياب دراكولا أو الفك المفترس لكن المشهد الذي كان بالصورة، كان حقيقيا وأكثر رعبا !! فقال له والده، وهو يمسح بيديه على رأسه برفق وحنان ،ويربت على كتفيه :لا يا بني هذه ليست بورما التي تعرفها ،واكتفى بهذا الرد المقتضب، وغير صفحة البحث بسرعة إلى صور لحلوى البورما فقال له: هاهي البورما التي تحبها وتفتش عنها ،لقد تصرف بحكمة بالغة ليس لأنه ، لا يريد أن يدخل الكآبة والفزع إليه ،أو لأن قلبه الصغير لايتحمل أهوال تلك الصور فحسب ، ولكن هي محاولة للهروب من تسانومي التساؤلات المفجعة التي يمكن أن تنهال عليه،وكيف يمكن له أن يتصرف لو سأله عن الذي ارتكب تلك المجازر البشعة والتي تتراءى بالصورة بكل فظاعة، جثث متراكمة بشكل عشوائي وهمجي فوق بعضها البعض، وكأنها لاتمت للبشر بصلة بل هي أقرب للخراف أو الأبقار الميتة الملقاة بلا رحمة ولا أدنى شفقة إنسانية على جوانب أكوام الزبالة!! كما لو كانت غير مذبوحة على الطريقة الإسلامية!! وماذا سيقول له والده إن ُسئل: من ارتكب تلك المجازر؟! هل سيكتفي بمعرفته للبوذيين الساديين ؟!! ولكن إذا علم أن أولئك القتلى ،والذين قد مثل بجثثهم أنهم من المسلمين !! فبماذا سيجيبه إن سأله :وأين هم المسلمون اليوم عما يجري هناك ؟! المشكلة أن والده قد فهمه بالأمس حديثا يحث على مدى تلاحم المسلمين كما ورد وفي الصحيحين عن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى شيئا تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى } . وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ، وشبك بين أصابعه }
قال في قرارة نفسه: لو تعلم يا طفلي الصغير البورما التي أعلمها لتقيأت البورما التي تعرفها ولرفضت معدتك قبولها ،ولمنعت بائعها من المرور بالشارع،ولتصديت له بالحجارة كلما صرخ مرددا ذات الكلمة!! لكن قلبك الصغير الحاني ،والرقيق كأجنحة الفراشات ،لن يقدر على حمل التفسير وفظاعته والانجراف نحو فضولية مساءلته!!،وكنت أقصد بهذا القول هو الفرق البعيد بعد المجرة عن كوكبنا الأرضي بين بورما الحلوى،وبورما الكارثة الإنسانية،وليس هناك أدنى علاقة أو تشابه سوى في الاسم والشكل فقط والذي مصدره واحدٌ، فبورما على الخريطة فعلا ممتدة جغرافيا وبشكل طولي أشبه ما تكون حقيقة بأصابع البورما ، تلك الحلوى التي يحبها ،وهي حلوى عبارة عن أصابع من الكنافة ذات الشكل الطولي ،والمحشوة بالفستق والزبده وبعض المكسرات ،والتي اعتاد أن يشتريها من عربات المارة الجائلين!!
بورما التي نعرفها يا أحبائي في أرجاء المعمورة من الناحية الجغرافية تقع على امتداد خليج البنغال.وتحدها من الشمال الشرقي الصين، وتحدها الهند وبنغلاديش من الشمال الغربي ،وتشترك حدود بورما مع كل من لاوس وتايلاند ،أما حدودها الجنوبية فسواحل تطل على
خليج البنغال والمحيط الهندي ويمتد ذراع من بورما نحو الجنوب الشرقي في شبه جزيرة الملايو تلك هي بورما الجغرافيا ..وأما بورما المذابح بحق الأبرياء من المسلمين ،والتي فاقت بشاعتها محارق الهولوكوست ،بورما الإبادة الجماعية للإسلام والمسلمين ،والمغيبة إعلاميا عن ساحاتنا العربية ،وكيف يمكن لمن يدير الإعلام ،والمسئول الرسمي بأيدي زعاماتنا العربية ..تلك الزعامات التي ركبت موجة الخريف العربي أنّى لها أن تفضح نفسها، بكل خزلان وخزي وتواطؤ ،فتتعرى حقيقتهم كغانية خلعت كل أثواب الحياء على الهواء مباشرة !!،تلك الزعامات التي تخاف أن تنكشف بوجوهها الوقحة،والكالحة أمام شعوبهم ،وعلى مرأى من العالم ،ولو تركنا زمام الأمور لحرية حركة الكاميرا الإعلامية لجسدت لنا مقارنة غريبة أغرب من الخيال لما يحدث هنا في بلداننا العربية، وما يحدث هناك بحق الإسلام والمسلمين ،والذين يقطنون في بورما في قرى حول الدلتا وحول وادي نهر اراوادوي،فهنا في بلداننا ثورات فوضوية،ومناكفات انطلقت كالثور الهائج لا يستطيع أحدا كبح جماحة ،وأما هناك تصفية عرقية،وتطهير علني وبطش شديد يتعرض له المسلمين بكل شناعة ،هنا قتل وعراك ،وتناحر إسلامي إسلامي في سوريا وتونس ومصر واليمن ،وغيرهم ،ولكن هناك قتل جماعي للمسلمين على أيدي البوذيين المجرمين من الحكومة الميانمارية وترحيل وإبادة المسلمين فيها بزعم كاذب على أنهم دخلاء على البلد ،والحقيقة هي حربا شعواء على الإسلام والمسلمين منذ ظهور الإسلام في ارض الجزيرة وبداية من زعيم الكفر وأهله وزعيم المنافقين عبد الله بن أبي سلول ،وبدءا بظهور قوة التتار في أوائل القرن السابع الهجري،ومحاولات بسط السيطرة على المساحات الإسلامية في هذا الوقت،والتي كانت تقترب من نصف مساحات الأراضي المعمورة في الدنيا.. حيث كانت حدود البلاد الإسلامية تبدأ من غرب الصين وتمتد عبر آسيا وأفريقيا لتصل إلى غرب أوروبا حيث بلاد الأندلس.. ثم الحملات الصليبية ،ومرورا بمحاكم التفتيش وصولاً لأحداث كردستان ووقوفا بمآسي فلسطين في أحداث 48 و صبرا و شاتيلا و جنين و دير ياسين و بالبوسنة و الهرسك و العراق و الشيشان و مصر في أحداث النكسة و ما كان من اليهود و من ضحايا الايطاليين في ليبيا ،والفرنسيين في الجزائر، وغيرهم إلى يومنا هذا، إذا ما يحدث في بورما هو ماراثونية انتقامية من الحرب الضروس هي ليست وليدة اليوم تجاه الإسلام والمسلمين والذين أكثرهم من مسلمين الاركانيين والذين ينحدرون من أصول عربية حيث يعود نسبهم إلى المسلمين في اليمن والجزيرة العربية وبعض بلاد الشام والعراق والقليل من أصول فارسية،ويوجد أيضاً عدد آخر ولكن أقل بقليل من أصول بنغلادشية وهندية. ولأن هؤلاء المسلمين قد وصلوا إلى اركان وجارتها بنغلاديش بغرض التجارة ونشر الإسلام ولأنه هناك استقر الكثير منهم ونشروا تعاليم الدين الإسلامي الحنيف،لذلك كانت المحرقة والتدمير والقتل والتشريد بحق أولئك الأقلية وبعدما انسلخ عنهم المسلمون .
هنا في بلداننا العربية الشعوب مضللة غارقة في ملذات اللهو الإعلامي المسيّس على أنغام السوبر ستار ،والعرب أيدول ،والمسلسلات التركية والهندية،والأفلام والمباريات،وأما هناك صراخات وتأوهات واغتصابات بحق المسلمات وهتك أعراضهن ،ولكن بلا جدوى كما يقول بيت الشعر الذي اشتهر به الشاعر شاعر الفارس عمرو بن معدي كرب بن ربيعة الزبيدي، الذي عاش بين 525 ـ 642م،حيث قال: لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي
ونارا لو نفخت بها أضاءت ولكن أنت تنفخ في رماد
السؤال الذي يراود مخيلتي هل سيبقى المسلمون في غفلة طويلة فتمتد بقعة تلك المجازر لتزيدنا قتلا وتدميرا ،بجانب ما صنعناه بأيدينا ،وعندما أقول مسلمون يعني أني أخاطب أكثر من 1,6 مليار مسلم على سطح الأرض يتفرجون!! ،لو يعلم المسلمون أن الذي يحدث اليوم من امتهان لكرامة المسلمين ،ومن إذلال وتنكيل بهم ليس غريبا ، وقد أخبرنا الصادق الذي لا ينطق عن الهوى لما يحدث حولنا منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام فقال صلى الله عليه وسلم : ستتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها فقالوا : أو من قلة نحن يوم إذن يا رسول الله ؟ قال لا ولكنكم غثاء كغثاء السيل . صدق رسول الله.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت