يبدو الأردن اليوم بحكم موقعه الجغرافي وكأنه جزيرة من اليابسة مستقرة وسط بحر هائج مائج بالتحولات الإقليمية، وما يرافقها من تربص دولي متحين لفرص الإقتناص،وذلك في إطار ما يسمى برياح الربيع العربي التي تجتاح الوطن العربي. لذلك فإن المخاطر الخارجية تلف الأردن بموقعه الجغرافي الحساس من كل حدب وصوب، ومن باب المنطق والحكمة والعقل، والإنتماء الوطني يتوجب على الأردن بكل مكوناته الديمغرافية وبكل أطيافه وفئاته،من مستقلين ومن أحزاب ونقابات وفعاليات مجتمعية وشعبية،وقيادة وحكومة التماسك والتلاحم من أجل حماية الوطن من المخاطر الخارجية التي تتهدده من الجوار المشتعل والملتهب والفاقد للسيطرة والتحكم على زمام الأمور. وهذا ما يحدث فطرياً وتلقائياً في عالم الإنسان وعالم الحيوان. ويبدو جلياً اليوم في عالم الحيوان أكثر منه في عالم الإنسان نظراً للإنحراف العقلي الذي يعاني منه فئات من بني الإنسان الذي خصه الله بعقل متطور وكرمه على غيره من المخلوقات. الخطر الخارجي إستناداً الى العقل الواعي والتفكير المنطقي والسليم يفترض فيه أن يذيب كل الخلافات والمناكفات البينية ويصهر كل المصالح الشخصية والفئوية لصالح المصلحة الوطنية العليا التي يستفيد منها كل مواطن وتعود بالخير على الوطن والمواطن، ويؤجل كل المواضيع الداخلية العالقة مهما كانت المبررات والأسباب لمصلحة مجابهة المخاطر الخارجية المحدقة. وهنا يبرز دور العقلاء والحكماء من النخب الوطنية والحزبية في توعية منتسبيها بكل المخاطر. وضرورة القيام والإلتزام بالواجب الوطني في الدفاع عن الوطن من المخاطر الخارجية ليكون المواطنون المنتمون لهذا الوطن جميعاً يداً واحدة تتصدى لكل تهديد خارجي يستهدف الوطن والمواطن.
والغريب في الأمر أن ما يحدث اليوم من قبل بعض الأطياف الحزبية من مناكفات وتباينات بين أبناء الوطن الواحد حيال مسائل داخلية بحتة، وما حدث قبل أيام من مصادمات داخلية مع قوى الأمن الذين هم من أبناء الوطن، وإثارة البلبلة والفوضى مخالف للفطرة الخلقية، وللوطنية وللعقل وللحكمة، سيما وأنه حدث من حزب يدعي العقلانية والإستقامة والوطنية المستمدة من العقيدة السمحة تحت سقوف شعارات دينية، والدين مما حدث براء، وهذا الذي حدث متعارف عليه بالإجماع بأنه الإنتهازية بحد ذاتها، والتصيد بالمياه العكرة من أجل اصطياد مصالح فئوية ضيقة تعود على فئة قليلة من المجتمع، وستودي بالمجتمع الى أتون الفرقة والتشرذم والتنازع والإقتتال، وبالتالي الى ضعف الجبهة الداخلية في التصدي للمخاطر الخارجية. وفتح طاقات لرياح المخاطر الخارجية للنفاذ من الحدود الحمراء لإستقلال الوطن وحريته التي انتزعها بدماء الشهداء من أبنائه، مما يعرض البلاد للدخول في نفق مظلم لا تحمد عقباه.
وما يزيد الطين بلة على الأردن هو الموقف العربي المتخاذل والوضع العربي المتشرذم المؤلم، والضعف والعجز العربي المستسلم، ففي الوقت الذي أضاف الأردن لأعبائه مهمة الدفاع عن الأماكن الإسلامية والمسيحية المقدسة في فلسطين(القدس) والتي يتهددها خطر التهويد، وفي ضوء صلابة الموقف الأردني تجاه الحقوق الفلسطينية في إقامة الدولة الفلسطينية على كامل التراب الفلسطيني الذي احتل عام 1967م بما فيه القدس عاصمة للدولة الفلسطينية، حيث يتطلب دعماً وتأييداً عربياً وإسلامياً لهذا المنحى الأردني نجده يواجه خذلاناً عربياً، لا بل وأكثر من ذلك تهديداً عربياً جوارياً سورياً رسمياً بإشعال الحرائق فيه جزاءً له على استقبال طوابير اللاجئين السوريين يومياً وتحمل أعباء استضافتهم. وكان الأجدى بتوجيه التهديد السوري الرسمي لإسرائيل التي يصنفونها العدو الأول لهم، لأن أقوياء العالم لن يألموا للأردن إن اشتعلت به الحرائق، وإنما يتألمون لإشتعال الحرائق في اسرائيل ويهبون لإنقاذها.
ومن جهة أخرى في الوقت الذي يتدفق فيه الغاز المصري على إسرائيل بأسعار محروقة، يضخ بالقطارة على الأردن بأسعار باهظة تزيد من أعبائه الإقتصادية الصعبة وذلك للنيل من صموده واستقراره ووحدته من أجل تحقيق مصالح فئوية فيه متجانسة وتابعة للحزب الحاكم في مصر.
الوطن لا يمكن أن يُحكم من طيف واحد، ولا يمكن لطيف واحد أن يسير الوطن بكل ألوانه على هواه وفي إطار مصالحه الخاصة، فقد فطرنا الله على التنوع في اللون والعقيدة والفكر، من أجل التعارف والحوار بالتي هي أحسن للوصول الى كلمة سواء تحقق التوازن والإستقرار والعيش الكريم.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت