الزيارات المكوكية للادارة الامريكية ووزير خارجيتها للمنطقة والدعم العسكري الامريكي للكيان الصهيوني هو بكل تأكيد صفعة من العيار الثقيل لكل الأطراف التي تعول على الإدارة الأمريكية الجديدة ومدى استجابتها للأماني والتمنيات ، فها هي ادارة أوباما تؤكد من جديد من بدأه أسلافه من الساسة الأمريكيين الالتزام المطلق بالكيان وأمنه وتوفير كل الضمانات اللازمة لاستمرار تسّيده على دفة الأمور في المنطقة باعتباره اللاعب الأهم للأمريكيين في المنطقة والموثوق به لذا تسارع إدارة أوباما مجدداً لتبني كل السياسات الصهيونية من يهودية الدولة والتي جاهر بالطلب من الفلسطينيين للاعتراف بها إلى غض النظر عن الاستيطان وما يمثله من اعتداء سافر ومكشوف على الشرعية الدولية وقراراتها وهيبتها بل ومضى أوباما ووزير خارجيته في محاولة إقناع الفلسطينيين بالذهاب لما يسمى بالمفاوضات دون التزام صهيوني يوقف الاستيطان وهو يعلم قبل غيره أن الاستيطان غير شرعي وغير قانوني ويجب إزالته وعودة الأراضي لسكانها الأصليين وتجاهل عن عمد حق العودة وطالب العرب جميعاً بالتطبيع مع كيان عنصري عدواني إرهابي بغيض يمارس الوحشية كجزء من كينونته ووجوده اللا شرعي فوق الأرض الفلسطينية.
وامام كل ذلك نرى التدخل الامريكي السافربشأن استقالة رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض ، الا ان الضغط الأمريكي أثار حفيظة الكثيرين من الوسط السياسي الفلسطيني، وحتى في حركة فتح، إذ عبر عدد من قادتها عن استيائهم من التدخل السافر في الشؤون الداخلية الفلسطينية، وفي هذا السياق يصبح قبول الاستقالة في هذا التوقيت وكأنه يشكل تحدياً للإدارة الأمريكية.
ولهذا نرى إن المصلحة الوطنية العليا والمسؤولية التاريخية تتطلب منا أن نعلن بالفم الملئان رفض الدور الأمريكي والتوقف عن سياسة الانتظار ، وإعلان وطني جريء وصريح بوقف عملية التفاوض باعتبارها عبثاً لا طائل منه وكلف ويكلف شعبنا مزيد من دفع الأثمان الباهظة لعدو استمر في سياسة الإجرام بحق الشعب ووجوده وبحق الأرض والشجر والحجر وتحميل الأسرة الدولية مسؤولية الفشل في مواجهة العربدة والغطرسة وإدارة الظهر الصهيونية للأعراف والمواثيق والقرارات الدولية فانتهاكاتها وحدها كفيلة بمعاملتها معاملة حكومة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا وعزلها دولياً بدلاً من محاولات التغاضي عن جرائمها وإرهابها وعنصريتها التي لا مثيل لها في التاريخ الإنساني وعلينا أن نعمل بشكل جدي وحقيقي على تعزيز الوحدة الوطنية والتأسيس لمشاركة وطنية في صناعة القرار والبرنامج والتحرك الذي سيعيد الاعتبار لقضية فلسطين والفعل والدور في كافة المحافل والمنتديات الدولية من اجل الدفاع عن الحقوق المشروعة والغير قابلة للتصرف على ارض فلسطين.
فمنذ انطلاق مسار الانتفاضات الشعبية في سياق ما أطلق عليه (الربيع العربي) في المنطقة، بدأت تنمو في الأراضي الفلسطينية حالة اختمار تنشد تغيير المسار الحالي بقوة الإرادة الشعبية، وتعبر عن نفسها تارة باحتجاجات داخلية ضد سياسات السلطة الاقتصادية والاجتماعية، وتارة باحتجاجات ضد الاحتلال والاستيطان، وتنظيم فاعليات التضامن مع الأسرى والتصدي للتطبيع ، وطوراً بالمطالبة بتحقيق المصالحة وإنهاء الانقسام، في إطار عملية إعادة بناء المشروع والتمثيل الوطني، عبر الانتخابات النقابية والتشريعية والرئاسية في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، بوصفها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في مختلف أماكن وجوده.
وتصدرت المشهد الجموع الشعبية على اختلاف تلاوينها السياسية والفكرية، وطبيعة فاعلياتها الميدانية، في تعزيز الحوار الداخلي بين مكونات الشعب الفلسطيني ، فباتت أقرب إلى التوافق على رؤية وطنية موحدة لدور الشعب في إعادة بناء الحركة الوطنية، واستنهاض المشروع السياسي ، والتوافق على برنامج عمل مشترك في المرحلة بما فيها تعزيز المقاومة الشعبية وصولا لانتفاضة ثالثة بمواجهة مشروع الاستيطاني الصهيوني العنصري على الأرض.
ان بناء استراتيجية وطنية شاملة تستند إلى تعزيز الوحدة الوطنية في إطار (م.ت.ف)، وتطبيق اليات اتفاق المصالحة وإنهاء حالة الانقسام ورفض المشاريع الامريكية، وعدم العودة الى نهج المفاوضات العقيم دون تحديد مرجعية دولية والجمع بين المقاومة والمفاوضات.
ومن هذا الموقع وإزاء الجهود المتكررة لإنجاز المصالحة الوطنية، بدأنا نخشى من أن تؤدي هذه الجهود التي تبذل إلى توافق على (إدارة الانقسام) بدلاً من إنهائه، وخاصة ان تباينات بشأن عدة قضايا رئيسية تلفت الانظار على شاشة القنوات الفضائية ان الخلاف على موعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية في ظل إصرار الرئيس أبو مازن على إصدار مرسومين بتشكيل حكومة كفاءات فلسطينية وبإجراء الانتخابات خلال ثلاثة أشهر، إضافة إلى الخلاف على نظام الانتخابات المعتمد (نسبي كامل أم مختلط)، ونسبة (عتبة الحسم) لكل من الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس التشريعي في الداخل، والمجلس الوطني في الخارج، والخلاف إزاء الجمع بين عضوية المجلس الوطني والتشريعي، والخلاف على أهلية لجنة الانتخابات المركزية للإشراف على انتخابات المجلس الوطني، والخلاف بشأن تقسيم الدوائر الانتخابية للشتات الفلسطيني.
من هنا لا بد من التأكيد لا تزال فلسطين تضع قدماً داخل الأمم المتحدة وأخرى خارجها، ففي أعقاب رفع مكانتها إلى دولة بصفة مراقب، نرى ان على القيادة الفلسطينية التحرك في اتجاه توقيع الاتفاقات والمعاهدات الدولية، تمهيداً للانضمام إلى مختلف المنظمات والوكالات التابعة للأمم المتحدة بوصفها عضواً كاملاً، تركز على تكريس الدولة السيادية على الأرض، بانتظار توظيف انتصار الأمم المتحدة لتحسين شروط استئناف المفاوضات.
ختاما لا بد من القول: ان الإرادة الشعبية التي نرى ملامحها على الأرض يجب تعزيزها من كافة الفصائل والقوى وخاصة ان هذه الارادة التي تبتكر أشكال كفاحية متعددة ، مثل إقامة قرية باب الشمس، ثم قرى الكرامة والمناطير وكنعان على الأراضي الفلسطينية المهددة بالمصادرة والاستيطان، فاتحة بذلك أفق المقاومة الشعبية على احتمالات انفجار انتفاضة ثالثة يمدها بالوقود أسرى ابطال باتوا رموزاً لإرادة تحدي الاحتلال.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت