وكالة الأونروا وكواليس الدبلوماسية السرية

بقلم: علي بدوان


تُشير العديد من المعطيات المتوفرة إلى أن مصيراً جديداً تُحاول الولايات المتحدة وإسرائيل صناعته لإنهاء عمل وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين العرب في الشرق الأدنى والمعروفة تحت مسمى وكالة (الأونروا)، وإحالتها للتقاعد، وتحويل مهام عملها للدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين (سوريا، لبنان، الأردن) إضافة للسلطة الفلسطينية بالنسبة للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.

المعطيات المتوفرة لم تتأت من فراغ، بل جاءت في سياقات طويلة من العمل الدؤوب منذ سنوات طويلة، وتحديداً منذ إنطلاقة تسوية مدريد عام 1991، لإنهاء عمل الوكالة بما تحمله من معنى ورمزية تتعلق بجوهر القضية الفلسطينية المتمثل بقضية اللاجئين والإقتلاع القومي للشعب العربي الفلسطيني من فوق أرض وطنه التاريخي وإقامة الدولة العبرية الصهيونية. فالجهود التي بذلت ومازالت تبذل من قبل بعض الأطراف الدولية النافذة داخل كواليس الدبلوماسية السرية ليس معزولاً عن الأزمات التي أمست منذ أكثر من عقد من الزمن تحيط بوكالة الأونروا بعد تراجع خدماتها المقدمة لمجتمع اللاجئين الفلسطينيين، وبعد الجفاف المتواصل في إيراداتها المالية من الدول المانحة، فالولايات المتحدة الأميركية تعمل منذ عقد ونيف من الزمن على تمرير القرارات التي تفتح الطريق أمام إنهاء عمل الوكالة وإحالتها على التقاعد، بينما يتمسك ببقائها واستمرارها العالم بأسره نظراً لما تحمله من دلالات قاطعة تتعلق بحق العودة وحقوق اللاجئين الفلسطينيين وفقا لقرار إنشائها في الثامن من ديسمبر 1949 وبموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم (302) وهو القرار الذي ربط بين إنهاء عمل الوكالة والحل العادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين على أساس عودتهم إلى أوطانهم الأصلية في فلسطين المحتلة.

وقبل أيام خلت، كان وزير الخارجية الكندي (جون بيرد) في فلسطين المحتلة، في زيارة خاصة، قِيلَ بأن الهدف الأساسي منها كان البحث بإمكانية إستيعاب كندا لنحو مائتي ألف لاجىء فلسطيني جلهم من فلسطينيي سوريا، وقد اجتمع مع عدد كبير من المسؤولين الإسرائيليين، بينهم رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، ووزير الحرب الجنرال موشيه يعلون، ووزير التجارة والصناعة نفتالي بينيت، ورئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية أفيغدور ليبرمان وكان من بينهم أيضاً الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز الذي قال للصحافيين في ختام لقائه مع الوزير الكندي «إن كندا تستطيع المساهمة بشكل كبير في عملية السلام، وخاصة في حل قضية اللاجئين، فكندا أبدت في الماضي ترحيباً باستيعاب نحو 521 ألف لاجئ فلسطيني على أراضيها، يمنحون الجنسية الكندية ويعيشون فيها إلى الأبد، فهي بذلك تنقذ هؤلاء اللاجئين من معاناتهم الرهيبة في مخيمات اللاجئين وتساعد على إنجاح الحل الواقعي لقضية اللاجئين بألا يعودوا إلى إسرائيل».

وعليه، إن زيارة الوزير الكندي لإسرائيل وتصريحات الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز تذهب بالإتجاه الذي أوردناه، وهو إتجاه المساعي الأميركية ــ الإسرائيلية لإنهاء وشطب عمل وكالة الأونروا، سعياً وراء إنهاء المعاني والرمزية التي تَحمِلُها ووأد قضية اللاجئين الفلسطينيين والتي تُشكل لب القضية الفلسطينية، فأكثر من (70 %) من أبناء الشعب الفلسطيني هم من اللاجئين الذين تم إقتلاعهم من فوق ترابهم الوطني في فلسطين المحتلة عام 1948 إبان النكبة الكبرى.

كما علينا في هذا الجانب أن نورد عدداً من المعطيات الهامة التي تؤكد بأن مخاطر إنهاء عمل الوكالة جاثمة، وأن على النظام الرسمي العربي التحرك من اجل مواجهة عملية تصفية وكالة الأونروا وإنها مهام عملها. وبعض المعطيات التي نود إيرادها هي :
أولاً : تقدّم قبل فترة عدة سنوات في مجلس الشيوخ الأميركي، النواب : الجمهوريان نورم كولمان ولوت ترنت، والديمقراطيان ريتشارد دوربن وفرانك لوتنبرغ، بمشروع قرار، إلى مجلس الشيوخ، حول اللاجئين في «الشرق الأوسط والخليج وشمال أفريقيا»، يركزون فيه على فكرة «للاجئين الفلسطينيين حقوق… وهناك لاجئون يهود… لهم الحقوق ذاتها أيضا»، وتكمن حقوق اللاجئين الفلسطينيين في التوطين والمساواة حيث هم، في ظل عملية التبادل السكاني التي حصلت بين يهود البلدان العربية الذين هاجروا إلى إسرائيل وبين اللاجئين الفلسطينيين الذين حلوا في البلدان العربية، وعليه يقترح النواب الأربعة، إعتبار مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بديلاً لعمل وكالة الأونروا.

ثانياً: وفي ظاهرة خطيرة، تحدث ولأول مرة منذ تأسيس الوكالة عام 1949، قامت الوكالة قبل عام مضى بشطب أسماء (168940) لاجئا فلسطينيا مسجلا في سجلاتها (فقد تم شطب إسم 19219 لاجئا من لبنان، ومن سوريا 9024 لاجئاً، ومن الأردن 19886 لاجئا، ومن غزة 211 لاجئا، ومن الضفة 121023 لاجئا) وقد تراجعت الوكالة عن ذلك بعد الحملة السياسية والدبلوماسية التي تم فيها مواجهة بعض الأطراف المتنفذة والتي تأتمر بأوامر أميركية خارج نطاق مرجعية الوكالة المتمثلة بالأمم المتحدة.

ثالثاً : قُدم مشروع قانون لمجلس الشيوخ الأميركي من قبل السيناتور الجمهوري (مارك كيرك) الذي يعتبر أحد المؤيدين المركزيين لإسرائيل في واشنطن والذي طالب الإدارة الأميركية بتحديد عدد اللاجئين الفلسطينيين وتفسير إرتفاع عددهم من (750) ألف لاجئ في عام 1950 إلى خمسة ملايين لاجئ اليوم على الرغم من وفاة عدد كبير من هؤلاء الذين هجروا من ديارهم. لكن وبعد حملة سياسية عربية وفلسطينية ناجحة عادت الخارجية الأميركية وقالت «إن الولايات المتحدة تعترف بوجود خمسة ملايين لاجئ فلسطيني، وأنها تتبنى قرار الأونروا بشأن حق أنسال اللاجئين بمكانة لاجئ» وأن «هذا التعديل يعتبر تدخلاً في موضوع يجب أن يتم حله في المفاوضات».

رابعاً: إقرار مجلس الشيوخ الأميركي قبل عدة أشهر قراراً يقضي بإعادة النظر في حجم التمويل الذي تقدمه الولايات المتحدة لوكالة (الأونروا) والتي تؤكد في تعريف نفسها «إنها ستواصل العمل على تقديم المساعدات للاجئين حتى إيجاد حل لقضيتهم». فقد صادقت لجنة الميزانيات في مجلس الشيوخ الأميركي بتاريخ (26/05/2012)، على تعديل صغير في قانون المساعدات الخارجية وتقليص الدعم الأميركي للأونروا، فالولايات المتحدة تقوم سنوياً بتحويل مبلغ (250) مليون دولار للأونروا.

أخيراً، إن الجهد العربي والدولي مطلوب الآن أكثر من أي وقت مضى للمحافظة على عمل وكالة الأونروا واستمرارها إلى حين تحقيق عودة كل اللاجئين الفلسطينيين طبقاً لقرار إنشائها. وفي هذا السياق تُشكر دولة الكويت على الدفعة الأخيرة من المساعدات التي قدمتها قبل أيام دعماً لبرامج عمل الوكالة داخل أوساط فلسطينيي سوريا، وبقيمة (15) مليون دولار وذلك من أصل مجموع تبرعها البالغ (300) مليون دولار للأمم المتحدة.

بقلم علي بدوان
صحيفة الوطن القطرية
الأربعاء 24/4/2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت