بلا مأوى وبلا مقـر يقرُّ فيه أعضاؤه ومريدوه والمنتسبون إليه ، إذ آل أمره إلى الرصيف ، وليس له بعد منظمة التحرير إلاّ الصليب الأحمر يستجديه خيمة ينصبها في ساحة الجندي المجهول لتظلُّه من حرارة الصيف وتقيه من برد الشتاء وتحفظ له كُتب ومؤلفات الأدباء ودواوين الشعراء من التلف والضياع ، وكذلك لتقبل العزاء .
وإننا إذ نذكر لهذه المؤسسة الثقافية بالفضل العظيم طيلة سنوات النضال الفلسطيني حيث أسهمت في النهوض بأدب الأدباء وشعر الشعراء ومؤلفات الباحثين والكُتَّاب ؛ إسهاماً فكرياً ونضالياً من خلال إطلاق الكلمة نثراً أو شعراً ، ومن خلال الندوات الثقافية التي كـانت تجمع إليها لفيفا من أرقى الرجال والسيدات بأرقى العقـول وأنضج الأفكار في ساحات متنوعة من الوطن العربي . وما كان لهـذا الاتحـاد أن يتـقهقـر إلى الوراء ويتراجع في العـطاء إلا بعـد قــيـام السلطة الفلسطينية وبخاصة بعد أن غادرنا القائد الشهيد أبو عمار ، الذي تسبب غيابه في أن هيمنت جماعة بعينها على مقـدراته ، وتسلَّط عليه موظفون كبار يحتكرونه ويتـبادلـون الأدوار في تولِّي أمانته العامة ، شأنهم شـأن مؤسسات المنظمة ودوائر السلطة التي أصابتها أمراض التملُّك والتوريث حين كان الـدعـم الـمالي نهراً يتدفق .
لقد كانت – وأعتقـد أنها الآن زالت – قضية فلسطين أمانة في أعناق نخبة من المناضلين الـذين كان لهم فضل السبق سيراً على طريق المقاومة ، وكان القلم والريشة يسيران جنباً إلى جنب مع البندقية ، وكانت الكلمة والرَّسمة تجتهدان في النزال ضد العـدو الصهيوني ، كما الحجـر والرصاصة في ميدان المعركة ، فهم كلهم جنود في ساحة النضال لتخليص الحق وتحرير الأرض . وإني لأعجب هذه الأيام من قيادات سياسية وثقافية تتنكر لدَوْر الكُتَّاب والشعراء والباحثين ، ويزداد عـجـبي كلما أرى هذا الاتحاد مازال يتبع منظمة التحرير إدارياً وماليا ، ولا يـتـبـع وزارة الـثـقـافـة بـعـد أن قامت السلطة الفلسطينية – وليتها ما قامت ! – على أرض تشبه أرض فلسطين التاريخية .
أوَ ليست وزارة الثـقافة هي الحاضنة الطبيعية لكل ألوان الآداب وأشكال الـفـنون ؟ .
والمفترض فيها أن تـقـوم عـلى رعـايته وإدارتـه والإنـفـاق عليه باقتطاع مخصصاته المالية من مـيـزانية هذه الوزارة حتى يتسنى له الـقيام بـواجـباته ، ونضمـن له الاستمرارية في الأداء والاضطلاع بالأعـباء ، على أن يرافـق ذلك شيء مـن المراقبة والمحاسبة حرصاً على المال العام من التسيب حسب الهـوى والمـزاج .
ولكـن وزارة الـثقافة تحتاج بحق إلى مَـن يـهـزها هي الأخرى حـتى تُـفيق من غـيبوبتها ، ويأخـذ بيدها حتى تنهض من كبوتها ، وتحتاج أيضاً إلى مَــن يُخرجها مـن عـباءة جهلها وردِّها إلى وعيها ، أو قل إنها تحتاج إلى مَن يردُّ إليها وعيها المفقود ، عسى أن يتـم تـطهـيـر إداراتـها من كبار الموظـفـيـن الغـيلان ، ومن صغار الإقطاعـيين والمُلَّاك الـذين يظـنـون أنـهـم الـوارثـون لمخـلـفات منظمة التحرير.
وإذا كان هذا حال وزارة الثقافة فما دوَر أمـانة سـر اللجنة التنفيذية للمنظمة ، وهل يحق لها أن تـتجاهل مطالـيب الاتحاد ، وأن تهمله بحجب المخصصات المالية من المـوازنـات التشغيلية ، فيعجـز عن دفع قيمة أقساط الإيجار التي تـراكـمت عليه ديـوناً لصاحب البناية منذ سـنـيـن ، ويـعجـز عن استئناف عـمله بطبع الكتب والمؤلفات وإقامة الندوات والحـوارات ، أســوة باتحـاد الكُتَّاب الآخــر الذي أنشأته حماس بغزة ، ووفرت له كل الإمكانيات المادية والمعنوية بحيث لا ينقصه شيء ، فأثبت وجوده على الساحة الفلسطينية ، وهـا نـحـن نـراه يعمل بجـد ونشاط وإخلاص ، وها هو يـؤتي أُكُلَـه كل حـيـن ثـمـاراً طيبة .
وليسمح لي القارئ الكريم أن أسرد عليه واقعة شاهدتها شخصياً، كـان ذلك مـنـذ ثـلاث سنوات ، عندما كنت حـاضراً جلسة اشتعلت فيها مناقـشة ساخنة وصاخبة بين صاحب البناية وبـين عـدد من أعضاء الأمانة العامة للاتـحـاد بغزة ، كان الرجل – صاحب البناية – يصرخ مغضبا ويوجه حديثه إلى الحاضرين طالباً منهم أن يتصلوا بالمسئولين برام الله ، وأن يحثـوهـم على أن يدفعـوا له جزءاً من قيمة الإيجار المتراكم عـلى الاتـحـاد منذ سنين ، فأكـدوا له أنهم فعلوا مراراً وتكراراً ومازالوا ينتظرون .
ونزولا عـنـد رغبته قام أحدهم بالاتصال باللـواء تـوفيق الطيراوي ، بصفته عـضو لجنة مركزية لحركة فـتح ، على الجـوال يستنجـد به ، وأخـذ يـشـرح له المسألة وهـو الشرح العاشر كما علمت منهم بعد ذلك ، ثم أخذ يستجـديه أن يكـون لهـم معيناً ووسيطاً لـدى الـسـيـد يـاسر عـبد ربه – أمين سـر اللجنة التنفيذية للمنظمة الذي يقع ملف الاتحاد في دائرة اختصاصه ، عسى أن يسعفهم الأخير فينظر إليهم سيادته بعـيـن العطف والشفقة ، وأن يمد لهم يد العـون والمساعدة وينقـذهم مما هـم فيه مـن ورطة ، ولمزيد من الاستعطاف أكد له محدثه أن مقـر الاتحاد بلا كهرباء وبلا تلـيفـون لـعــدم دفـع الفـواتيـر بسبب انقطاع المخصصات المالية .
ومـرت الأيـام وجـاءت الـنتائج طـيـبة وذلك بـدفع جـزء كـبـيـر مـن المستحقات . واليوم يتجـدد السيناريو لعـدم وصول الموازنات التشغيلية في مواعيدها الشهرية مـنـذ ثلاث سـنـوات ، ذلك لأن هذه المخصصات المالية إما أنها لم تخرج من رام الله ، أو أنها خـرجت فخرج عليها اللصوص وقُطَّاع الطرق ونهبـوها ، أو أنها خرجت ولكنها ضلَّت طريقها وتاهـت عـن العنوان بغـزة ، وظلت وديعة في صنـدوق الاتحاد العام الرئيس بـرام الله .
ونتيجة لذلك وجد الاتحاد – فرع غزة – نفسه يفترش الرصيف ، ومازال ملفه عـالـقاً بين يدي مسئول مفوضية المنظمات الشعبية في م.ت.ف التي تـتـبـع مـباشرة لأمانة سر اللجنة الـتنفـيذية الذي يتـولى أمـرها السيد ياسر عبد ربه صاحب الكلمة فيها ، وصاحب الحق في السؤال والتحري والمتابعة عن هـذه الأمـوال أيـن ذهـبت وفيما أنـفـقـت . ونحـن نأمل من المنظمة الـتي تولَّى أمـرها منذ إنشائها المـرحـوم أحمد الشقـيري ومن بعـده الشهـيـد أبـوعــمـار هـي نـفس المنظمة التي أرادا لها أن تـكــون المظلة الدافئة الحـنون التي يستظل بها الشعب الفلسطيني ، لا أن تكـون قصراً مـنيفـاً لحـفـنة مـن أعــقـاب الرجال الذين استُـهلِكوا ولم يـبـق فيهم نفع ولا قـدرة على العطاء .
ولكن مامعنى أن لاتستجيب المنظمة لنداءات الاتحـاد وتصُمُّ آذانها عـنه وعـن غـيره من المؤسسات ؟. ألا يعني ذلك خروج المنظمة مـن دائرة الصراع العربي الفلسطيني – الصهيوني ؟. ألا يـعـني أيـضاً مـوافقة اللجـنة الـتـنـفيذية وعـلى رأسـها أميـن سرها وبمباركة مـن رئيسها على أن تتجرد المؤسسات الفلسطينية – وبخاصة الثقـافـية والأدبيـة والفكرية – من أثوابها النضالية وتـفـريغ محتواها الكـفاحي الذي صمد في وجـه الـدعاية الصهيونية وصـدَّ هـجمات الغزو الـثـقـافـي للـعــدو الصهيوني الذي استطاع أن يجمع حوله الأنصار ويُجنِّـد الأمصار ، ويُلـوِّث العقول ويُفسد الأفكار . أليس من حـق الاتحاد عـلى مفـوضية المنظمات الشعـبـية في م .ت . ف أن تـوفـر له مقـراً محـتـرماً يلـيـق به ، وتكـفـله مادياً ومعنوياً ، بحيث تضمن وصول مخصصاتـه الـمالية إلـيه دورياً ، أم أن المنظمة التي رفعـت بالأمـس راية التحـريـر نراها الـيـوم تـغمـد أسياف التحـرير وتـكسر أقلام التحرير وتعتقل كلمة التحـرير حـين تهمل المؤسسات الثقافية وتهمشها ، وتـلقي بها عـلى قــارعة الطريـق تبيع كتبها ومـؤلفاتـها بالكـيلـو لباعة الفـلافل والتـرمس ، تـماماً كما حدث للــبـنـدقية حين أُفرِغـت من رصاصات التحريـر والعـودة ، وأصبحت خشبة تحملها خشبة ، متوهمين بإقامة الدويلة الفلسطينية التي يجتهـد الرسامون في رسـم ملامحها الباهـتـة عـلى ورقة مزقتها الأيدي والأقلام الملونة التي تـداولـتها كثيـراً بالـشطـب والتعديل دون أدنى نجاح ، ولن يكـون هـناك نجاح عـلى طاولة المفـاوضات مـادام كبير المفاوضين الفلسطينيين – المضحـوك عليه وعلى جـوقته – لا يبخل على الإسرائيليـين بالـتـفـريط تلو التفريط ، وبالـتـنـازل تلو التنازل ، فهنيئاً للإسرائيليين على انتصاراتهـم عـلينا واستخفـافـهم بـوجـودنا في غــياب بندقية المقـاتل وقـلـم الكاتب وريشـة الـرســام .
وبعد ، فلنا في اتحاد الَكُتَّاب بغزة – الذي نحبه وننتمي إليه – الأمل في أن يرقى ويتطور ، ولنا في ذمته الحق في أن يغيـِّر أعضاء أمانته العامة بأعضاء جُـدد يكونون أكثر توافـقاً وأعـظـم انتماء من خلال تركيبة متجانسة مؤتلفة متحابة ، يجمعها فريق عمل واحـد تـرفرف عليه روح الـتـصالح مع النفس ومع الآخرين ، لا كأعـضاء الأمانـة الـعامة الحاليين الـذيـن يتـوارث يعـضهم الأمانة الـعـامة مـن بعض ، ثم يردونها إلى بعضهم الأول ، في أجـواء غـيـر صحية ، فتجد معظمهم يـتـخذون من الـتـنـافـر فيما بينهم شعاراً يعميهم عن واجباتهم ويعـطِّل حياتهم .
ولنا كبير الأمل أن تـرتـفـع عـنهم الأيدي الداعمة لهذا الفريق دون سواه ، أو المسانِدة لهذا الشخص دون غـيره ، عسى أن تأتي أمانة عـامة جـديدة بالـفرز الانتخابي عـلى مستـوى قـاعـدتـه العريضة المـتـمثلة بأعضاء الجمعية العمومية ، لا بالتزكية والتعيين والمحاصصة لبعض الفصائل .
حينها نبارك للفائزين الذين نتقاسم وإياهم حَمل المسئولية .
نسأل الله أن يَـمُـنَّ عـلى الشعب الفلسطيني بقـيـادات جـديـدة لـ م . ت . ف قـيادات شـابة بـدلاً مـن هـؤلاء الكهنة الـذين اسـتملكوا المنظمة وتربعـوا على مؤسساتها مـنـذ أكـثـر من نصف قرن من الزمان ، يأبـون أن يتـركوا كراسيهم للأحـفاد بعـد أن عـزَّ عـليهم الـتخلي عــنهـا للأبـنـاء .
يظنون أنهم الوارثون وأنهم مخلدون ، وأنهم عـن الموت مبعـدون ، فيحاكـيهم الأصغرون بانتهاج الـتـوريث والتمسك بالكراسي مهما كانت صغيرة ومتواضعة . فـفـلسطين لـيسـت عــقـيماً وإنما هي ولاَّدة ، تزخـر برجـالات وطنية شـابة غــيـورة على فـلسطـينيتها وعلى مقـدسات بلادها ، متمسكة بالحـقـوق الوطنية الثابتة ، نراها قابضة على بندقيتها المنكَّـسـة بــيـد وبالـيـد الأخرى قلمها المكسور، تـنتظر يـوم الخلاص لـتـنفـض عـن مـنظمة التحـرير الغبار وتغسل العار ، وتعيد لمؤسساتنا الوطنية وجهها النضالي المشرق ، وتقيلها من عثراتها وتتولاها بالرعاية والإسناد . ولتنظر فتح إلى حماس التي تبني قـواعـدها ومؤسساتها بـالـعــزيمة والإصرار على التحدي ، بينما المنظمة تهـدم قـواعـد المجـد بالـعـزيمة ومع سبق الإصرار على التردِّي . فمن يا ترى يقـبل السكـوت عـلى هـذا التخـريب الـمنظـم الــذي أصـاب م . ت . ف ووليدتها السلطة الفلسطينية وسائر مؤسساتها ولا يـمُـدُّ لها يـده بالدواء لتطبيبها وإنعاشها من الموت السريري ، هـذا إنْ عـاشـت ! .
وإنني أتمنى على الوسائل الإعلامية المختلفة وبخاصة قناة " معاً " الفضائية ، كـونـهـا المَعْـلـم الحضاري المتقدِّم ، ذات النهج الوطني المستقل ، التي تفـوَّقت على زميلاتها الـفلـسطينيات بما تشرق علينا بأنوارها صباح مساء بهذه الروح الوطنية الشفافة من خلال برامجها ومعالجاتها لقضايا فلسطينية وعربية متنوعة ، نهيب بها أن ترفع درجة استعدادها القصوى لمحـاربة الـفـسـاد والمفسدين ، وأن تحمي الناس من الـبلطجة الإعـلامية التي يـمـارسـها بعض السياسيين وبعض المستوزرين وبعض الإعلاميين أصحاب الصحـافة الـمـلاكي ، وننتظر منها أن تهتم بمأساة اتحاد الكُتَّاب والأدباء بغـزة ، وبالمآسي الحـياتـية الأخرى التي تتعلق بقطع الراتب وبلـقمة الـعـيـش وبتعليب مؤسسات المنظمة بمن انتهت صلاحيتهم ، والمساءلة عن إهدار المال العام والكسب غير المشروع والاغتناء الفاحش السريع بطرق الحرام والأمراض الاجتماعية كالمحسوبية والبطالة ، عسى أن يتم تـوفـيـر فـرص العـمـل مـن خلا ل تـوفـيـر المكانس للخـريجين والخريجات ليجـوبوا بها الشوارع !!! .
نتمنى على فضائية " معاً " أن تضع هـذه القضايا جميعها على رأس أولـوياتها بالطرح والفـضح والتعـرية والمناقشة والمحاسبة بسـؤالـهـم : مـن أيـن لك هـذا ؟ ، ومحاورة أصحاب الرأي والرأي الآخـر وجـهاً لوجه على شـاشـة الـتـلفـاز بمشاركة عـريضة من الجمهور المُشاهِد ؛ مشاركة مباشرة عــبــر الـهاتف لسماع آرائهـم ، فـهـم أصحاب الحق وسـدنة الحقيقة في كل القضايا التي تَمَسُّهم ، دون مجاملة لأي مسئول ، لا كما يفعل الأسـتاذ محمد اللحام مع ضيوفه الكرام وغـيـر الكـرام من الوزراء والمستشارين وأصحاب القـرار، حـين يُشفـق عـليهم فيستر عـوراتهم ويُخفي سَـوْءاتهم ، ولا يجتهد في الكشف عن أخطائهم وخطاياهم ، ويجاملهم عـلى حـساب الحـق الـعـام . بل نـريـده أن يـحكي " عالمكشوف " فعلاً ، ولا نريده أن يحاكي البرنامج الذي يحمل هـذا الاسـم في تـلـفاز فلسطين فيكون " الحكي " حينئذ " عالمستور" ...*
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت