لم يعد الحديث عن المصالحة الفلسطينية معزول عن مجريات تطورات القضية الفلسطينية من كافة جوانبها لقد وصلنا الى مرحلة ربط الملفات كلها مع بعضها البعض ولم يعد بالإمكان فصل إحداها عن الأخرى بحكم أن كافة الاطراف الفاعلة على الساحة الفلسطينية وخاصة حركتي فتح وحماس أصبحتا مترابطتين ومشتركتين في كافة مفاصل الفعل السياسي والميداني والاقتصادي وغيرها ولم يعد هناك فريق يمكنه الإدعاء أنه اصبح خارج اللعبة السياسية والدبلوماسية بشكل عام واصبح الجميع داخل الملعب السياسي والخلاف هنا حول توزيع أماكن اللاعبين ما بين الدفاع والهجوم والاحتياط ولم يعد هناك مكان لفريق يمثل حكم المباراة كما كان سابقا وهم من يطلقون الاحكام حسب رؤيتهم ولا يشاركون أو يتحملون عبء المسئولية .
ولاشك أن القضية الفلسطينية لم تكن يوما حكرا في اتخاذ القرار على القيادة الفلسطينية ولكن كانت القرارات دائما تؤخذ بالتشاور والتنسيق مع الحكومات الفاعلة والمتفاعلة مع القضية الفلسطينية سواء من ناحية الجغرافيا أو التاريخ ، ولاشك أن هذه القوى كانت تتبدل بحكم قوة تأثيرها وحكم نفوذها على الساحة الإقليمية أو نفوذها داخل الساحة الفلسطينية عبر بعض الفصائل والمنظمات الفلسطينية ففي بعض المراحل يتقدم النفوذ السوري أو العراقي أو الليبي ثم يتراجع دور هؤلاء لفقدانهم قوة التأتير ويتقدم غيرهم مثل قطر وإيران وتركيا وغيرها ، ولعل اللاغب الثابت في المعادلة تجاه القضية والقرار الفلسطيني هو الدور المصري بحكم أن قوة تأثيره نابع من قوة وحضور مصر ذاتها وليس ضمن ارتباطات حزبية خاصة وكذلك الدور الاردني الى حد بعيد .
واليوم وبعد المتغيرات الصعبة التي لازالت تعصف بالمنطقة تركز التأثير في مجريات القضية الفلسطينية على الثابت الدائم مصر وبرز بقوة الدور التركي القادم الى المنطقة متسلحا بقوة الجغرافيا والتاريخ معا وبالقوة الذاتية التي تمتلكها تركيا في عهد رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان مع التأكيد أن الشعب التركي وكافة الاحزاب التركية تدعم القضية الفلسطينية بشكل قوي وثابت بحكم ارتباط الشعب التركي بفلسطين والمسجد الأقصى ، ونجحت تركيا بطريقها الخاصة في تراجع اللنفوذ الإيراني بالرغم ما يملكه من إمكانيات وشكلت تركيا البديل المقبول شعبيا عن الدور الإيراني الذي كان دائما يشوبه الشكوك والشبهات بين الكثير من أوساط شعبنا ، وبرز الدور القطري كعامل مساعد لتقديم طرف على حساب طرف آخر بما تملكه من إمكانيات وعلاقات متشابكة ومعقدة .
المصالحة الفلسطينية كانت الحصان الرابح لكل من يريد الدخول للشأن الفلسطيني من أوسع الأبواب ويبعد نفسه عن الشبهات بحكم أنه الملف الذي يحظى باهتمام واسع وعليه إجماع شعبي فلسطيني ولا يملك أي طرف يريد التدخل بالشأن الفلسطيني سواء كان ذلك بدافع قومي وطني أم بشكل تكليف من قوى كبرى إلا من خلال ملف المصالحة الفلسطينية وهكذا برز الدور المصري بشكل مباشر وواضح وبذلت ولازالت تبذل مصر جهدا مضاعفا بالرغم من الأزمات الداخلية التي تعصف بالداخل المصري ولكن ارتباطها العضوي بالقضية الفلسطينية ونجاح دبلوماسيتها الخارجية مرتبطة بها وكذلك القضايا الأمنية المحيطة تدفعها جميعا للحفاظ على دورها الريادي ، وكذلك برز بقوة الدور التركي في ملف المصالحة كعنوان ولكن في حقيقة الأمر فإن الدور التركي سيكون أكبر من ذلك بكثير من خلال دورها الإقليمي في ترتيب اوراق المنطقة من جديد وفقا لمصالحها وأهمها القضية السورية وهذه مرتبطة تماما بالملف الفلسطيني بشكل عام والمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ، والإسرائيلية السورية القادمة ، وستعمل تركيا على ربط كل اللمفات بعضها ببعض حتى يكون التقدم في ملف ما على حساب التقدم في الملف الآخر وهكذا .
القضية الفلسطينية في هذه المرحلة تمر بأحد أهم فصولها الطويلة والمعقدة والمتشابكة والقيادات الفلسطينية تحاول الاستفادة من المتغيرات الجديدة ولكن للأسف كل فريق حسب الخطة التي وضعها لنفسه ولازال الحديث مبكرا عن خطة ورؤية فلسطينية مشتركة تحمي القضية الفلسطينية ولكن تطورات الأحداث في المنطقة ستدفع كافة القيادات الفلسطينية للالتفاف حول ذاتها لإثبات جدارتها في قيادة القضية الفلسطينية حتى لا يتحمل الجميع مسئولية الكارثة في حال الفشل .
م. عمـــاد عبـد الحمـيد الفـالـوجــي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت