لو كانت إدارة بوش هي من يقود البيت الأبيض لاحترق الشرق الأوسط، بعد كل هذا التحريض الإسرائيلي الفج على دفع الولايات المتحدة لتحريك أساطيلها تجاه سورية وإيران وربما في الطريق مناطق أخرى مثل الجنوب اللبناني كما تتمنى وتريد بل وتعمل جاهدة كل مواقع صنع القرار في تل أبيب.
أو لو أن إدارة أوباما استفادت من حروب بوش العبثية ونتائجها الكارثية فأصبحت أكثر رصانة حين يتعلق الأمر بحركة قواتها المسلحة فلم تعد يدها على الزناد كما السابق بل ان ما شهدته مرحلة أوباما هو سحب للقوات الأميركية من العراق وأفغانستان، لا شك أن الأزمة الاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة أثرت كثيراً على التوجهات الأميركية، لكن تجربتها المريرة في حربي الشرق كانت لا بد وأن تعلق في الذاكرة الأميركية حين اتخاذ قرار الحرب.
القرار الأميركي يشهد نوعاً من التهدئات مقابل التصعيد الإسرائيلي، وتبدو إسرائيل مثل الذي يصب زيتاً على النار المحترقة أصلاً في سورية ومرشحة للتوسع في المنطقة بعد إثارة النعرة الطائفية في هذه الحرب، فقد بدأت نذر الصراع الطائفي تطل برأسها بعد نجاح الدول الداعمة للصراع في سورية بإبرازه على أنه صراع بين السنة والشيعة وخاصة بعد دخول قوات "حزب الله" على خط المواجهة في دمشق، وإن كان دخوله دعماً وخوفاً من سقوط ما يصفها عاصمة المقاومة، وليس لأسباب طائفية لكن الإعلام الذي لم يشفع التاريخ المجيد لـ"حزب الله" لديه لم يتوان عن استغلالها بشكل بشع لتشويه صورة الحزب وتقزيمه من منظمة استطاعت أن تواجه أعتى قوة في الشرق الأوسط إلى منظمة طائفية صغيرة وهذه خدمة لم يحلم بها أشد المتطرفين تجاه "حزب الله" في إسرائيل.
وحين يتم الترويج للبعد الطائفي للحرب في سورية هذا يعني دخول المنطقة في محرقة جديدة ستمتد لسنوات وستقضي على كل محاولات المجتمعات العربية في الاستقرار والتقدم نحو دولة المواطنة، وأن استعارها بهذا الشكل يعني اللعب على وتر هو الأخطر في المنطقة والذي لا بد وأن ينتهي بتفتيت كثير من الدول العربية التي تضم شيعة وسنة وأولها لبنان ما يعني عزل "حزب الله" وإضعافه وهو الذي يشكل أزمة كبيرة للأمن الإسرائيلي بناء على المعلومات التي نشرها موقع "تيك دبكا" الاستخباري بأن الحزب قد جهز خمسة ألوية لاجتياح الجليل وأصبح ذلك منذ ثلاث سنوات الهاجس الأبرز لأمن إسرائيل وخاصة أن ما نشر يشير إلى قدرات تلك الألوية باعتبارها مدربة بمستوى تدريب أفضل القوات الخاصة في العالم أي القوات الخاصة البريطانية والأميركية.
هذه الألوية الخمسة ربما هي التي تكبل يد إسرائيل من الذهاب نحو مغامرة تجاه إيران، حيث تشكل هذه القوة التي وضع الحرس الثوري الإيراني ثقله فيها كما تقول التقارير الإسرائيلية عنصراً رادعاً لإسرائيل التي تعرف أنها لو قامت بضرب إيران لربما أن طهران وبسبب المسافة ستجد صعوبة في الرد الفوري، لكن هذه القوة التي تتواجد تحت الجدار الشمالي سترد بقوة تصل إلى السيطرة على الجليل كما وصفها تقرير "تيك دبكا" تجعل إسرائيل تتراجع إلى الخلف وتسعى لتحريض الولايات المتحدة لضرب إيران.
غياب الملف الإيراني عن الدعاية الانتخابية في إسرائيل في بداية العام يشير إلى محدودية القوة التي تمتلكها، فبعد قياس مستوى النار في الدولة العبرية لا يستطيع أي حزب أو حكومة التعهد للمواطن في إسرائيل بضرب إيران أو وقف برنامجها النووي، لهذا تجاهلها الجميع بمن فيهم نتنياهو الذي اعتبر وقف المشروع النووي الإيراني مشروع حياته. ولو كان لدى إسرائيل ما يكفي من القوة لمهاجمة إيران دون خسارة لفعلت ذلك منذ زمن كما المشروعين العراقي "تموز 81" والسوري "دير الزور 2006".
لذلك فإن ما يصدر عن إسرائيل من جعجعة عن الحرب وخصوصاً على الجبهة الشرقية من إيران أو حتى الدخول على الأزمة السورية لا يعتبر قياساً بالقدرات الإسرائيلية أكثر من تحريض للولايات المتحدة على شن الحرب، هذا التحريض الذي أخذ شكلاً محرجاً للولايات المتحدة في الأيام الأخيرة.
فقد أعلنت الولايات المتحدة موقفها من الأزمتين. السورية والإيرانية محددة خطوطها الحمراء ففي الأولى يتمثل هذا الخط باستعمال السلاح الكيماوي وفي الثانية بالوصول إلى ما قبل صنع القنبلة الذرية.
التصريحات الإسرائيلية تجاه المسألتين أحدثت صدمة في الخارجية الأميركية كما يقول الصحافي الإسرائيلي أليكس فيشمان في "هآرتس" حين سمعوا في واشنطن ما قاله العميد ايتي يارون رئيس قسم البحث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بأنه تم اجتياز الخط الأحمر في سورية في مجال الحرب الكيماوية باستعمال غاز السارين وهكذا فإنهم يقولون للولايات المتحدة "هيا أرونا ما أنتم فاعلون".
التصريح الثاني والأهم ما صدر عن رئيس معهد بحوث الأمن القومي ورئيس الاستخبارات العسكرية السابق عاموس يادلين بأن "الإيرانيين يستطيعون الوصول إلى القنبلة الذرية في الصيف القريب" وجاء ذلك بعد شهادة رئيس الاستخبارات القومية الأميركية جيمس فليبر الأسبوع الماضي في مجلس النواب بأن "الزعيم الإيراني لم يستقر رأيه بعد على بناء سلاح ذري".
التقديرات لدى المحللين في إسرائيل أن تل أبيب قصدت الحديث عن تجاوز الخط الأحمر في سورية لاختبار فعل الولايات المتحدة ولقياس ذلك على الوعد الأميركي بالتدخل في المسألة الإيرانية، فإذا ما أوفت الدولة الكبرى بتعهدها في الملف السوري هذا يعني أن تطمئن إسرائيل للمعالجة الأميركية في الملف الإيراني. هذا سبب كل الصراخ الذي يصدر عن تل أبيب ...طبول حرب تقرع وترسم في الأفق نذر الحريق ولكن إدارة أوباما لا تستعجل الحروب فدرس التاريخ ماثل ..أفغانستان ..والعراق، وإسرائيل تعرف حدود قوتها ومن الصعب التصور أن تغامر بالذهاب وحدها.
بقلم : أكرم عطا الله
نقلا عن/الايام
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت