منذ أن تمت مذبحة رواتب موظفي غزة أصحاب التوكيلات، القضية التي أصبحت أشهر قضايا المرحلة وأكبرها وأهمها، بما أنها شهدت رقم قياسيًا جديدًا يتوجب تسجيله في كتاب جينس للأرقام القياسية، بما أنها الحالة الأولى التي يشهدها تاريخ الحكومات والدول التي يتم قطع رواتب فئة استخدمت حقها القانوني لظروف ما بتوكيل أحد أفراد أسرتها باستلام راتبه لفترة معينة أو لفترة مفتوحة، وبررت الحكومة الفلسطينية هذه الخطوة بنوع من ملاحقة إهدار المال العام، وهي الخطوة التي جاءت بنوايا معلنة سليمة ولكنها تضمر خبائث بالموظف، وخاصة بموظفي قطاع غزة تحت مسمع ومبصر كل القوى الوطنية وهيئات حقوق الإنسان، ومنظمات المجتمع المدني التي جميعها شهدت قمة الاعتداء على حقوق 6800 عائلة دون أن تحرك ساكنًا، أو تتفوه بكلمة سوى تصريحات عنترية أشبه بتصريحات بسام زكارنة نقيب نقابة الموظفين العموميين الذي ومنذ شهر يوعد بخطوات تصعيدية كذر الرماد في أعين الموظفين الذين يمثلهم، وهو يدرك أنهم لن يصدقوه القول، هو وممثله في غزة عارف أبو جراد الذي سعى هو ومجموعة ما لحل مشكلة فئة معينة من الموظفين الذين هددوا وتوعدوا وهو حقهم، ومن ثم سكنوا ومنذ شهر باقي الملف الذي لا يتحرك مطلقًا إلَّا عبّر تدخلات شخصية خارجية، أو تحت ضغط ما من جهة ما لإنهاء ملف من هم من بطانتهم.
أقدمت الحكومة الفلسطينية منذ شهر على قطع رواتب الموظفين دون حق ودون وجه حق وكل يوم تطالبهم باثبات وجودهم بالوطن، حيث قام الموظف بتقديم إثباتاته لكل الجهات المعينة، وزارة المالية، هيئة العمل الوطني، مؤسسته التابع لها، ثم قام بإلغاء التوكيل، ثم قام بكتابة تعهد باستلام راتبه بشكل شخصي، رغم أنها كلها خطوات غير قانونية، إلَّا أن الموظف مسلوب قوته خضع لها، وأصبح يترقب رسالة الرحمة من البنوك تبشره براتبه، ولكن لا حياة لمن تنادي، فالحكومة الفلسطينية ووزارة المالية أذن من طين وأذن من عجين، ولسان حالها يقول ليس الهدف ملاحقة اهدار المال بقدر ما هو شيء في نفس يعقوب حول فاتورة رواتب أبناء غزة.
وحتى كتابة هذه الأسطر شبع وارتوى الموظف وعودات بأن مشكلتهم في طريقها للحل، ولا أعلم كم من الوقت تحتاج وزارة المالية لتدقيق أوراق الموظفين؟ وكم من الوقت يستغرق هذا الأمر، في حين أن الكشف الأخير المكون من خمسمائة اسم تم تدقيقه خلال نصف ساعة أرسلت الطلبات به لجهة معينة الساعة الرابعة عصرًا فكانت رواتبهم في البنوك الساعة الثامنة صباحًا، لماذا؟ لأنهم شريحة معينة لها من دافع عنها، ولها من أراد أن يعالج رواتبها، أما ما بقى من الموظفين فليس لهم سوى وعودات وزارة المالية....
في ظّل هذه الحالة المقيتة وحالة التلاعب بأسر الموظفين الفلسطينيين، لم يتبق شيئًا يلجأ له الموظف وعائلته سوى أن يفعلوا مثلما فعل محمد البوعزيزي بحرق أنفسهم جماعيًا لترق قلوب وزارة المالية، وربما ليعلم الرئيس محمود عباس بقضية هؤلاء الموظفين ويصدر قراره بالتحرك لإنقاذ من ألتزموا بقراراته وبشرعيته أبان إنقلاب حركة حماس العسكري ضد السلطة.
الأمر لا يحتاج منا أن نكتب فقد كتبنا كثيرًا، وكتب غيرنا كثير، ولكن وللأسف كل من يتحدث يصمت فجأة بعدما يتلقى راتبه، أما البقية التي ليس لها سوى همومها فلا أحد يدافع عنها.
ألم يحن وقت العدالة؟
د. سامي الأخرس
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت