ولِما لا نبتسم

بقلم: حامد أبوعمرة


لما ذهبت إلى السوق منذ فترة قريبة لأشتري بعض الحاجات، مررت بأحد بائعي الأسماك ،والذي دائما أتعامل معه بكل ارتياح ،ومجرد أن رآني البائع واقفا أمامه، وإلا وجدته يحملق بعينية صوبي فقرأت في نظراته سؤالا خفيا.. حقيقة لم أدركه،ولم أكن أتوقعه، وما هي إلا لحظات سريعة سرعة السيكلوترون عند تعجيله للنيوترونات .. حيث قال، وقد شعرت أن هناك تردد أو خجل ،وتلعثم قبل أن يتكلم المهم قال لي بصوت خافت وبكل هدوء : ممكن أسألك سؤال يا أستاذ ؟!!، ولكن أتمنى ألا تعتبره فضولية أو تطفل مني ..قلت له : تفضل سل ما تشاء ..فرد علىّ باقتضاب شديد ممكن أعرف سر ابتسامتك البراقة ،والواضحة وضوح الشمس ؟ فأجبته ،أولا تساؤلك هذا لم يكن بجديد عليّ فهناك الكثيرون من أصدقائي ومن المقربين كانوا قد سألوني نفس السؤال ،وأني أجيبك نفس الإجابة ،وبما أني متأثر جدا بالفلسفة ،فقد تذكرت سقراط العظيم فيلسوف أثينا في موقف حدث له بينما كان يدرّس لطلابه انقطع حديثة فجأة بعدما أخذته غفوة تأمل حيث كان ينظر إلى حمامة قد عششت على مقربة من المكان ،وفي ذات اللحظة سأله أحد طلابه لماذا توقفت هل نسيت يا أستاذ ؟!! فأجاب سقراط بكل ذكاء ،ومهارة حيث حول السؤال على عجالة إلى سؤال آخر أيضا قائلا من يجيبني : وما النسيان يا أولاد ؟!! وبنفس الطريقة مع الفرق الشاسع ،ودون أدنى مقارنة بيني وبينه حيث قلت للبائع :و هل هناك ياعزيزي شيئا في حياتنا ،والتي هي على الأرض قصيرة أيامها مهما طالت يحتاج إلى أن نحمل همومنا وأحزاننا على أكتافنا فنسير بها وسط الدروب ،وعلى كل الأروقة ؟! ياعزيزي ما أجمل أن نعيش حياتنا بكل ببساطة وبلا أي تعقيد يمكن أن يعتريها !!،وبعدما غادرته أي ذاك البائع بدأت أتمتم بصوت خفي توغل في حنايا وجداني قائلا : ما أجمل أن نعيش الحياة بقوة رغم الجراح وعبء المسئوليات ،ورغم الصعوبات التي تجتاح رفات حياتنا ورغم السياسات الهابطة،والماكرة ووسائل الإعلام التي قد أصابتها ذبابة التسي تسي ،ورغم كل وسائل حياتنا المنغصة من غلاء فاحش ،ورغم هبوب رياح صحراوية جافة وحارة ،ورغم ذرات الغبار والأتربة العالقة بطقوس مجتمعاتنا ،ورغم الرواتب المهددة دوما بالانقطاع،كانقطاع كل شيء حولنا ..، كالكهرباء والماء والوقود والغاز .. إلا أني سأبقى دوما متشبث بطوق الابتسامة الوحيد، والذي هو المرآة الحقيقية التي تنعكس عليها أسوار الأمل ،وقلاع النور ،فينقذنا بعد الطوفان،وليس المهم أن نرسو على الجودي رغم ظلمات،و هياج أمواج الوشاية والفتن التي تحاك حولنا هنا أو هناك ،لكن ..ما أروع أن تكبر أعمارنا ،ويكبر كل شيء فينا فتتغير ملامحنا،وتتغير أجسادنا لكن.. يكفي أن تبقى قلوبنا رقيقة حالمة صافيه طاهرة كقلوب الأطفال !!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت