في الأول من أيار الكفاح الوطني لا يسقط النضال المطلبي

بقلم: محمد أبو مهادي


في شباط 2013 أعلن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن عدد العاطلين عن العمل قد بلغ 260 ألف فلسطيني غالبيتهم من الشباب خريجي الجامعات، وتفيد دراسات أخرى أن أكثر من نصف مليون فلسطيني سيصبحون بلا عمل مع حلول عام 2020.
لفهم خطورة المشكلة، فإن ما سبق يعني أن حوالي 30% من أبناء الشعب الفلسطيني القادرين على العمل والراغبين في الحصول عليه سيستمرون ضحية الفقر والبطالة التراكمية بفعل السياسات الإقتصادية الخاطئة للسلطة الوطنية الفلسطينية بفرعيها في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهي النسبة الأعلى قياساً ببعض دول الربيع العربي كمصر التي كانت فيها 8% وسوريا 9% حتى العام 2009 حسب ما ورد في الاستراتيجية الوطنية للتشغيل2010، إضافة الى أن أكثر من 80% من أبناء الشعب الفلسطيني العاملين منهم والعاطلين عن العمل يعيشون في ظلمة الفقر والفقر المدقع إذا علمنا أن خط الفقر الوطني تم تقديره بحوالي 2237 شيقل لأسرة مكون من 6 أفراد خلال العام 2010.
هناك كارثة إقتصادية ضربت المجتمع الفلسطيني بفعل منظم ومعلوم ومقصود دون أن تعلن السلطة حالة الطوارئ، وتتعمد إخفاء هذه الكارثة حتى لا تتحمل تبعات علاجها، كارثة ستفتح ملفات كثيرة لها علاقة بموازنات فرعي السلطة وكيفية إقرار تلك الموازنات وتحديد الأولويات فيها، ومدى مراعاتها للفئات المهمشة والفقيرة الأكثر عوزاً في المجتمع الفلسطيني، كما تطرح سياساتهما الإقتصادية تساؤل حول مدى موائمة هذه السياسات مع خطط وأهداف التنمية التي تدعيها وحقيقة سعيهما الى برنامج إقتصادي يحرر الاقتصاد الوطني ويجعله أكثر عدالة وإستجابة لمصالح الغالبية العظمي من أبناء الشعب الفلسطيني.
بقاء أكثر من 260 ألف فلسطيني متعطلين العمل دون أن تقرع الأجراس يعني القبول بالواقع أو التعاطي معه تحت عناوين "العجز المالي والحصار" وغيرهما من مبررات تم الترويج لها عبر ماكنة إعلام فرعي السلطة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي ظل غياب أي نشاط حقيقي للحركة النقابية الفلسطيني التي أصيبت بالبلادة منذ تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية حتى الآن، وارتبط جزء كبير من قياداتها بالسلطة وفقدت قدرتها على تمثيل العمال الفلسطينيين، وعجزت النقابات حتى عن طرح أسئلتها على صناع القرار الفلسطيني حول أسباب هذا الارتفاع المستمر في معدلات الفقر والبطالة، ولماذا تستنفذ الموازنات المخصصة لأجهزة الأمن أكثر من 35% من إجمالي الموازنة العامة على مدار سنوات السلطة ولا يطالها أي تقليص بالرغم من الإدعائين المتسمرين بالعجز المالي والحصار؟
أين تذهب المبالغ المالية التي يتم جبايتها من المواطنين على شكل ضرائب بشكليها القانوني وغير القانوني، وما هي أوجه صرفها ومن يقرر ويدير عمليات صرفها ، وما هي حصة المشاريع التنموية منها إن وجدت تلك المشاريع ، ولماذا لم يتم تفعيل صندوق التشغيل والحماية الإجتماعية الذي نشأ بمرسوم رئاسي رقم (9)لسنة 2003م ولماذا لا يتم إنشاء الهيئة الوطنية للتشغيل والمجلس الاقتصادي الاجتماعي ليساعدا في رسم السياسات الوطنية بناءاً على إحتياجات سوق العمل ويسهما في تفعيل الشراكة بين أطراف العملية الإنتاجية، وما هي حقيقة الاقتصاد المقاوم وحقيقة تعزيز صمود المواطنين في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي، أين هي مشاريع الإستثمار التي نظم لها أكثر من مؤتمر إقتصادي وما هي أشكال الإستثمار التي تمت ولصالح من تعمل تلك الإستثمارات بعد أن جرى تطويع عدد كبير من القوانين الفلسطينية لخدمتها وحمايتها بقانون الإستثمار الفلسطيني، كم فرصة عمل وفرت للمتعطلين عن العمل وما هو إسهام تلك الإستثمارات في الناتج القومي ومدى تأثر دخل الفرد بها سلباً كان أم ايجاباً ؟
جملة من الأسئلة تطرح على صانعي السياسات الفلسطينية فما هي خطتكم لمستقبل شعب يرزح تحت الإحتلال إدعيتم تعزيز صموده وفي نفس الوقت قررتم له أكثر أشكال الظلم الإقتصادي طال العاملين في القطاعين الخاص والحكومي، وزاد من بؤس الفقراء والمعوزين والمتعطلين عن العمل، بعد أن تركتم المستقبل مكبلاً بالمديونية في تعارض حقيقي مع أهداف التنمية ومع فكرة العيش الكريم ودفعتم بجزء كبير من الشباب الى الهجرة بحثاً عن خيارات أفضل حيثما توفرت السبل إلى ذلك وأبقيتم على جزء آخر أسرى الإحباط وفقدان الأمل.
لا شك أن للإحتلال الإسرائيلي دور في تكريس تبعية الإقتصاد الوطني ومحاولات مستمرة لتدمير فرصة نهوضه، وقد دفع بآلاف الفلسطينيين نحو الهجرة القسرية بفعل القمع والترهيب وغيرها، ولكن الخطير هو الإستكانة الفلسطينية لسياسات الإحتلال في وقت تنعدم فيه فرص العيش الكريم وتغلق خيارات الأفراد وتتردي الأوضاع الإقتصادية دون أي مشاريع إنقاذ حقيقية وجدية تبقي على جسر الهجرة مفتوحاً ويؤهل من يصمد داخل المجتمع الفلسطيني لربيع فلسطيني محقق رغم كل كوابح التعطيل والـتأجيل.
الأول من أيار مدعاة لان تستعيد الحركة النقابية عافيتها وإستقلاليتها وتنظم نفسها على أساس ديمقراطي يعيد ثقة قواعدها بها، حركة نقابية بعيدة عن الولاءات الفئوية، قادرة على تمثيل قضايا العمال والدفاع عن مصالحهم والسير بهم من أجل اقتصاد وطني عادل يوفر الحماية الإجتماعية للغالبية العظمى من أبناء الشعب الفلسطيني، وتدرك أن الإنشغال بالنضال الوطني ضد الإحتلال الإسرائيلي لا يتعارض ولا يسقط الحق في النضال المطلبي دفاعاً عن العمال والمتعطلين عن العمل والفقراء الذين باتوا جيش الأغلبية في المجتمع الفلسطيني.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت