بمرور مئة وستة عشر عاماً على ثورة عمال شيكاغو ضد طغم الظلم الرأسمالية الاحتكارية،لم تستطع الطبقة العاملة باتحاداتها وقياداتها النقابية وأحزابها العمالية حتى الآن،أن تحقق أهدافها في بناء مجتمعات قائمة على العدالة الاجتماعية وخالية من التناقضات والصراعات الطبقية،بل ما نشهده زيادة في تغول وتوحش رأس المال وارتفاع حدة ووتائر الصراعات والتناقضات الطبقية،كما ان الاستغلال والاضطهاد الطبقي يتسع وتزداد مداياته،والاحتكارات انتقلت من إطارها المحلي والقومي إلى الإطار فوق القومي والعالمي،ونشهد حالة من بيع وتدمير القطاعات العامة لصالح الشركات الاحتكارية،وسن القانون والتشريعات التي تسحب وتنقض على حقوق ومنجزات حققها العمال بنضالاتهم وتضحياتهم عبر مسيرة طويلة من الكفاح والنضال عمدت بالشهداء والجرحى والمعتقلين ،وبما يثبت أن الرأسمال في سبيل مصالحه وأهدافه لا يدوس فقط على حقوق العمال وكراماتهم،بل ويدوس على العمال أنفسهم ولا يقيم أي معنى أو قيمة لحياة البشر في هذا الجانب،ويجري التعامل معهم كأي شكل من أشكال البضائع.
ولعل التاريخ قد دون ما بين صفحاته المضيئة يوم الأول من ايار بأحرف من نور ، هذا اليوم ودلالاته قد أعطى تجسيدا حيويا لأعظم انتفاضة عمالية سطر أبطالها من العمال والنقابيين بدمائهم وتضحياتهم وشهدائهم ، وهي انتفاضة عمال شيكاغو الخالدة عام 1886 وانتفاضة بوالند التان بوهجهما المضيء انتصرتا على مافيا الرساميل الطائلة في انتزاع حقوقها العمالية والنقابية والإنتاجية والاجتماعية من رأسمالية الدولة الاحتكارية والمتمثلة في الكارتيلات والتروستات..
تحتفل شعوب العالم قاطبة بعيد العمال، بيوم الأول من ايار كل عام جديد.. ولعل شعب فلسطين المناضل هو أحد هذه الشعوب المناضلة الذي يواجه بلحمه الحي جبروت الاحتلال الصهيوني الغاشم ، حيث ارتكب بحق الطبقة العاملة العديد من المجازر على ارض فلسطين ، بينما الطبقه العمالية تحاول انتزاع المكتسبات النقابية والعمالية بتضحيات مؤسساتها المدنية والشعبية وفي مقدمتها الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين، أهم تلك المكتسبات هو الاحتفاء بيوم عيد العمال وإحياء المسيرات العمالية والجماهيرية في يوم الأول من ايار وتنظيمها بما يليق بنضالات الطبقة العاملة والتضامن مع اسرى الحرية خاصة.
وعند الحديث عن طبقتنا العاملة الفلسطينية ومدى ما تتعرض له من اضطهاد واستغلال قومي وطبقي وضعف الاطر التنظيمية المعبرة والمدافعة عن حقوقها ومكتسباتها ،وكذلك ما تعانيه من قمع واضطهاد يصل حد الإذلال وامتهان الكرامة من قبل حكومة الاحتلال،والحديث هنا ذو شجون يدمي القلب ويدمع العيون،حيث يضطر الكثير من عمالنا في سبيل لقمة العيش أن يسكتوا عن الكثير من التجاوزات والإهانات والممارسات من قمع واضطهاد واستغلال وسلب حقوق وتدني أجور،وليت الأمر يقف عند هذا الحد،بل كثير من المؤسسات المسماة وطنية تستغل حاجة العمال بعدم توفر فرص عمل لهم في السوق المحلية، وعدم وجود حد أدنى للأجور والحماية من البطالة والفقر،وإمعاناً في استغلال حاجة العمال للعمل ترى الكثير من المؤسسات،وحتى لا يترتب عليها أية التزامات لجهة حقوق العمال من عطل أسبوعية وإجازات سنوية وحوافز ومكآفأت وتقاعد وضمان صحي واجتماعي وغيرها،تلجأ الى تشغيل العمال بعقود مؤقتة أو مياومه أو العمل بالقطعة ،أما عند الحديث عن المرأة العاملة فترى اضطهادا مركباً ومضاعفاً،حيث التميز في أجور العمل وعدد ساعات العمل وطبيعة العمل والحقوق الأخرى من إجازة أمومة ورعاية الأطفال وحقها في إرضاع طفلها في الساعات الدوام وغيرها من الانتهاكات الأخرى المرعبة والمخيفة.
ولهذا يجب ان تكون رسالتنا للاول من ايار هو التمسك بكافة اشكال النضال ضد حكومة الاحتلال ، لاننا على ثقة بأن قوة الشعب العربي الفلسطيني ستحطم الجدار وستهدم المستوطنات وستقوم الدولة الفلسطينية العربية المستقلة وعاصمتها القدس, هذا هو نضال الطبقة العاملة من اجل تلبية حقوقها ضد الظلم والاستبداد.
إننا ندرك حجم الآلام التي يعانيها العمال بسبب الاحتلال والبطالة والتمييز الذي يواجهونه في شتى المجالات، بما في ذلك محاولات تحويل الطبقة العاملة إلى جيش" متسول"ينتظر المساعدات من هنا وهناك بعد أن كانت تكتسب لقمة خبزها بكرامة وشرف،إن ذلك يتطلب وحدة الحركة العمالية، وتوحيد أطرها ومؤسساتها، وتكريس الديمقراطية وإجراء الانتخابات وفق مبدأ التمثيل النسبي الكامل وتبني برنامجًا كفاحيا مطلبيا دفاعا عن حقوق العمال ومصالحهم وسن التشريعات القانونية، التي تضمن المساواة العادلة بين العاملين والعاملات، وإقرار حد أدنى للأجور، وتوفير شروط الصحة والسلامة وصولا لضمان حياة حرة كريمة للعمال عن طريق تعزيز وحدتهم ونضالهم الوطني والاجتماعي على قاعدة أن ضمان الحقوق الاجتماعية والديمقراطية هو ضمان للحقوق الوطنية.
في هذا اليوم يجب ان نقول أن صمود الشعب الفلسطيني لم يكن يوما بضاعة تجارية تشترى بالأموال، حيث اكد هذا الشعب العظيم بفضل تضحياته خلال خمسة وستون عاما من النكبة وقبلها، انه سجل بطولات يومية لم توثق في غالبيتها الساحقة، ولم تجد من يوثقها، ونحن هنا نتطلع الى استمرار تلك الأجيال التي حملت المشروع الذي يواجه عقلية النكبة، ونرفض خصخصة النضال.
اننا ندرك بشكل كامل مساهمة الطبقة العاملة الفلسطينية بشكل فعال واساسي بالحراك السياسي والمقاومة الشعبية يؤكد على قدرة الانسان الفلسطيني على مواجهة الصعاب, ونحيي الطبقة العاملة الفلسطينية المناضلة, وندعو جماهيرنا وعمالنا الى التضامن مع اسرى الحرية وهم يرسمون لنا المستقبل المشرق ، ونحن اليوم مع نقف مع الشعوب ضد الاستبداد ومن اجل الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية, ومواجهة انظمة الاستبداد صنيعة الامبريالية ومواجهة الثورة البرجوازية المضادة وتسليح الكادحين بقوى اكثر وعيا يالأزمة التي تجري في المنطقة بهدف السيطرة الامبريالية الاستعمارية على مقدراتها ، مما يتطلب استنهاض كافة القوى الثورية والعمالية لمواجهة كافة الالتفافات الممكنة على حركتها التحررية وقدرتها، وتحصين شعوبها دون السقوط من جديد في التبعية للقوى الامبريالية، وان نضالنا من اجل البقاء والهوية والحقوق يجب ان تبقى بوصلتنا .
عاش الاول من ايار عيد العمال عيد الاحرار, عاشت الطبقة العاملة.
كاتب سياسي
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت