جمال محيسن لم ينطق كفراً

بقلم: رشيد شاهين


بعد التصريح الذي أدلى به عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، السيد جمال محيسن، في أعقاب العملية التي نفذها سلام الزغل على حاجز زعترة، واستطاع خلالها قتل احد قطعان المستعمرين في الضفة المحتلة، لم تتوقف الحملة على الرجل، وتمت مهاجمته من العديد من الكتاب ومن الجمهور الفتحاوي وربما غير الفتحاوي.

السيد محيسن كان وبحسب ما نشرته وسائل الإعلام قد قال، إن العملية التي نفذها الشاب الفلسطيني، "هي رد فعل طبيعي على جرائم الاحتلال ومستوطنيه" وأضاف " إن العملية لا تعبر عن سياسة عامة لدى السلطة وحركة فتح التي تنتهج المقاومة الشعبية كخيار لمقاومة الاحتلال".

الذي يقرأ التصريح بشكل موضوعي، يلاحظ أن الرجل لم يتطاول على أحد، كما انه لم يسيء إلى أي كان، ولم يخرج عن الثوابت التي وضعتها السلطة بقيادة الرئيس محمود عباس في موضوعة المقاومة، والتي تجعل من المقاومة الشعبية الخيار الوحيد والأوحد لمقاومة الاحتلال.

هذا الخيار الذي يتم التأكيد عليه في كل مناسبة، خيار في الحقيقة منح دولة الكيان كل الحق في أن تقوم بما تشاء، ضد من يمارس المقاومة وخاصة اللاعنفية، وحيث أن السلطة التي على رأسها حركة فتح ممثلة بالرئيس عباس، حددت أساليب ونهج المقاومة فقد أصبح هذا هو سقف المقاومة التي لا يجب تجاوزها بالمفهوم الفتحاوي، فإن السيد محيسن لم يخرج عن النص.

السيد محيسن لم يأت بجديد في هذا الشأن، وهو ينسجم تماما مع سياسة الحركة ممثلة برئيسها السيد أبو مازن، وأي نظرة لما يجري في الضفة الغربية المحتلة، تؤكد على ان موضوع الكفاح المسلح، لم يعد موجودا على أجندة أي من التنظيمات الفلسطينية سوى من خلال الشعارات والبيانات لا أكثر ولا اقل.

الشيء الجديد الوحيد في تصريح السيد جمال محيسن، هو انه قال الحقيقة، وعبر عن واقع صحيح، ولم يحاول تزيين ما يجري على أرض الواقع، بالنسبة لنا ربما كان هذا التصريح "مؤلما"، ليس لأنه ضرب بشكل مباشر على الوتر فيما يتعلق بأحوال البلد، بل لأنه قيل في مثل هذه الأوقات التي يستذكر الشعب الفلسطيني ذكرى النكبة، هذه الذكرى التي تنبش بدواخلنا كل آلام الذكريات، وتستجلب كل الوجوه الطيبة والعزيزة التي فقدناها بسبب جرائم الكيان، ولأننا بعد كل تلك الأعوام، لم نستطع تحقيق شيء من طموحات الشعب والشهداء والأسرى والمشردين، ولا نعلم كم سنحتاج من سنوات لتحقيق الحد الأدنى من ذلك.

الكفاح المسلح وعدم ممارسته، ليس شيئا جديدا في فكر المقاومة الفلسطينية، فهو كان ولا زال كفاحا مغيبا "ومرفوضا" في أدبيات بعض الفصائل الفلسطينية، ولم تمارسه أبدا ولن تقوم بممارسته أبدا، وهي ترى ان من حقها ان تفكر بالطريقة التي تشاء في هذا الإطار، وهي أيضا لا تمنع ولا تحرض الآخرين على عدم القيام بمثل هذا النوع من الكفاح، فلكل خياراته ولكل قناعاته.

ما صرح به الرجل، لم يخرج عما هو موجود بشكل حقيقي على الأرض، وهو كما نرى تصريح متواضع، موضوعي وحقيقي، وربما مخفف، بمعنى انه لم يذهب ابعد من التعليق على العملية التي قام بها الشاب الزغل، حيث هنالك من المظاهر الأخرى التي تتعدى ذلك، والتي تقشعر لها الأبدان، وهو تصريح لا يستحق كل هذا الضجيج، خاصة وان الرجل لم يقل إلا اقل القليل في تغيير المواقف والمفاهيم والممارسات التي تبنتها الحركة خلال السنوات الأخيرة. فالتحولات في فكر الحركة وممارساتها، وكل ما حدث بعد "الاتفاق المجزرة" أوسلو، لا علاقة له لا بفتح التي نعرف، ولا بالفكر الثوري الذي ربت عليها الرواد من أجيالها المتعاقبة.

لا نعتقد بان السيد محيسن أو أي كان، يستطيع التنكر لتاريخ فتح النضالي وانها عملت الكثير خلال مسيرتها، إلا أن هذا كان في سنوات خلت، وأصبح تاريخا، لا شك انه تاريخ من حق من يشاء أن يفخر به، تماما كما هو حال العربان عندما يتغنون بالتاريخ، متناسين أن هذا "كان زمان"، تاريخ لا يمكن نكرانه، إلا انه في النهاية تاريخ مضى، أما ما يجري على الأرض، فلا علاقة له بذلك، وفتح في العام 2013، ليست فتح عام 1965 أو 1982، ولا حتى الأعوام الأولى من الألفية الثالثة.

من حق من يشاء ان يقول ما يشاء، ومن حق أبناء فتح ان يفاخروا بتاريخ حركتهم، لكن هذا لا يمنع أي كان من قول الحقيقة أو التعبير عن رأيه الذي يراه، وهو في الحقيقة رأي صائب لم يذهب بعيدا عما يجري على ارض الواقع.
3-5-2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت