لا يجب الخلط بين نظام بشخص وبين دولة، هذا ما يجب أن يحدث عند تناول الحالة السورية التي أصبحت حالة خاصة تتطلب الوقوف أمامها بعمق وبقوة وبتحليل عميق لما يدور في المنطقة، وخاصة في منطقتنا العربية الّتي تتهاوى سريعًا سواء من حيث الأنظمة، أو من حيث القضايا الجوهرية والمبدئية، فلم يعد هناك خطوط حمراء يقف أمامها النّظام الرسمي العربي الذي وقف بالأمس موقف المؤيد لتدمير العراق وإعادة احتلاله، واصطفاف بعض العرب ( الأنظمة) بجانب الولايات المتحدة الأمريكية، ودعمها من خلال توفير القواعد أو من خلال تَحمل تكاليف العدوان تحت راية أن العرق يُهدد الأمن الخليجي من جهة، وأسلحة الدمار الشامل ( الكيميائية) من جهة أخرى، فذهب صدام حسين وذهب العراق معه إلى سنوات التصحر الفكري والعملي، والمدني، والتقدمي، والاقتصادي، وأصبح العراق أقرب لدويلات داخل دولة لا يحكمها سوى غوغائية العصابات، وكذا الحال بليبيا الّتي شرعت الدول العربية عدوان الناتو وشاركت فيه عمليًا بذريعة القضاء على نظام معمر القذافي، وهي عملية كانت أولًا لاستكمال التبعية المطلقة للولايات المتحدة الأمريكية ومن أنظمة الخليج من جهة، وتصفية حسابات شخصية من جهة ثانية، والمضي قدمًا في المشروع الأكبر الذي تحددت ملامحه ولم يعد غامضًا أو مبهمًا، فكل ملامح المشروع استوفت ملامحها وجاري تنفيذها بمساهمة عربية رسمية فعلية مباشرة وغير مباشرة، وذهب معمر القذافي وذهبت ليبيا معه أيضًا الّتي أصبحت تحت حكم عصاباتي مسلح، وحكومة لا تمتلك سوى الإذعان لاشتراطات القوى الّتي نصبتها بالقوة.
هذان السيناريوهان ينفذان الآن في الحالة السورية الّتي أصبحت آخر القلاع الّتي يجب إسقاطها في هذه المرحلة، ولم يجد عرابوا الولايات المتحدة، وخاصة في الخليج العربي ذريعة سوى الطائفية كمبررٍ لتنفيذ وصايا الولايات المتحدة الأمريكية، وتنفيذ مرحلة جديدة من مراحل المشروع المستهدف في المنطقة، وهو ما يؤكده طرح قطر لمبادرة " أرض مقابل أرض" مع الكيان الصهيوني، والدول العربية في هيئة الأمم المتحدة الّتي منعت الفلسطينيّين من التوجه لمحكمة الجنايات الدولية لمحاكمة العدو الصهيوني على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، وهو ما يأتي في حصيلة التخلص من الكل ضمن رزنامة واحدة، من سوريا وفلسطين معًا، حيث أن هذا التحرك يأتي ضمن مساهمة الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في إسقاط سوريا مقابل الضغط على الجانب الفلسطيني في قبول ما يرفضه من اشتراطات للعودة إلى المفاوضات مرة أخرى وفق الاشتراطات الصهيونية – الأمريكية.
العدوان الإسرائيلي بالأمس على دمشق هو عدوان غير مفاجئ، بل عدوان بدأت ملامحه منذ زمن حيث السماح للطائرات الصهيونية بالتحرك في المجالين الجويين اللبناني والأردني، ومبادرات العرب وقطر، جميعها تأتي ضمن هذه المؤشرات وتأكيد على أن هناك دعم مباشر لإسقاط سوريا ونظامها، وإعادة الأمور مرة أخرى للحالة الّتي كانت عليها في السابق بعدما استطاع الجيش السوري أن يحسم بع المعارك في سوريا، وتراجع في أداء المعارضة السورية على الأرض، ممّا تتطلب تحركًا من الدول العربية الراعية، هذا التحرك كان ثمنه رأس القضية الفلسطينية وهي الأم في الأجندة الإسرائيلية الّتي حاولت أن توتر الحالة في غزة كعملية تمويه لمخططاتها في الشأن السوري، بما أن غزة هي المساحة الّتي تعتبر حلقة حيوية في تصدير الأزمات أو أي عملية تمويهية لأي مخطط قادم، وليس استهدافًا لحكومة حماس، وحماس كما يحاول الإعلام إشاعته.
المرحلة الحالية تصب الجهود في ضرورة حسم المسألة الّتي استطاعت الصمود طويلًا بفضل الدعم الروسي والصيني والإيراني، وكذلك حزب الله الذي سيكون له دور حاسم في الأيام القادمة، خاصة تلميحات زعيم الحزب حسن نصرالله الذي حاول أن يرسل العديد من الرسائل لكل الأطراف بأن الحزب مع الخيار السياسي في سوريا وهو الخيار الأوحد القابل للحل، وحسم المسألة، ما دون ذلك فهي درب من العبث لا يمكن لأي طرف حسمه، وهو تأكيد على استحالة الحل العسكري حسب تصريحات السيد حسن نصرالله وما يحمله من إيحاءات في هذا الصدد. وكذلك صمود الشعب السوري الذي أصبح أكثر تمسكًا بمصيره الوطني الذي يتعرض عمليًا للتدمير، ومحاولات تقسيم سوريا إلى دويلات مفككة يسودها النمط العصباتي والفوضى المسلحة.
إن الضربات الأخيرة على سوريا هي إعلان حرب رسمية ولكن بشكل غير المعتاد، أي حرب أشبه بدعم غير منظم لقوى المعارضة السورية العاملة على الأرض يأخذ مسميات وصفات مختلفة، بما أن الولايات المتحدة وحلف الناتو لن يستطيعا توجيه ضربات منظمة لسوريا على غرار ما فعلت بليبيا نظرًا للموقف الروسي الصلب سواء في مجلس الأمن أو على الأرض. وعليه لا بد من إطلاق يد الكيان لهذه المهمة بتوجيه ضربات بين الفينة والأخرى في القلب السوري كحرب استنزاف تنهك الجيش السوري وتحد من تحركاته وتماسكه، وتربك الاستقرار السياسي للنّظام السوري من جهة أخرى، وهي تدرك أن روسيا تقيد أي محاولات للرد العسكري من النّظام السوري ضد الكيان.
ورغم ذلك إلاَّ أن المؤشرات توحي أن المنطقة على شفا حرب قادمة، وربما حرب خاطفة تعتمد على الآلة العسكرية الالكترونية دون مواجهة مباشرة بين جيشين أو قوتين نظاميتين هما الجيش السوري وجيش الكيان.
الوضع يتطلب الحفاظ على الدولة السورية، وهذا الحفاظ لا بد وأن تتضافر الجهود من القوى المؤمنة بوحدانية المواجهة لمواجهة محاولات تدمير سوريا، فلم يعد الحياد موقف صحيح ولم يعد له مبررات وخاصة من قوى المقاومة للمشروع الأمريكي في المنطقة. بالرغم من أن هذه القوى ليست موحدة وليست منظمة، وتتخبط في رؤيتها، وما يؤكد ذلك تصريحات الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان شلح الأخيرة الذي أعلن خلالها حيادية موقفهم كحركة مقاومة من الأزمة السورية، وهو موقف كان لوقت قريب صحيح لكنه مع هذه التطورات لم يعد موقف صحيح لأن الحياد أمام هذا المشروع الخطير في المنطقة هو موقف ضعف وانسياق خلف قوى ظلامية أكثر منه موقف مقاوم ومبدئي.
فالمسألة لم تعد دفاعًا عن نظام أو شأن داخلي، فسوريا هي آخر قلاع المقاومة في المنطقة يتطلب من القوى المقاومة عربيًا الدفاع عنها، وخوض المعركة معها أمام المشروع الذي يمرَّر بمساعدة رسمية عربية.
د. سامي الأخرس
الخامس من مايو ( أيار) 2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت