المؤامرة على سوريا ومحنة الشعب الفلسطيني

بقلم: عباس الجمعة


امام الاوضاع التي تعيشها المنطقة تنكشف يوما بعد يوم ما تتعرض له سوريا ، بغض النظر عن تأييدنا لمطالب الشعب السوري الشقيق في التعبير عن مطالبته بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والاصلاح ، لكن هذه المطالب لم تفتت دولة ، ونحن نرى ان المنطقه مستهدفة لأغراض استعمارية هدفها التقسيم واضعاف مكونات الدوله خاصة بعد الثورات الشعبية التي ركبت امواجها امريكا بالتحالف مع قوى الاسلام السياسي لحرفها عن اهدافها النزيهه بالحرية والديمقراطية والكرامة الأنسانيه وهذا يتطلب تحكيم لغة العقل والاصغاء لارادة الشعوب في مواجهة العدوان الصهيو امريكي.
المؤامرة اصبحت واضحة حتى تصبح سوريا ضحية فتن مذهبية وقتل , وكل ما يحدث ليس وليد صدفة بل كان مبرمج ومخطط له منذ احتلال العراق حتى تدفع ثمن مواقفها , وثمن دعم وانتصار المقاومة في لبنان وغزة , ومن هنا كانت القوى الاستعمارية الصهيونية تنتظر اللحظة التي رسمتها ، ولهذا نرى إن هدف المعسكر الأميركي الساعي إلى تقسيم المنطقة والسيطرة على ثرواتها من خلال الأموال والأدوات العربية والإقليمية ، بهدف تلغيم كل بقعة من المنطقة بألغام الطائفية المدمِّرة، حيث غطى دخان انفجاراتها سماء المنطقة، وبالتالي غطى شمس الحقيقة، فأضحى السواد الأعظم لا يرون أبعد من أنوفهم، ونحن ندرك أن سوريا في وضع حرج، وربما عليها أن تعض على جراحها، فهي إن قامت بالرد على العدوان، تكون قد أعطت لهذا العدوالمتغطرس المزيد من الذرائع لتوسيع وتصعيد العدوان، وبدعم من الولايات المتحدة، التي تتخذ سياسات ومواقف تصعيدية ضد سورية، حيث تنتظر ذرائع قوية لتبرير تدخلها، والاستقواء على الممانعة الروسية والصينية، التي تحول كل الوقت دون تدخل مباشر للولايات المتحدة في الصراع الدائر في سورية.
وفي ظل هذه الاوضاع الخطيرة حرصت منظمة التحرير الفلسطينية وكافة فصائل العمل الوطني على "عدم التدخل" في الشأن الداخلي العربي بقدر حرصها على "استقلالية" قرارها، وحرصت كذلك على تأكيد أنها ليست بديلا عن الشعب العربي المعني بالتغيير أو بعدم التغيير، بغض النظر عما إذا كانت سياسات النظام القائم تخدم أو لا تخدم القضية الفلسطينية، واكدت ان لم تكن بوصلة الثورات العربية فلسطين ستكون ثورات تصب في مصلحة مشاريع تفتيت المنطقة.
ان ما يجري في سوريا هو خطير والرابح بالمطلق هو العدو الصهيوني والقوى الاستعمارية، التي تريد تفتيت المنطقة ونهب خيراتها وثرواتها وشعوبها ، والخاسر اولا الشعب السوري الشقيق ودول المنطقة ، وإن من الحكمة والشجاعة وعظيم المسؤولية والمواقف الأخلاقية والإنسانية، أن يبادر كل من له دور ونفوذ وكلمة وتأثير على كل طرف من الأطراف المنخرطة في هذه المعركة ، أن يبادر بسرعة وحرص وحسن نية وشرف لوضع حد لهذه المواجهة، وتجنيب المخيمات الفلسطينية الدم النازف وتحييدها عن الصراع وخروج المسلحين منها ، وإن تلك مسؤولية كل الأطراف الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية والأطراف السورية والعربية والإسلامية والإقليمية، كما هي مسؤولية المنظمات الدولية العليا المسؤولة عن السلم والأمن العالميين وعن حقوق الإنسان.
ان الشعب الفلسطيني الذي تعرض لنكبات متتالية منذ هجرته الى الدول العربية يتعرض اليوم مرة جديدة الى التشرد والتهجير، وكأن على اللاجئ الفلسطيني أن يرتضي بمصيره المحتوم من دون أن تمتد له يد المساعدة، حتى في النطاق الانساني، واليوم ما يجري في مخيم اليرموك ومخيمات سوريا من جريمة يدفع ثمنها الشعب الفلسطيني نتيجة حرصه على سوريا وشعبها حيث يطارد الشعب الفلسطيني القتل دون اي مبرر تعيد مشاهد خروج الفلسطينيين من مخيم اليرموك إلى الأذهان نكبة العام 1948 .
ان الشعب الفلسطيني دفع فاتورة باهظة نتيجة الصراعات العربية الداخلية، والصراعات العربية العربية على مر التاريخ، وإن المحاولات التي تبذلها أطراف خارجية وعصابات مأجورة، تسعى لجر المخيمات الفلسطينية إلى المزيد من المواجهات المسلحة في ظل الوضع القائم في سوريا، من أجل طرد اللاجئين، المستفيد الأول والاخير المستفيد الاول والاخير من حالة الأستنزاف لمقدرات الشعوب العربية هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يسعى لإلغاء حق العودة.
ولهذا نقول أن للشعب الفلسطيني قضيته الوطنية وصراعه الأساس هو مع العدو الصهيوني، فيكفي الشعب الفلسطيني ما يلقاه يوميًا على يد الاحتلال من قتل واعتقال ونهب للأرض، وهو يخوض معركته دون أن يجد دعما أو إسنادا فاعلا من أحد.
ان ما يجري الان في سوريا من تدمير البنية التحتية وتفكيك الدولة واستنزاف قدراتها وطاقاتها يشكل خطوة رئيسية باتجاه تمرير المشروع الصهيوني الامبريالي، باحداث تغيرات دراماتيكية في المنطقة، عنوانها الاساسي، سايكس بيكو جديد يتضمن تصفية القضية الفلسطينية، والغاء حق العودة للاجئيين الفلسطينيين الى بلادهم، ودخول المنطقة في صراعات داخلية وحروب اهلية، في ظل وقوف النظام العربي موقف متفرج اتجاه تمزيق الجبهات الداخلية ويترافق ذلك مع تناغم سياسي بين حركة حماس وقطر ، هذا التناغم الذي يأتي ايضا مترافق بعلاقات مميزة تربط حركة حماس بالقيادة المصرية يعززها خلفية فكرية واحدة، في الوقت الذي يستهدف المشروع الاسرائيلي الامريكي الشعب الفلسطيني و إحكام الحصارعليه ، في ظل علاقات فلسطينية –فلسطينية مرشحة للاستمرار ضمن خطين موازيين في ظل تنازل يقدمه العرب عن اراضي فلسطينية كمقدمة لتبديد الحقوق الوطنية المشروعة ، حيث سيكون الخاسر الاكبر الشعوب العربية وحركة التحررالعربي عموما والشعب الفلسطيني وحركته التحررية على وجه الخصوص، كونه المستهدف الاول خلال المرحلة المقبلة، وعنوانها التصفية النهائية للقضية الفلسطينية، واعادة ربط قطاع غزة بمصر وفق شروط سياسية وامنية محددة، وكونفدرالية اردنية مع مساحات من الاراضي الفلسطينية يطلق عليها اسم فلسطين، لا تتمتع بوحدة جغرافية لوجود الشريان الاستيطاني الذي مزق وابتلع اراض واسعة من القدس والضفة الفلسطينية، في ظل هيمنة صهيونية سياسيا واقتصاديا وامنيا.
أن الشعب الفلسطيني في سوريا كان وما زال جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي السوري، له ما للمواطن السوري وعليه ما عليه، مع الحفاظ على الخصوصية الفلسطينية المنسجمة مع مشروعه الوطني، وأن المخيمات الفلسطينية في سوريا، تعكس طبيعة التلاحم بين الشعبين الشقيقين. وأن رعاية شؤون الفلسطينيين في سورية يكون بحسب ما تنص عليه الأنظمة والقوانين، ووفقاً لمتطلبات الحياة الديمقراطية الواعدة التي ينشدها عموم سكان سورية.
ان ما يتعرض له الشعب الفلسطيني في سوريا من محنة اللجوء الثاني هي مأساة مضاعفة، وخاصة بتشريدهم من مخيماتهم عنوة، وبما يلاقون من إجراءات تمييزية بحقهم في دول الجوار لا تساويهم بإخوتهم النازحين السوريين ولو بالحدود الدنيا، رغم ما يكابده النازحون السوريون من إهمال وسوء معاملة ومس بكرامتهم الإنسانية، في الأردن ومصر وتركيا، تخللتها وللأسف حملات كراهية وعنصرية .
ختاما: لا بد من القول ، ان الشعب الفلسطيني لم يقف مكتوف الايدي امام العدوان الصهيوني على سوريا رغم ما تعرض ويتعرض له بين فوهات البنادق، لان هذا العدوان يطال فلسطين ويطال المنطقة ، وهذا يتطلب من الجهات المعنية بتوفير الظروف الآمنة لشعبنا في المخيمات مع تقديم المساعدات الفورية التي يحتاجها في هذه المحنة الجديدة، وسيبقى الشعب الفلسطيني على موقفه المحايد من الصراع الداخلي في سورية والذي اتخذته فصائل العمل الوطني الفلسطيني المتواجدة في سوريا.
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت