تفكيك الكيان العربي

بقلم: محمد السودي


من يقرأ المشهد العربي الملتبس بشكل متأنٍ يجد أن ماتتعرض له المنطقة من انواء عاصفة لايخرج عن نطاق مشاريع قديمة ًمتجددّة رسمتها الدوائر الإستعمارية بهدف تفكيك الكيان العربي القوي دولةً تلو الأخرى لإضعافه وتقسيمه إلى دويلات هزيله غير قادر على حماية نفسه من خلال تغذية الفتن والصراعات المذهبية والطائفية " لأجل عيون اسرائيل"القوة الضاربة المتقدمة للنظام الرأسمالي العالمي المتوحش وضمان مصالحه الحيوية بالسيطرة على ثروات المنطقة الغنيّة بالنفط والمواد الخام الأخرى فضلاً عن كونها أسواق تصريف إستهلاكية من الدرجة الأولى لذلك لم تغب أنظارها عن المنطقة للحظة واحدة ومنذ خمسينات القرن الماضي أبّان فترة المدّ القومي الذي أرعب الدوائر المتنفذه في العالم الغربي ووضعت خطوط حمراء لإعاقة الوحدة العربية والتكامل السياسي والإقتصادي واهتمّت الإدارات الأمريكية بكونها تشكل رأس القطب القيادي لمعادلة الحرب البارده بوضع خطط استراتيجية من خلال إرسال لجان مختصّة ووفود أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى منطقة الخليج العربي لاستكشاف أفضل السبل للسيطرة على منابع النفط والممرات المائية في حال حدوث أزمات تعيق انسيابية تصدير النفط الى الأسواق الأمريكية والغربية وكذلك تأمين حرية التجارة عبر الممرات البحرية .
اسرائيل بدورها خاضت حروبها العدوانية التوسعية في إطار القضاء على عناصرالقوة العربية وضرب حركات التحرر المتنامية تجلى ذلك بوضوح بمشاركتها الميدانية بالعدوان الثلاثي على مصر عبد الناصر الثورة الفتية بعد تأميم قناة السويس هذه الخطوة الجريئة التي الهبت مشاعر الجماهير من المحيط إلى الخليج مطالبة بالمزيد من الخطوات التي من شأنها الأرتقاء بمكانة الأمة التي تليق بها، وأيضاً جاء عدوان الخامس من حزيران الذي إدى إلى هزيمة الأنظمة الرسمية العربية وتصدرت طلائع المرحلة اللاحقة إزدهار الثورة الفلسطينية المعاصرة التي أضحت الهدف المركزي لقوات الإحتلال وحلفائه للقضاء عليها وحرفها عن مسار تحرير الأرض وزجّها في أتون التناقضات والصراعات العربية، العربية التي تفاقمت بعد خروج مصر السادات من الحاضنة العربية إثر توقيع معاهدة كامب ديفد ، أما ضرب مفاعل تموز النووي العراقي بتاريخ السابع من حزيران عام 1981 فقد كان ذروة الأهداف والصيد الثمين التي سعت اسرائيل للقضاء عليه بكونه يشكل عامل توازن القوة النووية العربية، بمساعدة الإستخبارات الأمريكية وبعض العلماء الفرنسيين الذين أشرفوا على بنائه مستثمرةً انشغال العراق بالحرب العراقية الإيرانية التي استنزفت مقدرات البلدين الجارين حيث قال "اسرائيل شاحاك" مؤلف كتاب أسرار مكشوفة "أعتقد انه من الواجب تذكير القراء غير الصهاينة أن جلّ اهتمام اسرائيل ينصبّ بفرض سيطرتها على منطقة الشرق الأوسط من خلال انفرادها بسياساتها النووية لوحدها"، استهداف علماء الذرّة العرب والمسلمين وتجنيد بعضهم وأخيراً تدميرالمنشأة العلمية السورية في منطقة الكبر التابعة لمحافظة دير الزور في التاسع من سبتمبر عام 2007 كان خير دليل على تصميم هذا الحلف غير المقدس تجريد العرب من أي امكانية للوصول إلى ناصية العلم والتقدم الذي تتمتع به الشعوب الأخرى حتى لو كان لأغراضٍ سلمية في وقت تمتلك ترسانتها النووية أكثر من مائتي وخمسين رأساً نووياً غير خاضعة للرقابة الدولية.
لقد أوغلت اسرائيل وشريكتها أمريكا في عدوانهما ولم تتوقفا عند حدود واجتاحت العاصمة اللبنانية بيروت للقضاء على حركة المقاومة الوطنية اللبنانية الفلسطينية وإخراج قوات منظمة التحرير الفلسطينية إلى المنافي البعيدة ثم أوكلت لحلفائها المحليين ارتكاب المجازر البشعة بحق أهالي المخيمات الفلسطينية في صبرا وشاتيلا ، وحين أدركت أنه لايمكن القضاء على المقاومة الفلسطينية مهما بلغت المسافات والتضحيات شنّت الغارات على ضواحي العاصمة التونسية في محاولة فاشلة للقضاء على القيادة الفلسطينية ومارست الإغتيالات وعمليات الإختطاف والإعتقالات غير أن إرادة القتال كانت تنتصردائماً على جبروت القوة الغاشمة ، أظهر الشعب الفلسطيني للقاصي والداني مدى التناغم الكفاحي عندما شعر بالمخاطر المحدقة بالمشروع الوطني وهبّ منتفضاً بحجارة الأرض ضد الغزاة ولم تستطع أدوات القمع وقنابل الغاز والرصاص المطاطي والحي وتكسير العظام وقتل الأطفال الأبرياء كسر الإرادة الوطنية .
إن كل انجاز حققه الحلف الصهيوأمريكي قابله تراجع وانكفاء في الجانب الرسمي العربي وانحسرت أفاق التعاون العربي بل زالت معاهدة الدفاع العربي المشترك وأضحى التقوقع في حدود الدولة الوطنية أمراً مألوفاً دون أدنى اعتبار لطموحات وأماني الشعوب التواقة للحرية والديمقراطية حيث ساد الظلم والإستبداد وانعدمت فرص الإيمان بالمستقبل لدى الشباب وازداد الفقراء فقراً والأغنياء غناً بينما انساقت بعض الأنظمة وراء المخططات الخبيثة لقاء الحفاظ على رؤوسها وحملت السلاح جنباً إلى جنب مع الغزاة الجدد دون وازع أخلاقي وفتحت أراضيها مرتعأً للقوات الأجنبية ومخازن أسلحة للدمار والخراب ، لهذا لم يكن غريبا اندلاع الثورات العربية من ميادين القهر وأزقة الحرمان المزمن ، لم تكن انطلاقتها مؤامرة خارجية على الإطلاق كما يحاول البعض تشويه صورتها بالرغم من التداعيات التي فتحت الأبواب على مصراعيها أمام كل الإحتمالات نتيجة النزيف الدموي المستمر، لكن قوىً مؤطرة أكثر تنظيماً لها أجندات سياسية كانت تتحين الفرص الملائمة لركوب موجة الغضب الشعبى العارم استطاعت أن تحرف المسار عن أهدافه الحقيقية باتجاهات لاتختلف كثيراً عن الأنظمة المستبدّة وأيضا بالرجوع إلى الدول المتنفذة بعد أن تخلت عن حلفائها القدامى الذين كانوا يلقون الرعاية والحماية غير أبهة بمسميات وتوجهات الأشخاص اذا كانوا يلبوّن مصالحها ومصالح اسرائيل في المنطقة .
تبقى القضية الفلسطينية هي المعيار الأساسي الذي تقيس به الشعوب مدى مصداقية حكامها فعلاً لاقولاً بعد التجارب المريرة التي عانتها تحت شعار كل الأمكانيات لمواجهة الإحتلال وتحرير الأرض الفلسطينية ، المبادرات العربية التي تتنازل عن الثوابت لن تعيد الحقوق لأصحابها ، ولا زيارات المشايخ والرؤساء الإستعراضية لقطاع غزة تنهي الإنقسام ، فلسطين لها بوابة واحدة فمن أراد القدوم اليها فسيلقى كل الترحيب أما الدخول عبر النوافذ فله مســـــمى واحد فقط!!!!!
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت