ديمقراطية إسرائيل تخرس الحق

بقلم: غازي السعدي


من المسلمات التي لا جدال حولها أن معظم الإسرائيليين- وفقاً للأجواء والسياسات الإسرائيلية، إضافة لاستطلاعات الرأي العام الإسرائيلي- يتجهون نحو التطرف والعنصرية والكراهية تجاه الشعب الفلسطيني، حتى أن بعضهم لا فرق بينهم وبين الفاشية، بمن فيهم قيادات سياسية، ووزراء ونواب كنيست، وقادة أحزاب، وهم في الأساس الذين يشجعون المواطنين الإسرائيليين، ويثقفون ويوجهون الشارع الإسرائيلي ويغذونه بالتطرف بتشويههم وتحريفهم للمواقف الفلسطينية والعربية، وهذا ما أظهرته نتائج انتخابات الكنيست، ومع ذلك، ولكي نكون منصفين فهناك شرائح إسرائيلية- رغم أنها أقلية- تقود صراعات معاكسة للمواقف الرسمية، وتدين التطرف، وتخوض صراعاً داخلياً من أجل تحقيق السلام، وهذه الشرائح تتعرض إلى هجوم من قبل الأحزاب الحاكمة، ومن قبل المتطرفين والمستوطنين والحركات الإرهابية اليهودية، وهذه الشريحة توصف بالخيانة، وبالتخلي عن وطنيتهم الصهيونية، وكل من يتحدث اليوم في إسرائيل عن السلام مع الفلسطينيين، وإقامة دولتهم المستقلة، تشوه سمعته، ويتعرض للإهانات والمضايقات، ليصبح منبوذاً من قبل الأغلبية اليهودية المتطرفة.
لا نستطيع أن نضع رئيس الوزراء السابق "أيهود أولمرت"، في خانة المحبين للسلام، ولإقامة الدولة الفلسطينية، لكنه في المؤتمر السنوي لجريدة "جروساليم بوست"، الذي عقد في نيويورك قبل أيام، وفي خطابه في هذا المؤتمر، قال بأن على إسرائيل أن تنفصل عن الفلسطينيين، كي تتمكن من الحفاظ على نفسها كدولة يهودية وديمقراطية، ولا تستطيع السيطرة على شعب آخر، وأشار إلى أن أقوال "نتنياهو" حول حل الدولتين، ضبابية بصورة مقصودة، مؤكداً أن حل الدولتين هو الحل الوحيد.
أقوال "أولمرت" هذه أثارت الشغب والاعتراض من قبل حضور المؤتمر وازداد الشغب والانتقادات له، حين قال بأن إسرائيل تبالغ من الخطر الإيراني، "معاريف 29-4-2013"، وتعرض لهجوم عليه من القيادات الإسرائيلية ووسائل إعلامها.
الكاتبة الإسرائيلية المعروفة "عميرة هس" والتي لها عمود يومي في جريدة "هآرتس" كتبت مقالاً بتاريخ "12-4-2013"، أثار ضجة واستنكاراً في إسرائيل، فمن الصعب قول كلمة حق تجاه الفلسطينيين، دون أن يتعرض كاتبه أو قائله للهجوم عليه، ونعته باتهامات قريبة من الخيانة، فقد كتبت في عمودها:"أن الحق في المقاومة محفوظ للشعوب التي تقع تحت الاحتلال والاضطهاد، ومن السهل أن يدرك كل مثقف هذا الحق"، وأضافت في مقالها:" هذا ما ينطبق على الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال، وهذا لا يحتاج إلى موافقة إسرائيلية، فالعالم كله –كما كتبت- شريك مع الشعب الفلسطيني بحقه في مقاومة الاحتلال، وهناك إسرائيليون كثيرون يعتقدون ذلك".
إنني إذ أسوق هذه الأمثلة، منتقداً التقصير العربي باختراق المجتمع الإسرائيلي، على الأقل على الصعيد الإعلامي، إذ أن الكثيرين من الإسرائيليين، يجهلون حقيقة الصراع، ويحملون أفكاراً سلبية لعدم معرفتهم الحقيقة، أو أنهم محسوبون على الجانب المتطرف من الخارطة السياسية الإسرائيلية، فالوزير ورئيس حزب ميرتس السابق "يوسي سريد" أثنى بدوره في مقال له في جريدة "هآرتس"، على مقال "عميرة هس"، وقال أن كل ابن ثقافة يدرك أن الحق في المقاومة محفوظ دائماً لشعوب محتلة ومضطهدة كالشعب الفلسطيني – كما جاء في مقالها- ودون حاجة لموافقة وإذن إسرائيلي، ليعرّف بواقع حياته، بأنه واقع تحت الاحتلال، ويقول "سريد"، أن مسألة المقاومة لا نقاش عليها، بل النقاش حول مسألة الوسائل، مهاجماً أصحاب الأقلام الذين وصفهم بالمنافقين، الذين انقضوا على "عميرة هس"، بسبب مقالها، فكانت رسالة "سريد"، دعوته للفلسطينيين وقيادتهم في المقاومة والكفاح لإسقاط الاحتلال، بتحويل الاحتلال إلى عبء عليه، وأن يشعر الإسرائيليون في فراغ جيوبهم، بما لا يدركون بعقولهم، وانتهاج العصيان المدني، والمقاومة الشعبية بكامل الإمكانيات غير العنيفة، ومقاطعة السلع الإسرائيلية، وعدم عمل الفلسطينيين في إنشاء المستوطنات، وعدم بيع أراضيهم للمحتل، والاستلقاء أمام الجرافات، وأن لا يخيفهم الاعتقال، بل عليهم ملء السجون، وهذا أيضاً عبء على الاحتلال.
في بحث أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية والنهضة، كُشف فيه النقاب عن أن صورة إسرائيل في أوروبا باتت أكثر من سيئة، وبخاصة معارضتهم للسياسة الاستيطانية، و"نتنياهو" وأعوانه يزعمون بأن هذه الانتقادات والمواقف الأوروبية والدولية للسياسة الإسرائيلية نابعة من عدم فهم وجهل، فالبحث المشار إليه، يرفض هذه المزاعم جملة وتفصيلاً، فإسرائيل أصبحت صورتها بالحضيض، وأن الأسباب لا تتعلق بالإعلام، بل من السياسة الإسرائيلية والاحتلال، ومن المماطلة المبرمجة فيما يسمى بالعملية السلمية.
إن المضحك أن الحكومة الإسرائيلية، لجأت إلى المثل الشعبي، "ضربني وبكى وسبقني واشتكى"، فشنت هجوماً لاذعاً على الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، وتصفه بالعقبة الكأداء أمام أي حل سلمي، وتتهم القيادة الفلسطينية بالعداء للسلام، فهل هناك في العالم من يصدق هذه الاتهامات؟ فهل استمرار الاستيطان، ومصادرة الأراضي، وهدم البيوت، والاعتداء على الفلسطينيين وعلى ممتلكاتهم، وعدم احترام الاتفاقات، بما في ذلك إطلاق سراح أسرى، يشجع القيادة الفلسطينية على استئناف مفاوضات وهمية، لا توصل لأي نتائج؟ ودون مرجعيات، ودون جدية، ولن تؤدي إلى السلام، فإسرائيل تحاول ابتزاز الفلسطينيين من خلال سياستها المعروفة، وهي تريد تقاسم أراضي الضفة الغربية، بينها وبين الفلسطينيين، وهذا ما يرفضه الشعب الفلسطيني، حتى وإن استمر الاحتلال لسنوات قادمة، فإسرائيل لا نهاية لشروطها وطلباتها، فهي تشترط على الفلسطينيين عدم التوجه للأمم المتحدة للاعتراف الكامل بها، ولا لمحكمة جرائم الحرب الدولية في "لاهاي" لمقاضاة إسرائيل، ومن لا يستجيب للشروط الإسرائيلية، ويتصدى لمشاريعهم، يتهم بالعداء للسامية، ومنكر للمحرقة، وهي تُهم جاهزة توجه لكل من يتعارض مع سياسة الاحتلال الإسرائيلي ونهجه المرفوض، لكن ذلك أصبح مكشوفاً ولا أحد بات يصغي له أو يصدقه، إنها سياسة محروقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت