عجيبة هي العلاقات بين بعض فئات المجتمع السياسي والثقافي والحزبي فهي محصورة بين خيارين قلما تجد الخيار الثالث فهي إما وفاق تام وشامل على كافة القضايا والنقاط بكل تفصيلاتها كبيرها وصغيرها وإما الخصام التام في حالة حدث خلاف على قضية أو أكثر كبيرة كانت أو صغيرة وفي هذه الحالة لا يبحث المختلفون عن أي فرصة لقاء أو فكرة مشتركة تجمعهم بل ولا يكاد يجد كل فريق أي إيجابية أو حسنة في الفريق الآخر بل وقد يعدى الأمر للوصول الى حالة العداء بينهما .
هذه هي الثقافة السائدة بين أطياف المجتمع العربي بشكل عام والفلسطيني بشكل خاص وكأن هذه الثقافة متوارثة من عمق التاريخ الثقافي الذي ربط فئات هذه المجتمعات العربية على مدار قرون من الخلافات التي عصفت ببنية الفكر والمجتمع .
ولعل تعدد الأحزاب القائمة على اساس فكري ثقافي اجتماعي نشأت على اساس خلافات قائمة ولم تنشأ بواقع تكاملي تخصصي في جانب من جوانب الحياة بل قامت الأحزاب بشكل شمولي تتبنى جميعها كافة قضايا المجتمع مهما تعددت واختلفت فكل حزب يعتقد أنه يملك برنامجا متكاملا لكافة مناحي الحياة ولا يعترف بقصوره بأي جانب من تلك الجوانب وبالتالي لا مكان لغيره في اي من مجالات الحياة ، ومن هنا نشأت حدة الاستقطاب وعدم الاعتراف بالآخر وتراجعت الى حد كبير فكرة التكامل في الفعل أو الالتقاء على برنامج محدد يجمع الجميع لتحقيق الحد الأدنى من برنامج توافقي يلتقي حوله الجميع ويبعد شبح الاقتتال أو حدوث الصدامات الداخلية .
لا مكان للخيار الثالث القائم على التكاملية في الفعل والانصهار في بوتقة العمل الجماعي وتفهم ما يطرحه الآخرون حتى لو كان مخالفا ، وأنه لا حدود للخلاف بين البشر فلا توجد قضية لا يمكن الخلاف حولها مهما على شأنها أو قداستها لأنها من فعل البشر وأن العقل البشري سيبقى قاصرا عن فهم كل شيء وسيبقى الإدراك محدودا ومتفاوتا بين شخص وآخر .
كثيرين انتقدوا سياسة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش عندما قسم العالم الى محورين محور الخير ومحور الشر ، واعتبر أن كل من يخالف سياسة الولايات المتحدة سيكون بالقطع ضمن محور الشر وكل من يقف معها هو في محور الخير ولا مكان ثالث لاي طرف وعلى كل دولة ومنظمة أن تحدد وتختار مكانها ، حتى هؤلاء الذين عابوا على أمريكا هذه السياسة تجدهم بشكل مباشر أو غير مباشر يمارسون ذات المبدأ حيث يقومون بتصنيف البشر حسب قربهم أو بعدهم عما يعتقدون .
قد نختلف مع جهة في موقف محدد وقد نتفق مع ذات الجهة بموقف آخر فلماذا ينسف أحد الموقفين الموقف الآخر ؟ والأنكى أن موقف الخلاف ينسف موقف الاتفاق ويا ليتها المعادلة معكوسة لكان الأمر هينا .
ولكن أليس من يؤمن بهذه النظرية فإنه يطلب المستحيل ؟ هل يمكن لأي شخص يحترم عقله وتفكيره أن يتفق مع أي شخص أو جماعة في كل ما يقول أو يتصرف ؟ بالقطع مستحيل لأن البشر يتفاوتون في فهم الأمور والقضايا الخاصة والعامة .
ولكن لو راقبنا المجتمعات الأخرى التي استفادت من تجارب التاريخ وأدركت الحقيقة العامة للبشر تجدهم يستفيدون من خلافاتهم ويحولونها الى إنجازات وإبداعات ويسود عندهم احترام العقل والفكر وتسيطر عندهم فكرة التكامل والتخصص والعمل ضمن فريق نحو هدف منشود ومرسوم ، وتجدهم يعترفون بالأخطاء بهدف تصحيحها وتقويمها والاستفادة منها ، وتتعزز عندهم ثقافة المؤسسة الفاعلة فالحكم ليس للفرد وإنما للقانون ولديهم مرجعيات متفق عليها تحسم الأمور ولا تدعها معلقة ويلتزم بقراراتها الجميع .
لن نخرج من مربع الشرذمة والتراجع طالما يسيطر على فكرنا حب السيطرة المطلقة على عقول الناس والدفع بهم لتأييد كل ما يقول الحزب أو الشخص مهما علا قدره أو حجمه .
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت