لماذا نحن مع فلسطين؟

بقلم: احسن خلاص


عندما طلب مني الأخ والصديق خالد صالح (عزالدين خالد) كتابة شيء في موضوع المواقف الجزائرية تجاه قضيتنا الفلسطينية المقدسة وجدت نفسي صائما عن ذكر مآثر ومواقف وأفعال قام بها رعيل من الثوار وورثتهم في الجزائر من باب الواجب التاريخي وهم الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمن قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا.
الجزائر التي ظلت مواقفها ثابتة حتى في أحلك ظروفها سنوات الإرهاب ومحاولات إركاع هذا البلد أحد قلاع الصمود ضد كل أشكال الاستعباد والظلم والقهر في العالم وعلى رأسه الأرض والشعب الفلسطينيين. لم يكن لتغفر الصهيونية العالمية للجزائر وقوفها الثابت تجاه القضايا العادلة لاسيما إذا تعلق الأمر بقضية الشعب العربي الفلسطيني، فراحت تكيد لها المكائد وتختلق لها أسباب الضعف وتكيل لها بالوكالة التهم وتحاول جر جميع الدول إلى حصار الجزائر سنوات الإرهاب الأعمى، وكانت آخر محاولات جر الجزائر إلى مستنقع الهوان والانبطاح أن أريد أن يكون مؤتمر القمة العربي الذي انعقد بالجزائر عام 2005 منطلقا للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي فأبت الجزائر شامخة وقالتها بصوت مدوي لا يمكن لأرض الشهداء أن تكون منطلقا للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب وقبلها في عام 2000 نصب "كمين ديبلوماسي" للرئيس عبد العزيز بوتفليقة بالرباط عند حضوره جنازة العاهل المغربي الحسن الثاني فوجد نفسه قبالة أيهود باراك بحيث استغلت الدوائر الإسرائيلية مقتضيات واجب العزاء وواجب ظهور الرئيس الجزائر بمظهر المتحضر. لكن الحديث الذي دام 7 دقائق كان فرصة للرئيس بوتفليقة ليبلغ للصهاينة على المباشر وعلى مرأى ومسمع العالم أجمع مواقف الجزائر الثابتة تجاه القضايا العربية قائلا بالحرف الواحد "انسحبوا من الأراضي الفلسطينية ومن الجولان ومن جنوب لبنان وبعدها نتحدث أرجوكم أن لا تحرجوني مرة أخرى".
لم يكن وقوف الجزائر مع القضية الفلسطينية لأنها قضية عادلة مثلها مثل بقية القضايا في إفريقيا وأمريكا اللاتينية فحسب بل لأنها مرتبطة بوشائج القربى وعرى الأخوة في الدين واللغة والماضي المشترك ولاسيما، وهذا هو الأهم، الأحلام المشتركة وإرادة التحرر التي تجمع الشعبين الجزائري والفلسطيني. فلسطين كانت حاضرة دائما في أجندات القيادات الجزائرية المتعاقبة منذ الثورة التحريرية وتمتنت أكثر لما استرجع هذا البلد سيادته على أرضه ومقوماته وثرواته فكان أن جعل للشعب الفلسطيني نصيبا منها عقودا متتالية لكن وهذا من الأهمية بمكان أن نذكر أن فلسطين كانت قوية الحضور في التعبير الأدبي والفني ومصدر إلهام لفنانينا وشعرائنا الشعبيين فالقضية مرتبطة ارتباطا مقدسا بالوجدان الجزائري العميق.
لا يعتبر الجزائريون قضية فلسطين مجرد قضية شعب مكافح لاسترجاع أرضه المغتصبة وسيادته المصادرة بل هي قضية الأمة الإسلامية أملاها واجب نصرة أرض الإسراء والمعراج ومهد الأنبياء عليهم السلام ولم يكن ارتباط الجزائري بالأرض الفلسطينية وليد العصر الحديث بل يعود إلى عهود مضت فالجزائريون انصهروا منذ قرون مع الأرض الفلسطينية وجزء منهم من مكونات الشعب الفلسطيني المكافح اليوم على الأرض الفلسطينية.
لا أريد الحديث كثيرا عن مشاركات الجزائر ومساهماتها في صمت دون أن يصاحب ذلك تدخل في الشأن الفلسطيني الداخلي. كانت الجزائر الملاذ عندما تضيق السبل بالإخوة الفلسطينيين كما كانت المرجع لتقديم المشورة والنصيحة لفلسطين الثورة كما لفلسطين الدولة. وها نحن جيل اليوم نواصل على نفس الدرب مع أحرار فلسطين في سجون الاحتلال الصهيوني، نعمل ونجتهد لنوصل الصوت المدوي الأسرى وأنين عائلاتهم وأطفالهم ليدركوا أنهم ليسوا وحدهم معزولين بل هناك في المغرب العربي شعب اسمه الشعب الجزائري لم يبدل تبديلا.

أحسن خلاص
مدير النشر فى صحيفة الجزائر

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت