مسامير وأزاهير 213 ... نكبة فلسطين – دروس وعبر!!.

بقلم: سماك العبوشي

مسامير وأزاهير 213 ... نكبة فلسطين – دروس وعبر!!.

تمر هذه الأيام الذكرى الخامسة والستون لنكبة العرب الكبرى في فلسطين – أرضَ الإسراء والمعراج -، في وقت ظن الكثيرون منا بأن تكون تلك النكبة فرصة ذهبية عظيمة لأمة العرب كي تعيد لها التوازن وأن تكون لها نقطة شروع تتجاوز من خلالها حالة الضعف والوهن التي تلبستها من خلال واقع سياسي مهلهل ومشهد جغرافي ممزق مشتت جراء تداعيات معاهدة سايكس بيكو !!.

لم تكن ردة الفعل العربي على النكبة، ردة ثورية فعالة ومتكاملة تعمل على إيقاظ الأمة النائمة، حتى وصل اليأس بكثير من مثقفي أمتنا العربية "المجيدة!!" لتمني المزيد من النكبات والصدمات لأمتنا "المجيدة!!" علَّها تكون دافعاً قويا لهذه الجثة الهامدة كي تنتفض وترفض واقعها المر المزري!!.

لقد كان بالإمكان لنكبة فلسطين أن تكون شرارة الاستيقاظ والنهوض من طول سبات، وبدء مشوار البناء والنهضة العربية المجيدة ولملمة أشلاء أرض العرب المجزأة والمقسمة بحدود مصطنعة زائفة، فهكذا لعمري كانت قد فعلت أمم حيـّة رفضت الواقع الأليم الذي ألمّ بها قسرا ورغم إرادتها فتجاوزت محنها ولعقت جراحاتها وتبوأت موقعا رياديا ساميا على هذه البسيطة، ولعل خير مثال على ذلك ما أصاب اليابان من نكبات اقتصادية وعسكرية وإنسانية فادحة إثر هزيمتها في حرب طاحنة خلال أربعينات القرن المنصرم والتي أدت إلى احتلال أراضيها وركوعها لهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية، وها هي اليوم قد انتفضت على واقعها المر بفضل سواعد أبنائها البررة المبدعين وأعادت بناء اقتصادها المحطم وكسرت قيد الهيمنة الغربية عليها وراح مواطنها يبدع ويعمل جاهدا رغم قلة الثروات الطبيعية لليابان!!.

لقد انحسر المطلب العربي من تحرير فلسطين بكامل ترابها وإعادة الحق السليب بعد نكبة العرب في فلسطين عام 48 لتتراجع لهجة المطالب على مر الزمن وبتطور الأحداث المأساوية ( التي كنا جميعاً سبباً في تفاقمها ) حتى ارتضى قادة العرب أخيراً وليس آخراً للركوع أمام الكيان الصهيوني وراحوا يتسولون منه حلولا جائرة من خلال إطلاق المبادرة العربية للسلام واعتبار (السلام مقابل الأرض ) خياراً استراتيجياً يتمثل بقيام " إسرائيل " بالانسحاب التام من كافة الأراضي العربية والفلسطينية ( حتى حدود 4/6/1967 ) وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف، في وقت تناسى قادة العرب ( وبضمنهم قادة السلطة أيضاً ) تلك التعهدات التي منحها ( بوش الصغير) لشارون عام 2004 والتي تتعارض تماماً مع مبادرتهم للسلام تلك، كما وتجاهل القادة العرب بنفس الوقت أيضاً إدراك " إسرائيل " التام أن موازين القوى تعمل لصالحها حين رفضت هذه المبادرة التي ولدت ميتة في مهدها ومضت قدما لتحقيق أهدافها المعلنة والصريحة الهادفة إلى التطبيع مع العرب وإقامة العلاقات الدبلوماسية معها أولاً وقبل كل شيء دون تقديم أية ضمانات لأجل التقدم بالمسيرة السلمية الموعودة!!.
لقد تبنت منظمة التحرير الفلسطينية ومنذ قيامها عام 64 خيار التحرير الكامل من خلال ميثاق وطني فلسطيني مبني على ثوابت القضية أجمع الجميع على احترامه والعمل على هديه، فنالت "م ت ف" تأييد ودعم الشعب الفلسطيني أولاً، ثم كان أن ضمت فصائل التحرير والثورة الفلسطينية ذات شعار تحرير فلسطين كلها، ومنها حركة فتح " كبرى فصائل المقاومة " التي أدرجت في أدبياتها السياسية ذاك الشعار الثوري الذي صار حلم كل أبناء فلسطين، فإذا بمنظمة التحرير الفلسطينية تـُهـَمـّش ويتم تعطيل واجتثاث وإلغاء كثير من بنود ميثاقها جراء الدخول في نفق أوسلو، لتـُـبـْـتـَلـَع َ"م ت ف" من قبل وليدة أوسلو!!.

لقد دأبت السلطة الفلسطينية على عملية تفريغ مهام "م ت ف" واستلاب صلاحياتها بشكل تدريجي، فعملت على نقلها لتكون بإمرتها وطوع بنانها مما حجـّم دور مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية ( الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني !!)، فلم يتبق من "م ت ف" إلا اسمها، أما مضمونها الثوري وهويتها " التحريرية" ومبادؤها وبنود ميثاقها الوطني التي انطلقت بها ومن أجلها فقد أصابها التحريف والتزوير والتغيير!!، فكان من الطبيعي جداً بأن يطالب أبناء فلسطين وفصائلهم الوطنية بإصرار على إعادة الروح لها وتفعيلها كي تكون جديرة بحمل رسالتها التاريخية وإكمال مشوارها والتصدي لمخططات العدو المتمثلة بقضم الأراضي واتساع الاستيطان وتهويد المقدسات إلى آخر ممارساته العدوانية!!، فكان أن تنادى الجميع بتاريخ 17 آذار/ مارس 2005 من أجل تصحيح الأوضاع المأساوية وتدارك انحدارها فأعلن عن اتفاق القاهرة الذي تضمن إعادة تنظيم منظمة التحرير وتفعيل دور مؤسساتها وفق أسس يتم التراضي عليها لتضم جميع القوى والفصائل الوطنية!!، وظل اتفاق القاهرة حبيس الأوراق والكلمات والأمنيات دونما تنفيذ حتى يومنا هذا!!.

لقد بات الوجود الفلسطيني على أرضنا التاريخية مهددا أكثر من أي وقت مضى، لاسيما في ظل تعطيل دور منظمة التحرير الفلسطينية وإلغاء وتجميد كثير من بنود ميثاقها الوطني، هذا كما وان المخططات الإسرائيلية لم تتوقف عند حدود النكبة، بل تعدتها لتبتلع كامل الأرض الفلسطينية وما مارسته حكومات الاحتلال الصهيوني من سياسة التهجير والتطهير العرقي في القدس وسائر الأراضي المحتلة والمتمثلة بمصادرة الأراضي وهدم المنازل وتهويد للقدس والمقدسات، وترويع لشعبنا وسن قانون بشان التواجد الفلسطيني في الضفة الغربية بغرض تفريغ الارض ومنع التواصل بين أبناء الشعب الواحد في الضفة وغزة والقدس والداخل، كما ومارست سياسة تزييف التاريخ والجغرافيا الفلسطينية والالتفاف على الحقوق الوطنية الفلسطينية غير القابلة للتصرف، وطمس معالمها الإسلامية والعربية من خلال عمليات التهويد المستمر وتغيير ديمغرافية مدينة القدس الشريف.
لقد بات أمرا ملحاً اتخاذ ذكرى النكبة مناسبة لرص الصفوف واستعادة الوحدة الوطنية لمواجهة المخطط الاسرائيلي الرامي الى الانقضاض على مشروعنا الوطني الذي يمر بمرحلة حساسة ودقيقة وخطيرة و تبني استراتيجية وطنية نادينا بها مرارا وتكرارا، استراتيجيّة تجمع بين المقاومة الشعبية وحركة التضامن الدولي ودعم الصمود الوطني واستعادة الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام البغيض في المشهد السياسي الفلسطيني.
دعوة مخلصة صادقة لكل أبناء فلسطين بما يحملونه من جراحات وآلام ونزيف دموي ومصير مأساوي مشترك ومستقبل قاتم مظلم، ودعوة صريحة شفافة، لكل الفصائل والحركات السياسية في فلسطين والتي تتحكم بمقدرات الشارع وتسيره وفق هواها وأجندتها فراحت تتخاصم وتتنافر وتتناحر فيما بينها وتكيل الاتهامات لبعضها على رؤوس الأشهاد ( عدواً وصديقاً ) على حد سواء...لاستحضار تاريخ فلسطين وتحديد أسباب نكبتها ... واستخلاص العبر والدروس من تجارب آبائكم وأجدادكم لتحاشي ما وقع فيه ( بعض ) كبار القوم في فلسطين قبل النكبة من أصحاب المصالح والمتنفذين حين آثروا حب الجاه وتنازعوا النفوذ والكرسي فابتعدوا عن جوهر القضية وتركوا أبناء الشعب يقارعون عصابات الاستيطان ودهائها دونما موجه أو قيادة موحدة، وفي تلك العبر مؤشرات للأسباب التي أوصلتكم إلى ما أنتم عليه الآن!!!.

دعوة صادقة لتوحيد الصف ونبذ التناحر والتنافر والإقصاء الفكري والتهميش السياسي، ولا تكونوا كـ ( عرب الأحمر ) في الأندلس حين أضاعوا مـُلكهم في غفلة من زمن، وتيقنوا أن عدوكم متربص بكم يسجل عليكم خطواتكم ويحصي عليكم أنفاسكم ويعد لكل خطوة تخطونها ردة فعل مناوئة لها، ثم عُوا حقيقة استثماره لضعفكم وتناحركم ليزداد قوة ومنعة وانتشاراً واتساعاً وترسيخاً وتجذراً في الأرض والتاريخ، فعدوكم يعمل ساعات النهار والليل دونما كلل أو ملل لينفذ مخططه وأهدافه على مذبح ومشهد تناحركم واختلافكم في توافه الأمور وصغائرها، وأدركوا أنكم - إن لم تعوا وتفطنوا للمستنقع الذي تتخبطون به - في أمس الحاجة للمِّ الشمل وتوحيد الجهد بما يتناسب وحجم الهجمة الشرسة التي يعانيها ابناء فلسطين وهول واتساع المخطط الذي ينفذ بإحكام وبمنتهى الدقة، وإلا فإنكم تالله لستؤكلون كما أكل الثور الأبيض ... ولات حينذاك ساعة مندم !.

يقول الله تعالى في محكم آياته:
"قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً" ... (الكهف:103-104).

سماك العبوشي
12 أيار 2013

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت