برغم وقوفنا مع الثورة السورية منذ أحداث درعا، وبرغم اننا نُحمٌل ما آلت إليه الأمور للنظام وأجهزته الأمنية، التي أشبعت الناس قهرا منذ عقود، إلا اننا نعتقد بان الوضع بعد مضي ما يزيد على العامين، فانه وعند هذا المستوى من الدم والدمار، لا بد من وقفة جادة لجميع الأطراف، أمام مسؤولياتهم.
هذا العدد من الضحايا أكثر من كاف، عشرات الآلاف من القتلى، مئات الآلاف من الجرحى، عشرات الآلاف من المعوقين والأرامل، ملايين المهجرين، إضافة إلى الكلفة الاقتصادية والاجتماعية، وكل ما يمكن ان تنتجه الحرب من كوارث لا قدرة على احتمالها، فما بالك عندما تكون حربا بين أبناء الشعب الواحد.
الجميع يدرك ان سوريا مستهدفة، لكن ليس كما هو مطروح من قبل النظام وأتباعه، ومن أن ذلك يعود إلى ممانعة النظام ومقاومته، فهذه اسطوانة لم تعد تنطلي على احد، فسوريا المستهدفة، ليست سوريا الأسد، ولا البعث، إنما سوريا الدولة والكيان، سوريا العروبة، سوريا الإنسان والقدرات العسكرية والإستراتيجية، وكل ما يمكن ان تمثله من ثقل كدولة مواجهة ربما تأتي في يوم ما مستقبلا مع الكيان الصهيوني.
برغم اننا ضد التدخل الأجنبي في دول العربان، إلا أننا نقرأ ما أظهره الغرب من "تقاعس ولعثمة" وعدم وضوح في الرؤيا بكل ما يتعلق بالثورة السورية، وكل هذا التردد الدولي في اتخاذ مواقف مشابهه لتك التي تمت ضد العراق، بعد سوق الأكاذيب التي تورط فيها قمة الهرم في أميركا وغيرها، هذا التقاعس يأتي ضمن رؤية صهيونية تقول "دعهم يقتتلون، دع البلد تحترق وتعود ألف عام إلى الوراء، لا ضير في ذلك"، كما ان عدم القيام بنفس الفعل الذي تم في ليبيا يأتي في ذات السياق.
مماطلة وإحجام الغرب عن التدخل في سوريا- وهذه ليست دعوة للتدخل- لا تفسير له سوى ان سوريا التي كان نظامها حاميا لدولة الكيان، سوف تتغير، آجلا أم عاجلا، لكن ومن اجل بقائها ضمن الدور الوظيفي الذي مورس عبر أربعة من العقود، وفي ظل أي تغيير، لن يتأتى سوى من خلال تدميرها بأيدي أبنائها.
مسارات الحرب الطاحنة، تشير إلى انه ساذج من يعتقد بأن المعارضة سوف تقضي على النظام ضمن الظروف والمعطيات الحالية، وواهم من يفكر ان النظام وبعد كل هذا الدم، يستطيع هزيمة المعارضة، وستبقى المواجهة بين كر وفر دون هزيمة طرف وانتصار آخر.
العويل الذي نسمعه حول جبهة "الهزيمة" والقاعدة، ليس سوى جزء من "اللعبة"، فالقاعدة كانت وستبقى صناعة "أمريكية"، وهي لن تقدم على إطلاق طلقة على الكيان، وإلا ماذا يمنعها من ذلك، ما الذي يشغلها، لماذا لا تحرج النظام "مثلا" وتقوم بشن عمليات ضد الكيان أو على الأقل ضد قوات الاحتلال في الجولان.
وكذلك يمكن النظر إلى الغارة الجوية الأخيرة التي قام بها طيران العدو على مشارف دمشق، لم تأت إلا ضمن محاولة تلميع النظام، وقد لاحظنا كل هذه "الململة العاطفية" التي حصلت بعد الغارة، وما أحدثته من تحولات في الرأي العام لصالح النظام، وهي غارة على أية حال، كانت لتدمير أسلحة موجهة إلى حزب الله، الذي تعلم دولة الكيان انه الوحيد القادر على إيلامها من خلال استخدام فعلي للسلاح إذا ما حصل عليه.
أما الأسلحة الكيماوية، فهي أيضا ليس سوى "فزاعة" أخرى، حيث إن ضرب قرية أو حي في سوريا بهذه الأسلحة، لن يسقط أعدادا أكبر مما سقط، والموضوع ليس خطوط حمراء أو صفراء، لقد سقط بسوريا ما يزيد عن استخدام عشرات القنابل الكيماوية. الكيماوي سيظل فزاعة يلزم لإثباته وقت طويل بين اخذ ورد، بينما القتل والتدمير مستمران هناك، وهذا هو المطلب الأساس لقوى العدوان والكيان.
فيما نرى، سيبقى الحال على هذا الحال، وستظل الجبهات مشتعلة بين كر وفر، إلى أن تحل السنة القادمة 2014، حيث ستنتهي ولاية بشار، وعند ذاك، سوف يتم تمرير "لعبة" عدم خوضه الانتخابات، وسيتم ذلك بناء على صفقة، ستكون شبيهة بصفقة علي صالح في اليمن، وسيخرج الرجل "معززا مكرما"، وستحتضنه أي دولة من الأصدقاء أو الأشقاء.
حتى ذلك الوقت، سيستمر شلال الدم، ولن يكون مستغربا أن تكون المعارضة انتهت تماما في سلة أمريكا، التي ستضغط مع "حبايبها من العربان"، لتكون المعارضة وريثا لعلاقات تاريخية سادت بين نظام أسد ودولة الاحتلال.
وعلى افتراض أن ذلك لن يحدث، وان مساعي أمريكا والعربان ستنتهي إلى فشل، وأن المعارضة سترفض أن تكون تحت الإبط الأمريكي، فالمعارضة وان استلمت الحكم، لن تكون في جهوزية، ليس لحرب مع دولة الكيان، لا بل ستكون لعقود، مكسورة الجناح، تحتاج إلى عشرات السنين لإعادة بناء ما دمرته الحرب، وستكون غير قادرة على الوقوف على أقدامها من اجل رد أي اعتداء، أو الدفاع عن سوريا.
السيناريو العراقي يتكرر في سوريا، والفرق هنا أن لا قوات غربية أو احتلال لسوريا "على الأقل حتى الآن"، ولا تدمير من قبل صواريخ "توماهوك أو كروز"، وإنما أيد سورية هي من تقوم بما قامت به أميركا ومن تحالف معها في العراق.
حتى اللحظة نظام بشار ليس بريئا مما يجري من تآمر، فهو رأس الحربة في قتل سوريا وأخذها ألف عام إلى الوراء، وكل هذا يصب في مصلحة الكيان. لأن التنحي كان يمكن أن يوقف كل هذا الدم، والبلد يستحق التضحية للحفاظ عليه وعلى مقدراته، ثم إنه كان بالإمكان الوصول إلى تفاهمات خاصة في بدايات الثورة قبل أن تتحول إلى العسكرة.
قبل انعقاد ما يقال انه مؤتمر لحل المشكلة السورية، على المعارضة ان تعي هذه الحقيقة، وأن تذهب موحدة إلى هذا المؤتمر، وعليها أن تبحث عن حلول تخرج البلاد من دورة الدم، والتفاوض مع النظام ليس معيبا، فالتاريخ يشير إلى مئات التجارب التي تفاوض فيها الأعداء وليس أبناء الشعب الواحد، وعليها ألا تراهن على الغرب الاستعماري الذي لا يريد سوى ذبح سوريا. وألا تنجر إلى المزيد من التدمير، حتى لا يلعنها التاريخ كما سيلعن نظام سلاسة أسد.
اللهم احم سوريا وشعب سوريا.
14-5-2013
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت