صدق الحكيم جورج حبش

بقلم: غازي السعدي


لم يكن مفاجئاً، فشل وفد الجامعة العربية، الذي وصل إلى نيويورك، للتأثير على الإدارة الأميركية، بالنسبة لحل القضية الفلسطينية، فقد توقعنا هذا الفشل، لأنه لم يجر الإعداد له جيداً، في ظل الانحياز الأميركي الكامل لإسرائيل، وعدم فهم فكر وعقلية المفاوض الإسرائيلي، الذي ذاق منه المفاوضون العرب-من مصريين وأردنيين وفلسطينيين، وسوريين-الأمرين خلال المفاوضات غير المباشرة، من خلال الوسيط التركي، فإن عدم معرفة إدارة الصراع، والتبرع بتنازلات مجانية قادنا إلى ما وصلنا إليه، فلم نتعلم، أو أننا لا نريد أن نتعلم، فالاستماع إلى النصائح العربية والدولية التي تدعو إلى المرونة والاعتدال وعدم التشدد لم تقد لحل، فيما تتمسك إسرائيل بثوابتها دون تراجع عنها قيد أنملة، بل أنه كلما قام الفلسطينيون والعرب بتقديم تنازل ما، كانت إسرائيل تتقدم بمطالب جديدة وتعجيزية، مثل الاعتراف بيهودية الدولة.
فما أعلنه رئيس وفد الجامعة العربية رئيس الوزراء القطري، الشيخ "حمد بن جاسم"، في البيان الذي تلاه عن تعديلات حدودية لحدود عام 1967، مع تبادل أراضٍ كجزء من المفاوضات لم يكن في موضعه، وكان المطلوب من الوفد الحصول على موافقة إسرائيلية مسبقة قبل الإعلان عن هذا العرض، حيث جاء الرد الإسرائيلي فاتراً، مخيباً للآمال وصفعة للمبادرة وللوفد، بل وبتهكم لاذع، فهناك في إسرائيل من يعتبر المبادرة تطوراً تاريخياً بإعلان الجامعة العربية عن موافقتها لتبني مفاوضات سلمية على أساس خطوط عام 1967 مع تبادل أراضٍ، والتي اعتبرت بمثابة تغيير جذري في التوجهات العربية الخاصة بالصراع مع إسرائيل، بينما تستمر إسرائيل بمواقفها، وشروطها المسبقة باستئناف المفاوضات على أساس حدود عام 1967 وتبادل أراضٍ، بل تطالب باستئناف المفاوضات ودون شروط مسبقة، مع أن ما يطلبه العرب والفلسطينيون ليست شروطاً بل أنها مرجعيات مقررة ومعروفة دولياً لا أكثر ولا أقل، لكن إسرائيل تتجاهلها.
إن موقف واشنطن من المبادرة غير مشجع بل أنه سلبي فقد قال مسؤول في الخارجية الأميركية بأن الكرة ليست في ملعبنا، حتى أن الإدارة الأميركية-وفقاً لجريدة "معاريف 6-5-2013"- تدعو الجامعة العربية للاعتراف بيهودية إسرائيل، بدلاً من الترحيب بإعلان الجامعة العربية وتريد جر الدول العربية إلى التفاوض والاعتراف بإسرائيل قبل حل القضية الفلسطينية فإسرائيل مستمرة باستفزازها للفلسطينيين، وسوائب المستوطنين يقومون بالاعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم تحت حماية شرطتها، مع استمرار البناء الاستيطاني، وفي كل يوم نسمع عن مخططات استيطانية جديدة، ووصل بهم الأمر بالاعتداء على الأماكن المقدسة، وبخاصة المسجد الأقصى، في محاولة لتقسيم الصلاة فيه بين المسلمين واليهود، كما فعلوا في الحرم الإبراهيمي بالخليل، فالاعتداءات المتواصلة والممارسات القمعية والتهويد بالقدس وفي كل مكان، يحتاج إلى مجلدات لتوثيقها، ويبدو أن وفد الجامعة العربية الذي ذهب إلى نيويورك، لا يعرفون حقيقة ما يجري في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فعادوا بخفي حنين، دون إعلانهم عن فشل مهمتهم.
لقد زادت قناعتنا بأن إسرائيل في ردها على مبادرة الجامعة العربية، وتشبثها في مواقفها، ورفضها التفاوض على خطوط عام 1967، بأنها ليست معنية بالسلام، بل هي عدوة للسلام، فـ "نتنياهو" وغيره من القيادات الإسرائيلية، لا يعيرون أية اهتمامات لقرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي، متنكرين للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، أما بالنسبة للاستيطان، فيدعون بأنهم يبنون في أراضيهم التي "وهبها" الله لهم، فقد وصلت المفاوضات التي يريدون استئنافها إلى طريق مسدود، وإسرائيل تسعى إلى تخليد الوضع الراهن وهو هدفها الإستراتيجي، بينما، وفقاً لاتفاق أوسلو، كان يجب الانتهاء من مفاوضات الحل الدائم، وإقامة الدولة الفلسطينية عام 1999.
في جلسة المجلس الوطني الفلسطيني رقم (19) عام 1988، أقر المجلس الاعتراف بقراري (242) و(338)، تحت ضغوط عربية ودولية، ولأن هذا الاعتراف سيعطي الفلسطينيين إقامة الدولة الفلسطينية، بينما رفض المجلس الوطني في دورته السابقة رقم (18) قراري (242) و(338) باعتبار أن هذين القرارين يتعاملان مع القضية الفلسطينية كمشكلة لاجئين، وكان تعقيب رئيس الوزراء الإسرائيلي في حينه "اسحاق شامير"، بأن هذه القرارات والاعتراف بها ليست جديدة، وغير مفاجئة، بل أنها خطوة إضافية لحرب المنظمات "التخريبية"، ضد تواجد دولة إسرائيل واستقلالها.
لقد صدق الدكتور الراحل "جورج حبش" زعيم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، الذي كان من أشد المعارضين للاعتراف بقراري (242) و (338)، ومع ذلك ارتجل وقال أثناء اجتماع المجلس: "إذا كان العالم يعتقد أن هذا الاعتراف بالقرار "242" سيحقق إقامة الدولة الفلسطينية فإنني سأعترف علناً بأنني كنت مخطئاً، إذا حصل "عرفات" على الدولة بمثل هذه التنازلات"، وأضاف:"أخشى أن تنازلنا هذه المرة، سيقود إلى طلب تقديم تنازلات أخرى"، انتهى النص، ويبدو أنه صدق في تقديراته.
وأخيراً .... فإننا لم نتعلم من تجاربنا ومن مفاوضاتنا مع إسرائيل، وحالياً خرجوا علينا بطلب جديد، أن أي اتفاق يتوصلون إليه مع الفلسطينيين سيُطرح لاستفتاء شعبي إسرائيلي عام، والهدف للعرقلة، مع أن إسرائيل من أكثر المحافظين على منع انهيار السلطة الفلسطينية، إذ أنه-وحسب أقوالهم- فقد أصبحت السلطة في خدمة الأمن والمصالح الإسرائيلية، باستبدال جنود الجيش الإسرائيلي للمحافظة على الأمن الإسرائيلي، بأفراد من الأمن الوطني الفلسطيني، إضافة إلى تغطية سياسية ذات فائدة لإسرائيل، قد تكون مبادرة الجامعة العربية، اعترافاً بعجزها، وليس لها خيارات أخرى، وأن مشكلتنا كما قال سلام فياض رئيس الحكومة الفلسطينية لصحيفة "نيويورك تايمز"، بأن مشكلتنا هي "قصة زعامة فاشلة منذ البداية"، وعليه المطلوب تغيير قواعد اللعبة وربما المفاوضون، والبحث عن مسارات وخيارات جديدة، تؤدي إلى تغيير موازين القوى، وتحميل إسرائيل خسائر باهظة لقاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت