65 عاما على النكبة الفلسطينية.. وتستمر محاولات فرض الاعتراف بـ "يهودية إسرائيل"

بقلم: ماجد الشيخ


يصادف اليوم الذكرى الخامسة والستين للنكبة الفلسطينية، حين تم تشريد الشعب الفلسطيني من وطنه، وإقامة إسرائيل كيانا استعماريا اغتصابيا فوق أنقاضه، على الرغم من بقاء البقية الباقية، التي أصبحت تشكل اليوم قوة بشرية وديموغرافية وازنة، في مناطق الجليل والمثلث والنقب. وعلى الرغم من محاولات استشراف تسوية عمادها تبادل أراض لا ولن تحظى برضى وقبول أصحاب الأراضي، كون التبادل سيكون لمصلحة الاستيطان والمستوطنين، وكيانهم الاغتصابي الذي لن يخسر شيئا، في الوقت الذي يدفع الشعب الفلسطيني من أرضه ومن لحمه الحي، ثمن أي تسوية سوف يتم التوصل إليها، وهو بالفعل من يدفع الثمن غاليا منذ خمسة وستين عاما وحتى اللحظة.
في هذا الوقت.. وفي محاولة للالتفاف على إحياء ذكرى النكبة، ولمنع الدفع في اتجاه تفجير انتفاضة ثالثة في مواجهة الاحتلال، ها هي حكومة نتانياهو تعكف على محاولة استمالة السلطة الفلسطينية، عبر تقديم مجموعة إغراءات جديدة لها، تقطع مع التوجهات القائلة بمقاومة شعبية تفضي إلى انتفاضة واسعة؛ قد يتاح استثمارها في ما بعد بتحقيق حلم فلسطيني أصيل، يجري تقزيمه والحد من إمكانية استجابته للحد الأدنى من المشروع الوطني الفلسطيني. فقد كشفت مصادر أمنية إسرائيلية، أن أجهزة أمن الاحتلال قدمت خطة إلى رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو، تمنح بموجبها عدة تسهيلات للفلسطينيين في الضفة الغربية. تشمل إطلاق سراح ما بين 30-40 من الأسرى القدامى الفلسطينيين الذين اعتقلتهم إسرائيل ما قبل اتفاقية "أوسلو"، ومعظمهم مرضى أو كبار في السن، بشرط ألا يشكلوا خطرا على أمن الاحتلال، إلى جانب تجميد مؤقت وغير معلن للاستيطان.
كما تشمل إقامة مناطق صناعية فلسطينية في محافظتي أريحا وطولكرم لتشغيل العمال الفلسطينيين ونقل السيطرة عليها للسلطة، والسماح بإدخال ذخيرة للأجهزة الأمنية الفلسطينية، وإقامة بنى تحتية وأدوات لتفريق المتظاهرين، بشرط ألا يمس ذلك بأمن إسرائيل، بالإضافة إلى شق طريق جديد حول محافظة رام الله، ومنح تراخيص البناء وعدم هدم البناء غير المرخص في 12 قرية تقع في مناطق "ج" جنوب الخليل والعيزرية.
وأوصت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في ورقتها التي قدمتها، أن يتم تنفيذ هذه البنود على مراحل، وان يتم إطلاق سراح الأسرى في الخامس عشر من أيار الجاري، الذي يصادف يوم النكبة الفلسطينية، وذلك بهدف ضمان عدم تحويله إلى يوم غضب شعبي. إلا أن المصادر –كما ذكرت وسائل إعلام عبرية- أشارت إلى أن القيادة السياسية (الإسرائيلية) ما زالت مترددة في تنفيذ هذه الخطة.
هذه الإغراءات، ليست أكثر من مقترحات هي بالتأكيد غير قابلة للتنفيذ، حين تصل إلى طاولة الحكومة والمعنيين بتنفيذها، وإنما هي تستهدف نصب فخ جديد للسلطة لإعادتها لطاولة المفاوضات، في وقت بات الكل يدرك عقم تلك المفاوضات وعبثيتها، أو هذا ما تستهدفه حكومة نتانياهو بموافقة أميركية وتواطؤ عربي؛ بدا "كوعد جديد"، تجلى مؤخرا في رزمة تنازلات، في مقدمتها مقترحات تبادل الأراضي.
أميركيا وبالتوازي مع إغراءات الاحتلال، ومساهمتها في إقامة ما أطلق عليها "خطة سلام اقتصادي"، وبحسب ما ذكرت صحيفة "معاريف" (25/4)، فإن واشنطن ستستثمر مليارات الدولارات في أراضي السلطة الفلسطينية، بعد أن "اقتنعت" بفكرة نتانياهو الذي دعا إلى "أن يكون السلام مرتكز على اقتصاد قوي"، برغم أنه عمليا كان قد عاد وتراجع عن ما سبق وطرحه هو نفسه قبل سنوات؛ حتى استحالت فكرة "السلام الاقتصادي" إلى مجرد فكرة لفظية.
وإذ يراد اليوم إحياء تلك الفكرة، فعلى خلفية "اقتناع" الادارة الاميركية بضرورة إعادة بناء الاقتصاد الفلسطيني من الأساس، خصوصاً في ظل الأزمة التي تشهدها المفاوضات السياسية، ما سيساهم في خلق المقدمات لإنهاء الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي، أو هذا ما يجري تمنية النفس الأميركية – الإسرائيلية به منذ فترة طويلة. لهذا تنوي الولايات المتحدة ضخ بلايين الدولارات في مناطق السلطة الفلسطينية لمنع انهيار الاقتصاد الفلسطيني، ما يعتبر تغييراً في التوجه الأميركي الذي يحاول تجريب المجرب الإسرائيلي، وذلك عبر التوصل الى تطور اقتصادي يسبق التوصل الى سلام نهائي في المنطقة.
في هذه الأجواء المغالية في تفاؤل غير مبرر، كشفت تصريحات اثنين من شركاء نتانياهو في ائتلافه الحكومي قائدي الحزبين اليمينيين الأكثر تطرفاً في الكنيست، زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" رئيس لجنة الخارجية والأمن البرلمانية أفيغدور ليبرمان، وزعيم حزب "البيت اليهودي" وزير الاقتصاد نفتالي بينيت أن "صيفاً ساخناً" ينتظر نتانياهو في حال حرك العملية التفاوضية مع السلطة الفلسطينية.
في مطلق الأحوال لا يبدو ائتلاف حكومة نتانياهو الجديد هذا، في صدد تسهيل أي عملية تفاوضية قادمة، إذا أتيح لها أن تظهر إلى حيز الوجود؛ ولو بمساعدة أميركية، طالما إن ما يسمى "منطلقات الإجماع الإسرائيلي"، هي المرجعية وهي الحكم الأخير، وهي التي أفشلت وسوف تفشل أي اتجاه أو توجه تسووي، يأباه اليمين المتطرف، المؤثر أيما تأثير في أوساط حكومة نتانياهو، الباحثة عن أفضل السبل لتحويل "حل الدولتين" إلى حكم ذاتي فلسطيني تحت حكم "الدولة الواحدة": دولة الاحتلال الإسرائيلي. وبالتأكيد فإن مقترحات تبادل الأراضي ليست هي المخرج، بل هي المدخل المؤكد باتجاه المزيد من ضعضعة الموقف العربي وتفكيكه، ودفعه نحو تسريع خطوات التطبيع والاعتراف بإسرائيل.. وإن كـ "دولة يهودية" على ما تأمل أوساط الحكومة اليمينية المتطرفة، وتحاول إفهام الجميع؛ فلسطينيين وعربا، أن اشتراط بدئها التفاوض مجددا هو هذا: الاعتراف بإسرائيل "دولة يهودية". وإلا فإن الجمود سيبقى سيد الموقف، بانتظار تطورات إقليمية تشهد تفاعلات لا حصر لها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت