بكلمات معدودة ومباشرة لخص رئيس الوزراء التركي رجب طيب اردوغان بعض ما يريد تحقيقه خلال المرحلة القادمة من الدور التركي القادم للمنطقة بكل قوة وبتوافق مع كل الأطراف دون استثناء ، لأنها تركيا الدولة الإقليمية الأقوى في معادلة الشرق الاوسط الجديد وصاحبة النفوذ المتعدد الاتجاهات على المستوى الفكري والثقافي والسياسي والعسكري والجغرافي والتاريخي ، ولعل أردوغان بطبيعته الصريحة والمباشرة يحقق نجاحات كبيرة على المستوى الداخلي التركي وعلى المستوى الخارجي ضمن المعادلات المتحركة في المنطقة .
" لا سلام ولا مفاوضات بدون تحقيق المصالحة بين فتح وحماس " هذه الكلمات التي قالها أردوغان تكشف عن حقيقة التحرك التركي المنسجم مع السياسة الإقليمية والدولية وتعزز ما تريده كل أطراف المعادلة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وهي السلام والمفاوضات والمصالحة ، واعتبار هذا المثلث مترابط مع بعضه البعض ولا يمكن التقدم في في أي ضلع منه دون استثناء الضلع الآخر ، إنها المعادلة الجديدة القادمة لكل من يراقب ويربط الاحداث مع بعضها البعض منذ بدء الانقسام الفلسطيني الداخلي وتوالي الاحداث خلاله ومدلول كل خطوة من خطواته ، ولا بأس من ربط بعض الاحداث التي سبقت الانقسام الفلسطيني لنجد في نهاية المطاف أن نهاية الانقسام يجب أن يكون لتحقيق هدف محدد كان مرسوم قبل حدوث هذا الانقسام .
لا سلام بدون مفاوضات هذه حقيقة يطرحها المعسكر الحاكم لهذا المجتمع الدولي وهي حقيقة تحظى بإجماع المعسكر الغربي وتنسجم مع أطراف عربية وفلسطينية مؤثرة بل وهي عنوان متفق عليه لدى القيادات الجديدة في ظل " الربيع العربي " ولذلك لا مكان لفرض أي حل إلا بتوافق الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وهذا لن يكون إلا عبر المفاوضات ، ولازال الطرف الإسرائيلي ينتظر موقفا فلسطينيا جديدا مغريا لأخذ قرار تقديم " تنازلات مهمة " أو القبول بما تقدمه الأنظمة العربية من أطروحات تستحق الانتباه ولكن الشيء الأكثر إغراءا للطرف الإسرائيلي هو دخول أطراف فلسطينية فاعلة وقوية لمربع المفاوضات وهي فرصة يجب عدم إضاعتها إذا تحققت ، بعض القادة الإسرائيليين يقولون " نحن نبحث عن خصم فلسطيني محترم نتفق معه ويكون قادر على تنفيذ الاتفاقيات ويكون صادقا في التنفيذ " ، ومن هذا الكلام نفهم أن الطرف الفلسطيني المفاوض الحالي ليس خصما نظيفا وغير قادر على تنفيذ الاتفاقيات وبالتالي البحث جاريا عن ذلك الخصم الجديد .
المفاوضات القادمة لن تبدأ من الصفر ولكن ستكون لتحقيق قرارات تنفذ على الأرض لاحتواء التحرك العربي الجديد ومنح القوى الصاعدة الجديدة الإغراءات اللازمة لتقدمها نحو مربع المفاوضات .
لا سلام بدون تحقيق المصالحة بين فتح وحماس وهذا الربط هو العنصر الجديد في المعادلة وعندما يصدر عن شخصية بحجم رئيس الوزراء التركي فهو يعني ما يقول ، لان المصالحة الفلسطينية مرتبطة تماما بالتحرك السياسي العام في المنطقة والرئيس محمود عباس لا يريد أن تكون المصالحة مع حماس عامل معوق إضافي للتقدم مع التحرك الأمريكي الجديد في المنطقة والذي وصفه " بالتحرك الجاد " وهذا يعني هناك أطروحات سياسية يتم مناقشتها على مستوى عال وهناك أفكار كبيرة يتم تداولها وهناك ربط شامل بملفات المنطقة ، وبمستقبل الملف السوري وربطه بالملف الفلسطيني وهكذا .
رئيس الوزراء التركي ومن واشنطن أعلن أن زيارته المرتقبه الى قطاع غزة والضفة الغربية تصب في مصلحة السلام في المنطقة ، والسلام الذي يقصده هو الضلع الثالث من المعادلة المصالحة والمفاوضات والسلام ، وهذه الصراحة السياسية هي عنوان التحرك التركي المدعوم فلسطينيا وعربيا ودوليا ، من هنا وعلى هذا الاساس جاءت المقابلة الشهيرة للأخ خالد مشعل مع إحدى الصحف الأمريكية والتي أبدى فيها بعض الأفكار المرنة تجاه المفاوضات مع الكيان الإسرائيلي في أدت الى تحقيق قيام الدولة الفلسطينية – بالرغم من نفي الأخ عزت الرشق لها - . ولهذا وعلى هذه الأسس نعتقد أن المصالحة الفلسطينية قادمة كونها أصبحت جزءا من التحرك السياسي العام في المنطقة .
م. عماد عبد الحميد الفالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت