«حزب الله» يقلب المعادلة في المنطقة ......!

بقلم: أكرم عطا الله


حتى قبل أسابيع بدا أن الرئيس السوري بشار الأسد يسير نحو نهايته حين كان مقاتلو المعارضة يقتربون من دمشق، توارى عن الأنظار لأشهر إلى أن ظهر الأسبوع الماضي مرتدياً تي شيرت أسود يقود سيارة الى جانبه زوجته، فهل كان هذا مؤشراً على تغير الوضع في سورية؟. قبل أسابيع كان يجري الحديث عن اقتراب التدخل الغربي وحلف الـ»ناتو» في سورية، وحديث اميركي واضح عن تسليح المعارضة هناك لحسم معركة إسقاط النظام والتمهيد لحكومة ما بعد الاسد. وفيما كانت العواصم البعيدة تتحدث بهذه اللغة في ظل صمت روسي كانت قوات «حزب الله» المدربة جيداً على حرب العصابات تجتاح مناطق داخل سورية وتخوض معارك وتحرز تقدماً فيها مثل مدينة القصير وضواحيها وتحكم قبضتها على الحدود السورية اللبنانية وأيضاً تنتشر للسيطرة على الحدود الأردنية السورية محدثة اختراقات هي الأولى منذ بدء المعارك في سورية، لقد كان تدخل الحزب خجولاً في الأشهر السابقة لكن حين اقتربت المسألة بنظر المحور الذي تعتبر سورية جزءاً منه من السقوط زج الحزب بكل ثقله هناك بشكل لم يعد خافياً. فإذا كان عليه ان يختار بين خسارتين، خسارة الرأي العام الداعم للمقاتلين في المنطقة وبين خسارة سقوط دمشق التي يعتبرها عاصمة الممانعة، اختار الأولى دون تردد. المعركة هناك لا يقودها الرئيس السوري وحزب البعث وحدهما، ويمكن الاعتقاد ان القيادة الإيرانية حاضرة بكل التفاصيل ومن الواضح ان الضربة الإسرائيلية لسورية أضعفت موقف الرئيس السوري امام المحور لتطلب ايران من الرئيس الاسد وضع امكانيات الجيش السوري تحت تصرف «حزب الله» وفتح جبهة الجولان بتصرف الحزب الذي تمكن من احداث اختراقات نوعية على الارض كانت مدعاة لجميع الذين بدؤوا تأبين بشار الاسد لإعادة النظر فيما يحدث. لن يسمح محور الممانعة الذي تقوده طهران بإسقاط سورية فالمسألة هنا سياسية عسكرية بامتياز لها علاقة بالأقطاب والمحاور لهذا اشتدت المعارك في الاسابيع الاخيرة ودخلت اسرائيل على الخط لأن استمرارها مع تقدم قوات «حزب الله» يعني تحول الحزب الى قوة اقليمية كبيرة قادرة على تغيير معادلات مستقبلاً وهذا كابوس بالنسبة لإسرائيل، ويبدو ان ايران ذهبت بهذا الاتجاه حين شعرت ان الارض بدأت بالاهتزاز في دمشق فقد نقلت صحيفة «الحياة اللندنية»، الاربعاء الماضي، عن مصدر وصفته بالمطلع تأكيده على لسان مسؤول ايراني ان «المنطقة لا تتحمل سقوط الحكومة السورية واذا كان ذلك مفروضاً فليكن على حساب اسرائيل وليس على حساب المقاومة في المنطقة».

التحولات في محور المقاومة وما حققته على الارض واستعدادها لقلب الطاولة في وجه الجميع من خلال ارساليات السلاح لـ»حزب الله» والحديث عن اقناع ايران للاسد بتحويل الجولان الى جبهة مواجهة مع اسرائيل «بالشكل الذي يعد تحولاً في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي» كما ذكرت الحياة وهذه تضاف الى جبهة الجنوب اللبناني، من الواضح انها استوقفت الجميع وبدأ الحديث عن الحل السياسي بقوة بدل تسليح المعارضة واعاد تصليب موقف روسيا لأن لديها من تثق به على الارض وهو قوات «حزب الله» اذ ترى روسيا لأول مرة طرفاً عربياً تستطيع الوثوق بأدائه بعد تجاربها المريرة مع العرب الذين سجلوا هزائم للسلاح الروسي مقابل اسرائيل فلم يكن بإمكانها الوقوف بقوة مع طرف مهزوم، لكن اداء الحزب لعب دوراً في تعزيز موقفها لترسل اثنتي عشرة سفينة حربية للقيام بجولات بحرية بالقرب من قاعدتها في سورية في خطوة وصفتها جهات اوروبية واميركية رسمية بأنها «عنيفة تهدف لتحذير الغرب واسرائيل من التدخل في الصراع في سورية». وهذه المرة الاولى منذ عقود تقوم خلالها سفن الاسطول الروسي بالإبحار في المنطقة وابعد من ذلك ما جاء على لسان وزير الدفاع الروسي من ان وزارة الدفاع بدأت تشكيل قوة خاصة من سفن حربية في البحر المتوسط لحماية مصالح روسيا في المنطقة والدور الروسي تجاوز ذلك بدعم سورية كما قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، ان روسيا سلمت سورية صواريخ موجهة متطورة مضادة للسفن والتي تشكل تهديداً خطيراً للسفن واذا ما تسلمت سورية صواريخ «اس 3000» هذا يعني شللاً كاملاً للقوة البحرية والجوية الاسرائيلية وتلك لن تكون بعيدة عن «حزب الله» بعد اقناع ايران للاسد بوضع امكانيات الجيش السوري تحت تصرف «حزب الله»، يبتسم مسؤول كبير في «حزب الله» الذي يعتبر نفسه انه يعيد رسم خارطة المنطقة من جديد كرقم صعب قائلاً، «لن يطول الوقت حتى يعود مقاتلونا بالكرز والتفاح من الجولان».

هذا التطور الاخير بعد الضربة الاسرائيلية لسورية جعل قيادة الحزب تتحدث علناً عن كسر الخطوط الحمراء بالتسلح الكاسر للتوازن واستعدادها لتوسيع المعركة وتحدي اسرائيل وهذا وجد تأكيداً لدى الجيش الاسرائيلي الذي يقرر ان «هضبة الجولان ستتحول في المستقبل القريب الى الساحة القتالية القادمة لاسرائيل» وهنا تغيير آخر فكلما زاد ضعف الاسد زادت قوة «حزب الله» على عكس ما كانت تريد اسرائيل التي تعتقد ان اضعاف الاسد هو قوة لها. التغييرات المتسارعة في الايام الاخيرة بعد اسابيع من الاداء الميداني للمنظمة اللبنانية وتدخل اسرائيل حملت رئيس المخابرات المركزية الاميركية جون برنان في زيارة سرية مفاجئة لاسرائيل رسالة منع اسرائيل من العمل منفردة ضد سورية، فالمعركة تتسع واللهب حين يشتعل سيحرق المنطقة والمحور الذي تقوده ايران يلعب بكل اوراقه وهنا ورقة الجوكر «حزب الله» سواء اوراق عسكرية او سياسية حملتها زيارة وزير الخارجية الايراني علي اكبر صالحي الى الاردن محذراً اياها من خطر الانزلاق في فخ تحيكه الولايات المتحدة لتوريطه في سورية، ولكن صالحي لوح بالجزرة مبدياً استعداد ايران لتقديم ما يلزم للاردن من المساعدات بالتعاون مع الحكومة العراقية لتجاوز الازمة الاقتصادية والقبول بالانضمام للمحور الايراني السوري العراقي و»حزب الله»، هكذا تحدث صالحي، في حين ابلغ الملك الوزير الايراني قلقه من تمدد المجموعات المتماثلة مع «القاعدة» من سورية وقلقه من جبهة النصرة. خلاصة الامر ان المعادلة اصبحت مختلفة وتمكن محور دمشق بيروت طهران وبغداد من تغييرها لصالحه، كل هذا بفضل اداء «حزب الله» الميداني الذي فاجأ الجميع وفرض على الجميع اعادة تقييم موقفه بدءاً من روسيا والولايات المتحدة مروراً بالأقاليم مصر تونس والاردن وسحب الملف من قطر، فإيران هي مخترعة لعبة الشطرنج وهي لعبة احتراف ادارة المعارك فهل بدأت تتقدم ببيادقها على رقعة الشطرنج؟.

بقلم : أكرم عطا الله/الايام

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت