من منا لا يوجد إحساس بداخله , من منا لا يعرف كيف يبكى حتى وإن كان قلبه حجراً .. إنها لحظات الموت البطئ , إنها لحظات الموت السريع , إنها لحظات مالا تعرفه عما ماذا يتحدثون ..!!
كانت الساعة الثانية عشر صباحاً من صباح اليوم الثلاثاء , اتصل بى أحد الأصدقاء ويعمل مقدم فى الشرطة بغزة ليسألنى عن فحوى مشكلة وخلاف عائلى عند مسجد الأمين مقابل دوار أبو مازن , فقلت له " هينى بعرف منك " , فالرجل لم يتمالك نفسه وقال لى أن أحدهم صحفى وعمه محامى قد قتلا برصاص أقربائهم بسبب خلاف على " الميراث " .
تشوقت أن أسمع من أخى أبو جابر المعلومات الكافية , ويا ليته لم يقل لى , لقد قال لى أن أحدهم اسمه ( معتز أبو صفية ) , هنا كانت الصدمة , وهنا كان نهاية الحديث وهنا كانت الفاجعة بالنسبة لى شخصياً .
اتصلت على زميلى ورفيق دربه عمار الدقشة مدير قسم الأخبار بإذاعة صوت الشعب , فعندما تحدثت له كان طبيعيا ففجأة سألته أين معتز يا عمار , لم يجبني , فأعدت السؤال مرة أخرى , فقال لى " معتز رفيقك يا رفيق مات " .. يا الله يا الله ما أصعب تلك الكلمات وكأن قذائف صاروخية تنهال على عقلى وقلبى .
كنت أجلس حين الاتصال فى بيت صديقي لترتيب موضوع معين لسفر أختاً لنا , وبعد سماعي الخبر نظروا إلىّ وقالوا مالك يا نصر ؟؟ عن ماذا أجيبهم ؟؟ عن ماذا بالله عليكم قولوا لى ؟؟ ما ظل عندى دموع احكيها بعنيا .
لقد انهالت العيون وانهارت النفسية وارتجف جسمي وانهارت عصبيتي ولا أعلم أين أنا !! إنها صدمة قوية جداً أن أُبلغ بهذا الشكل , كيف أتحدث وقلبي قد تمزق ؟ كيف أنام وقلبي قد تمزق ؟ اتصل بى الزملاء والأحباب والأصدقاء بعد كتابتي رثاء لأخى المغدور وقد كانت الكلمات تُبين علامات الانهيار , نعم لأن الوضع لا يحتمل .. والمصاب جلل ..
معتز ذلك الشاب الوسيم مراسل قناة الشروق الجزائرية ومدير التحرير فى إذاعة صوت الشعب , عايشته إبان عملى فى إذاعة صوت الوطن فى كل مراحلى وكان يزورني وأزوره , فهو ليس زميل فقط بل هو ابن بلدى " حمامة " وأقرب الناس إلىّ ..
معتز لم يكن يكتب تعليقا على الفيس بوك لى إلا ويقول " يا ابن بلدى " أو " يا بلد " , فعلا يا معتز أنك ابن البلد وابن بلدى وستبقى فى قلبى وعقلى ووجدانى , سئمت الحياة بعدك , لقد قتلوك من فرحتك الكبيرة بعد أن خطبت ملكةً , لقد قتلوك غدراً حتى وإن كان الجرح بالكف , لقد أصبح الجرح بالقلب , فمن ينسى معتز ومن ينسى تلك الابتسامة ومن سيكون معي فى كل لحظات الميدان وفى الصليب الأحمر فى كل اعتصام يأتى ويسلم علىّ ويبعث بسلامه لى من كل قلبه ..
تركتنى معتز وأنا بحاجة ماسة إليك , فلن أنساك , وعهداً أن أتذكرك وأن أسمى أحد أبنائي " معتز " لأتذكر من كان عزيزاً على قلبى وأتذكر من أحببته وأتذكر ذلك الرجل الشهم الذى لا يهاب الموت ..
لقد خجل أعدائك أن يقتلوك فكنت لقمة سائغة فى يد أقربائك فقد قتلوك ظُلماً وعدواناً .. عن ماذا سيتحدثون وماذا أصابهم هل الجنون أم ماذا عندما أطلقوا النار عليك وعلى عمك ..
أخجل اليوم على نفسى أن أخرج فى الشارع وغيره وقد قتل معتز مظلوما , ما أعظمك يا معتز , ما أروعك يا معتز , ما أفضلك يا معتز , إلى جنات عليين بإذن الله وإلى الملتقى , فستبقى فى القلب والوجدان والروح والعقل .. وداعاً أخى .. وداعاً صديقى .. وداعاً حبيبى .. وداعاً زميلى .. فكل ما نقوله وداعاً أمُر محتم علينا .. لا حول ولا قوة إلا بالله !!
* رئيس الشبكة الفلسطينية للصحافة والإعلام
* رئيس لجنة العلاقات الخارجية فى الإتحاد العربى للصحافة
* ممثل فلسطين فى الإتحاد الدولى للصحافة
* ناشط فى قضايا الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الإحتلال
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت