ما إن وطأت أقدام رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" الأرض الصينية بتاريخ "5-5-2013"- برفقة عدد كبير من الخبراء العسكريين ورجال الأعمال والاقتصاد، باعتبار أن هذه الزيارة في غاية الأهمية بالنسبة لإسرائيل- حتى أعلن أن الصين هي قوة عظمى، واقترح عدة مشاريع مشتركة، فإسرائيل تقرأ المستقبل جيداً، وترى بالصين دولة عظمى لها ثقلها في الموضوعين السوري والإيراني، في الوقت الذي تتراجع فيه هيبة وتأثير الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، وربما أنها تستبق الأحداث، فقد أعلن "نتنياهو" أثناء لقائه بالرئيس الصيني "شي جينيا نغ"، أن الصين قوة كبرى في الكثير من المجالات، وأن إسرائيل مركز تكنولوجي عالمي، مقترحاً أن تصبح إسرائيل الشريكة النموذجية الصغرى للصين، مؤكداً أن إسرائيل يمكن أن تصبح مختبراً للبحث والتطوير بالنسبة للصين بفضل تكنولوجيتها.
إن هذا الاستعلاء والمبالغة بقدرة إسرائيل التكنولوجية، قوبلت بصفعة صينية، إذ أن الرئيس الصيني استقبل الرئيس الفلسطيني الذي قام في نفس الوقت بزيارة للصين، قبل استقباله لـ "نتنياهو"، فالرئيس الصيني مصر على استقلال فلسطين وحرية شعبها والتعايش السلمي بينها وبين إسرائيل، وأن الدولة الفلسطينية يجب أن تقام على حدود عام 1967، كحق غير قابل للتصرف بالنسبة للشعب الفلسطيني، والقدس عاصمة للدولة الفلسطينية وهو أمر أساسي لحل القضية الفلسطينية، فهذه الرؤيا الصينية تعتبر انتصاراً للشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، فبكين تتبنى وجهة النظر الفلسطينية التي تتعارض تماماً مع السياسة الإسرائيلية القائمة، فقد وزعت الحكومة الصينية أثناء زيارة "نتنياهو" بياناً من أربع نقاط حول تسوية القضية الفلسطينية، اعتبرها الوفد الإسرائيلي بالأمر غير المألوف، والنقاط الأربع هي:
أولاً: يجب التمسك بالاتجاه الصحيح المتمثل بإقامة دولة فلسطين المستقلة، والتعايش السلمي بين دولتي فلسطين وإسرائيل
ثانيا: وجوب التمسك بالمفاوضات "باعتبارها الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى السلام".
ثالثا: وجوب التمسك بقوة بمبدأ الأرض مقابل السلام، وغيره من المبادئ.
رابعا: وجوب أن يقدم المجتمع الدولي دعماً قوياً للدفع قدماً بعلمية السلام.
صفعة أخرى تلقاها "نتنياهو" أثناء زيارته إلى الصين، والتي أثارت حفيظته، ألا وهي صفقة صواريخ (S-300) الروسية إلى سوريا، هذه الصفقة التي أثارت قلقاً شديداً لـ "نتنياهو" وللقيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية، إذ أن هذا النوع من الصواريخ قادر على قصف الطائرات الإسرائيلية، فور انطلاقها من مطاراتها، كذلك بإمكان هذه الصواريخ اعتراض الصواريخ الإسرائيلية التي تطلق على أهداف سورية، فقد أصيب "نتنياهو" بالهلع، فقام بالاتصال -من الصين- بالرئيس الأميركي "باراك أوباما" طالباً منه التدخل لإحباط تنفيذ صفقة الصواريخ الروسية، كما قام بالاتصال بالرئيس الروسي " بوتين" للموضوع ذاته، وأجرى الترتيبات للالتقاء بالرئيس الروسي، مدعياً بأن تنفيذ هذه الصفقة سيغير موازين القوى العسكرية في المنطقة، فإسرائيل التي أدخلت المنطقة في سباق التسلح، وهي المدججة بجميع أنواع السلاح بما فيها النووي والكيماوي، تريد أن تحافظ على قوتها العسكرية مقابل الدول العربية مجتمعة.
يذكر أنه قبل ثلاث سنوات كان هناك مفاوضات روسية-سورية بشأن تزويد الأخيرة بصواريخ (S-300) نجحت إسرائيل في حينه بإحباطها.
زيارة "نتنياهو" ولقائه بالرئيس الروسي بتاريخ "15-5-2013" وحسب التقارير الروسية والإسرائيلية فشلت في إحباط الصفقة، وعاد "نتنياهو" بخفي حُنين، ولكن هذا الإحباط ليس نهائياً، إذ أن التدخل الأميركي مع الروس، قد يسفر عنه التوصل إلى صفقات متبادلة مقابل إلغاء صفقة الصواريخ الروسية إلى سوريا، مثل عدم قيام الولايات المتحدة والدول الغربية بتزويد المعارضة السورية بأسلحة نوعية، كذلك امتناع إسرائيل عن القيام بضربات جوية أو برية أو تدخل بالشأن السوري، إذ أن الغارات الجوية الإسرائيلية على أهداف سورية في الشهر الماضي، حركت تزويد سورية بصواريخ (S-300)، رغم إعلان روسيا بأن هذه الصفقة وقعت قبل سنتين، ولنفترض أن الصفقة ستنفذ، وتصل الصواريخ إلى سوريا، فهل ستنجح إسرائيل التي تهدد بتدميرها في ذلك؟
ونعود للعلاقات الإسرائيلية الصينية، فإسرائيل تعتبر الصين قوة اقتصادية عالمية، ومع أن إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل عقدت في عام 1992، إلا أن انفتاح علاقات إسرائيل مع الصين بدأ منذ عام 1978، أي قبل إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين، فمنذ عقود تقوم إسرائيل بتزويد الصين بتكنولوجيا أميركية، أثارت ضجة واعتراضاً أميركياً، فالولايات المتحدة عارضت وتعارض بيع إسرائيل الأسلحة والتكنولوجيا إلى الصين، وكان أبرز هذه المعارضة الأميركية، حين وقعت إسرائيل مع الصين عام 1996 على صفقة لتزويدها بطائرات الإنذار المبكر من نوع "فالكون" المخصصة لأغراض التجسس بمبلغ 254 مليون دولار، لكن الولايات المتحدة، أجبرت إسرائيل على إلغاء هذه الصفقة، وتعرضت إسرائيل لدفع غرامات كبيرة للصين لمخالفتها العقد، ومع ذلك، فإن مئات الشركات الإسرائيلية تعمل في الصين، وكذلك شركات صينية تعمل في إسرائيل، وتتعامل مع التكنولوجيا الإسرائيلية، إلا أن الصفقة الأولى التي وقعت بين إسرائيل والصين، كانت عام 1979 لتحسين مئات الدبابات من الطراز الروسي بمبلغ قدره (265 ) مليون دولار، وحسب المصادر الإسرائيلية فإن حجم التبادل التجاري بين البلدين، بلغ في الآونة الأخيرة-حسب جريدة "يديعوت احرونوت 6-5-2013"- ثمانية مليارات دولار، ومنذ عام 2010، استثمرت الصين مبلغ (25) مليار دولار في مشاريع إسرائيلية، وفي عام 2012، استوردت إسرائيل منتجات صينية بقيمة (5.32) مليار دولار، واستوردت الصين من إسرائيل ما قيمته (2.74) مليار دولار، وتسعى إسرائيل إلى بلوغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين لـ (10) مليارات دولار في غضون السنوات الثلاثة القادمة، فالولايات المتحدة أخذت ترى بالعلاقات الإسرائيلية-الصينية منافسة اقتصادية لها، وسياسة مستقبلية تعرضها للمخاطر، مما دفع بالولايات المتحدة إلى إرسال محققين ومراقبين للتأكد من العلاقات الإسرائيلية مع الصين.
خلاصة القول، فإن الأوضاع في الدول العربية متوترة وغير مستقرة، وبعضها يعيش أزمات اقتصادية وأمنية، أما العامل الجديد فهو الصراع بين الدول الكبرى، على النفوذ والسيطرة على المنطقة، والبؤر المتوترة كثيرة منها: فلسطين، سوريا، وإيران، بالدرجة الأولى، تليها دول أخرى أقل خطراً، حتى أن إسرائيل تقوم بالدور الأميركي في الشرق الأوسط، فيما تحاول روسيا إعادة نفوذها للمنطقة من خلال الأزمة السورية، وللحصول على تنازلات إستراتيجية أميركية، وهذا يستدل من إعلان موسكو بأنها لن تتحمل الاعتداءات الإسرائيلية على دمشق، وأنها قد تزود سوريا إضافة لصواريخ "S-300" بصواريخ أرض-أرض حديثة من طراز "اسكندر9 كيه 720" وصواريخ اليخون، فقد حذر الرئيس الروسي "نتنياهو"- أثناء زيارة الأخير لروسيا- بالتوقف عن أعمال العداء على الفور، والامتناع عن مهاجمة سورية، ويضغط على الولايات المتحدة كي لا تتدخل عسكرياً في سوريا، أما "نتنياهو"، فقد هدد الرئيس الأسد بقوله:"إذا قمت بالرد على هجماتنا فإن نظامك قد يسقط"، فمصالح الدول الكبرى في المنطقة هي المشكلة؟ إننا نعيش مرحلة من الترقب، لا أحد يعرف أبعادها، وأخيراً: هل ما تزال القضية الفلسطينية لب الصراع؟
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت