تتواصل فصول معاناة أهل غزة ويزداد الظلم الذي يلحق بهم على يد القريب والبعيد وأصبح الناس يبحثون عن كل شيء جديد ، فقد كفر الناس بمن يتمسحون بالمقاومة وممن يدعون الفكر الرشيد ، وهرب الناس إلى الفضاءات الإفتراضية بسبب مشاكل الحياة المادية ، وأصبح جلهم ممن يتابعون ويشجعون برشلونة وريال مدريد وتركوا الساحة يعربد فيها العبيد وظهر محمد عساف فإلتف الناس حوله بعدما ملوا من نفاق السياسة والساسة ، ورأوا في الشاب حلمهم الذي حلموه ولم يحققوه ، فقرروا بكل أصواتهم أن يدعموه ، دعم المشتاق بعد الفراق ودعم المتطلع للحرية والانعتاق من العبودية ، ولأن الناس هربت من واقعها فقد ظهرت بعض الظواهر العارضة مثل البنطال الساحل والشعر المائل واللبس المائع ولأن حكومة غزة الرشيدة دام ظلها قد حلت كافة المشكلات وإستوعبت كافة الطاقات ووظفت الشباب وقضت على البطالة وفتحت بيت مال المسلمين ونادت بين المحتاجين أن هلموا إلى بيت أمير المؤمنين فليس بيننا من ينام وفي جيرانه من الجائعين ، ولأنها أصدرت فرماناً دعت فيه إلى التسامح ونشر الفضيلة وقبول الآخر المختلف في التفكير فلقد انتشرت المنتديات الثقافية وتم عرض الأفلام الوثائقية وعُقدت المناقشات التنويرية وفتحت صفحة جديدة في العلاقات الوطنية وتم توحيد المؤسسات الرسمية وتم التوقف عن الردح في الوسائل الإعلامية .
ولأن كل هذه الأمور حُلت فقد خرج علينا بالأمس وزير داخلية حماس ليعلن على الملاْ ما كان يتم على الأرض وما كان يستنكره وينفيه أبو مرزوق ويستهجنه ابن الشهيد ريان تحت اسم نشر الفضيلة ومحاربة الرذيلة وبدلاً من محاربة ومعالجة الجذور يتم البحث في القشور ونسى أو تناسى هؤلاء أن قمة الرذيلة والخطيئة يوم أخذ القرار بالقتل يوم غابت المرحمة وتم إستبدالها بالمذبحة .
لقد أختلط الأمر على وزير الداخلية مفهوم الرجولة والذكورة فالذكورة معاملٌ يأتي بالولادة ، فكم هناك من ذكور عاشوا وماتوا ولم يتحلوا بالرجولة -حيث الحكمة والرصانة والشكيمة والنخوة والشهامة والمروءة- ولم يعرفوا إليها سبيلاً .
ولأن الرجولة تقتضى فيما تقتضي الصدق الذي هم غائبون عنه وبعيدون عنه ، وهى صفة لأعلى مراتب الكمال و الرشد و النضج .. صفة لتمام العقل و نضج الفكر و الثبات فى مواطن الحق رجال لا تلهيهم تجارة و لا بيع عن ذكر الله ، رجال لا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ، رجال لا يظلمون الناس بالشبهات و لا يشبحون الناس بسبب العداوات والإختلاف الفكري .
إن الرجولة يا معالي الوزير تقتضي إكرام الرجال الرجال وعدم قبول إهاناتهم أمام أطفالهم وأمام زوجاتهم ، فكيف تؤكدون على أنكم تعملون على رفع منسوب الرجولة وأنتم لكل رجل بالمرصاد ولكل صاحب رأي وفكر أنتم تضعونه في دائرة الشبهات وتعرضونه لشتى أنواع الإهانات ، وكيف تستقيم مثل هذه الدعوات الموجهة لشعب واجه أشرس الجيوش وراوغ أمكر أجناس الأرض .
شعب يذود بنفسه عن العرض ويموت في سبيل الأرض ولا يقبل الدنية في دينه وهو متدين بطبعه معتز بنفسه ويرفض الظواهر الغريبة ويلفظها ، ولأننا لا نقبل بعض هذه الظواهر والعوارض فنحن ننظر لها بنظرة أكثر شمولية فإختصار الحل في التعامل الأمني والشرطي هو إستسهال وغض للطرف عن النظر للصورة كاملة ، فالعقاب هو آخر العلاج والعلاج يبدأ من الأسرة إلى منظومة التعليم إلى التوعية في المساجد إلى تغيير طريقة التعامل الأمني مع المواطنين وإعتبارهم كائنات بشرية لها حقوق يجب الحفاظ عليها بدلا من النظر إلى جانب الواجبات فقط وإهمال الحقوق كما أن العلاج لا ينتهي بالتجار الذين يتم غض الطرف عنهم لأنهم يدفعون وماداموا يدفعون على ما يجلبون يتم السماح لهم ويتم عقاب المشترون.
ان رحلة البحث عن رفع "منسوب الرجولة " يجب أن تأخذنا إلى مناقشة جوانب الخلل التي تفرض على الناس أن تقبل بفقرها و بقسوة بعض من أهلها وظلمهم لها وتفننهم في فرض الضرائب عليها ، هذه الرحلة يجب تدفع الناس أن تبحث إنقسام شعبها وسبب عيشها على قارعة الطرق في مجتمع ترى فيه ، إما الغنى الفاحش أو الفقر المدقع.
ورسالتي الأخيرة إلى من يلبسون عباءة المقاومة مفادها أننا لا يمكننا الحديث عن المقاومة والمقاومين وعن رفع " منسوب الرجولة " في إطار عملية ممنهجة لصهر كافة الطاقات وتجنيدها لصالح المشاركة في عملية التحرير ومقارعة الإحتلال ، ونغفل عن أن تحرير الأرض غير كاف إذا لم يستكمل بتحرير الإنسان ، لأن لا نفع لأرض محررة بدون إنسان يعيش بكرامة في دولة تحترمه وتؤمن له الحد الأدنى من العيش الكريم ، والمقاومة ثقافة ، تشمل جميع نواحي الحياة من المقاومة العسكرية والسلمية حتى القضاء على البطالة والحصول على التأمين الصحي الشامل والعدالة الاجتماعية المنشودة ...........الخ كل ذلك يستوجب مقاومة فالمقاومة ثقافة لتحرير الإنسان .
هكذا نفهم المقاومة ... وهكذا نفهم الرجولة ............. وهكذا نريدها أن تكون.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت