في سوريا..السباق بين الرصاص والسياسة

بقلم: راسم عبيدات


من الواضح جداً أنه بعد إجتماع مجموعة أعداء سوريا في عمان،فإن تلك المجموعة حزمت أمرها تحت الضغوط الأمريكية بالذهاب الى مؤتمر جنيف (2) الذي اتفقت عليه امريكا وروسيا،ف"كيري" أقنع أردوغان بضرورة حضور المؤتمر،وكذلك هو حال مشيخات النفط العربية غير المالكة لقرارها،ولكن تلك القوى المعنية بعدم الذهاب الى هذا المؤتمر والتي ستذهب مرغمة ستحاول قدر الإمكان خلق الحجج والذرائع التي تتيح لها فرصة وضع العصي في الدواليب وتخريب عقد المؤتمر،فهي على سبيل المثال ستبقى تناور في قضية حضور وعدم حضور ايران لمؤتمر،وكذلك حول تخلي الرئيس السوري بشار الأسد عن صلاحياته قبل أية مفاوضات،وهذه الإشتراطات على ما يبدو أصبحت خلف ظهر النظام السوري،فهو من رفضها عندما كانت الأوضاع الميدانية غير مريحة له،ولكن الان بعد ما يحققه الجيش العربي السوري من إنجازات على الأرض،فإن النظام سيضع إشتراطات جديدة،ولكن علينا القول بأن جماعة اعداء سوريا،هي لا تريد الذهاب الى المؤتمر،وهي تجرجر أذيال الهزيمة والخيبة،بعد ما انفقت من أموال الطائلة من اجل إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه،وكذلك قوى الغرب الإستعماري ومعها امريكا،حيث اتفقوا على تسليح قوى المعارضة من اجل خلق توازنات على الأرض،وبالتالي جعل الرئيس السوري ونظامه يذعنون الى اشتراطاتهم السياسية،وفي هذا الإطار نستطيع ان نسجل ما تقوم به تلك العصابات من إفتعال للمعارك في مدينة طرابلس اللبنانية،من اجل التأثير على نتائج معركة القصير،ورغم تراجع تلك العصابات عن تهديداتها بإحتلال الجبل في طرابلس،بعد تلقيها تهديدات واضحة هي وقوى الرابع عشر من آذار اللبنانية، بان أي تقدم لمسافة متر واحد تجاه الجبل سيقابله تقدم كيلو متر للقوات السورية تجاه طرابلس،ولكن هذا التراجع مؤقت حيث أفرغت ثلاثة سفن غربية أسلحة لتلك العصابات في ميناء طرابلس،وسنشهد كذلك جسراً جوياً من أمريكا واوروبا الغربية لدعم ما يسمى بقوى المعارضة،لكي تستطيع الصمود والثبات وتحقيق إنجازات على الأرض،وستعمل دول الجوار الأردن وتركيا وقوى الرابع عشر من آذار واسرائيل على دعم ومساندة تلك القوى،على ان تتولى قطر والسعودية تحمل تكاليف ثمن الأسلحة ورواتب وإمدادات القوى والعصابات المعارضة للنظام في الداخل.

الحل السياسي في سوريا لن يكون سهلاً،فهو يحتاج الى وقت ليس بالقصير وستكون هناك صولات وجولات ومفاوضات وتهديدات بالحسم العسكري،وهذا كله سيتوقف على ما يجري على الأرض،فإذا ما استكمل النظام تحقيق الإنجازات على الأرض بعد معركة القصير الإستراتيجية،فإنه سيفرض شروطه في المؤتمر،والمؤتمر قد يتعرض للتفجير اذا ما شعر اعداء سوريا بانه لم يحقق لهم اية إنجازات سياسية،فعدم تحقيق إنجازات سياسية لهم من شأنه فرض معادلات جديدة في المنطقة يكون فيها الأسد ونجاد ونصر الله لاعبين رئيسيين فيها،وهذا ما هو مرجح،حيث ان روسيا تلقي بثقلها الى جانب سوريا،وبالتالي التغطية السياسية والعسكرية للأسد تجعله يقوم بخطوات جراحية عسكرية ضد أوكار الإرهاب وما يسمى بالجيش الحر،حيث يجري النظام عمليات تطهير شاملة وضبط للحدود،والنجاحات التي يحققها ستنعكس سلبا على اعداء سوريا فأردوغان سلطته تتعرض الى إهتزاز كبير،وكذلك التداعيات ستطال الأردن والخليج،وعلينا ان لا ننسى اسرائيل فهي لاعب رئيسي في هذه القضية،فهى ترى بأن ثبات وإستقرار سوريا وتماسك تحالفها مع ايران وحزب الله اللبناني،سيشكل خطراً على دورها ووجودها في المنطقة،ولربما تقدم على مغامرة عسكرية من شأنها ان تدفع المنطقة نحو حرب إقليمية شاملة وطاحنة،وخصوصاً أن العديد من جنرالاتها ينظرون لشن حرب على سوريا،وما المناورات والتعليمات التي تقوم بها وتوجها الى جبهتها الداخلية،إلا دليل على ان اسرائيل تتوقع إندلاع حرب مع سوريا في أية ساعة،وهي تدرك ان هذه الحرب لن تكون نزهة،وكذلك امريكا واوروبا الغربية باتتا مقتنعتين بأن النظام الإيراني المقبل على انتخابات يمسك بزمام الأمور ولا مجال لتغيره عبر ما يسمى بالقوى الإصلاحية والتي أصبحت خارج السباق الإنتخابي.

ما يجري على الأرض السورية،هو صراعات ومصالح إقليمية ودولية،ولا نقول عربية،لأن العرب المصطفين لجانب أعداء الأمة هم ادوات وبراغي في دولاب كبير يحركهم على "الريموت كونترول" كيفما يشاء، صراعات لها علاقة بالمصالح وبسط النفوذ،وليس صراعات من أجل الحرية والديمقراطية والإصلاحات،صراعات على طرق الغاز والنفط والخيرات والثروات،فالقصير كمنت وتكمن اهميتها في كونها تتحكم في خطوط الغاز المارة من والى تركيا وروسيا وايران والعراق والاردن والخليج العربي،صراع من أجل من سيتولى عمليات الإعمار بعد الدمار الكبير الذي سببته هذه الحرب،فالإعمار بحاجة الى ما كلفته 80 مليار دولار.

صراع يستهدف سوريا كدولة ومجتمع وجيش وسلطة وجغرافيا،لتحقيق أحلام الغرب الاستعماري وجماعة التتريك بفرض الإستعمار والوصاية على الأمة العربية،فالمطلوب ليس الإستيلاء على السلطة،بل إخراج سوريا من محور المقاومة والممانعة وتحويلها الى دولة فاشلة كليبيا والصومال والعراق تنخرها الخلافات والصراعات الطائفية المذهبية والطائفية،وليس لها تأثير في المعادلات العربية والإقليمية والدولية،وإذا ما قيد للأسد ونظامه طحن ووأد هذا المخطط،فإن الملف القادم ستكون وجهته مصر،حيث ما يجري في سيناء من تهريب للسلاح وإقامة تحصينات وتعزيزات هناك،وتجميع للقوى المتطرفة والعصابات،وكذلك معسكرات التدريب في ليبيا،يوحي بأن شيئاً ما يقترب من مصر،من اجل تفتيت الجيش المصري وإضعافة،وضمن المخطط المرسوم امريكياً وغربيا،تدمير المشروع القومي العربي،وبأدوات عربية وإسلامية،بحيث يجري تدمير ركائز هذا المشروع الثلاثة العراق وسوريا ومصر،ومن ثم يجري إعادة تركيب الجغرافيا العربية من أجل إعادة إقتسام المنطقة العربية وفق العوائد والثروات والمذهبية والطائفية،من خلال خلق كيانات إجتماعية هشه مرتبطة إقتصاديا بالمركز الرأسمالي العالمي،وإتفاقيات امنية مع أمريكا والغرب الإسعماري،وقواعد إحتلالية على اراضيها.

نعم سيستمر السباق بين الدبلوماسية والحرب،بين الرصاص والسياسة في القضية السورية،وهذا رهن كله بما يتم حسمه على الأرض عسكرياً،وسيبقى السوريون يدفعون الثمن من دمائهم وقوداً لهذا الصراع الإقليمي والدولي،إلى ان يتم حسم الأمور عسكرياً من قبل النظام وحلفاءه،فهذا النصر من شانه تغير الخارطة السياسية وكل المعادلات في المنطقة.



القدس المحتلة – فلسطين

24/5/2013

0524533879

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت