لا فرق بين المُتطرف "المُعتَدل" والتَكفيري المُغالي

بقلم: فراس ياغي


قال تعالى: "لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا" "البقرة:286"
واقع المنطقة غُلف بغطاء إسلاموي سياسي لم يعرف يوما معنى الشراكه وعبر التاريخ، فالتعددية لديه غير مطروحه إلا في أدبيات الإعلام الخارجي للبعض منهم تحت عنوان "التِقية السياسية"...أما في جوهر أدبياتهم فيتمسكون بمفهوم الإمارة والخليفة و "أمير المؤمنين" وضرورة طاعة ولي الأمر إذا كان منهم فقط...فمثلا عندما أعلن زعيم طالبان الأفغاني بأنه "أمير المؤمنين" لم يتعبه أحد من تنظيم الإخوان المسلمين ولا غيرهم من الأحزاب الإسلامية الأخرى وبحجة أنه لا يمثل وجه الإسلام الحقيقي...وأنا في هذه الجزيئية أتفق معهم خاصة أنه يُمثل الوجه القبيح ليس للإسلام وحضارته فحسب بل للمجمل الإنساني...ومع ذلك فهذه التنظيمات التكفيرية من وهابية وسلفية جهادية وقاعدة وطالبانية التي تمارس وتنفذ الفكر الذي تحمله لا تختلف كثيرا عن باقي الأحزاب الإسلاموية من حيث الجوهر...خاصة أن هذه الأحزاب تمارس في واقع الأمر "تِقية" مكشوفه، فهي تعتبر نفسها بمرشدها وأميرها بأنها خليفة الله على الأرض...نفس فكر خلفاء الحقبة "العباسية" و "الأموية"، حتى أن الخليفة المبشر بالجنة "عثمان بن عفان" رضي الله عنه، رفض في حقبته كل المطالب التي عرضها عليه المسلمين، فقد عُرض عليه أن يعترف بخطأه ويتم معاقبته بناءً على ذلك مع إبقاءه خليفه للمسلمين، لكنه رفض ذلك بحجة عدم معاقبة أحدٍ قبله من الخلفاء على أخطاءهم، وعرض عليه أن يعلن تنازله عن الخلافه، ورفض ذلك بحجة أنه خليفة الله على الأرض، وعرض عليه أن يسحب المسلمين الطاعة عنه ويعزلوه "سحب الثقة منه"، لكنه رفض وقال بمعنى أنني لم أضربكم على يدكم حين بايعتموني، في النهاية قُتلَ الخليفه بطريقة همجية غير مقبوله، أسست لفتنة لا يزال يعاني منها مجموع المسلمين حتى الآن.

موقف الخليفة "عثمان" رضي الله عنه، أسس لاحقا وحتى يومنا هذا للبعض لأن يطرح مفهوم الخليفه الأبدي، وموقف "الخوارج" وما بعدهم من الغُلاة أسس لظهور التنظيمات التكفيرية التي وصلت بها الأمور لنبش القبور كأسلافهم الأمويين والعباسيين، وقطع الرؤوس كأسلافهم اليزيديين والسفاحيين "الحجاج وأبو العباس السفاح"، وقَلعْ القلوب والتمثيل بالجثث كأسلافهم من بني أمية القريشيين...هذا الواقع يعكس نفسه ليس في الفكر فحسب وإنما في التكوين النفسي للكثير من قياداتهم، والسبب الغُربة النفسية والإجتماعية التي يعاني منها بعضهم فيعبر عن هذه النواقص بتحصين النفس بفكرٍ منغلق وبذهنية لا تعرف المجادلة ولا الحوار، وتعمل على تخويف الجمهور بمفهومي الحلال والحرام، والفتاوى الشرعية التي تصدر تباعاً ومنذ قرون...وإن لم يستطع يستخدم العُنف الزائد عن حده في إرهاب الشعب والمكونات الإجتماعية والسياسية الأخرى، وما حدث مثلا في غزة في عام 2007 بإطلاق النار على رُكب الفتحاويين المعارضين وقصف حتى الحارات بحجة القانون وفرض النظام لم يكن القصدَ منه سوى دب الرعب وفرض الأمر الواقع ومنع حتى التفكير بالمعارضة، بالتأكيد لم ينجحوا في ذلك على صعيد التفكير الشخصي ولكنهم نجحوا في تخويف وإرهاب الآخريين، بالتأكيد كانت المعطيات في غزة مختلفه عن باقي الساحات ولكن هذا ليس مبرراً لهذا العنف الزائد، لكنه يؤكد على حقيقة واحدة التماهي الفكري الحقيقي بين ما يسمى بالإسلام السياسي المُعتدل وغيره من التكفيريين، والعنوان واحد، لا شراكة ولا تعددية وبالرعب نُحقق الأمن والأمان لنا أولاً وللمواطن الخائف ثانياً.

الحقيقة الساطعه بعد الفوز للإسلاميين في "مصر" و "تونس" يؤكد حقيقة الإعتدال ومداه، إرهاب فكري وجسدي وتحريض لا مثيل له لمن يقف في وجه الحاكم بأمر الله...وبإسم المذهبية يباح لديهم كلَّ شيء، فهذا يعبر عن تخوفه من إنتشار الشيعه في "مصر"، وذاك يرفض السياحه الدينية في "الأردن" خوفا من التَشيّع، وفي "سوريا" حدث ولا حرج، إجرام نازي وفاشي وأكثر وبإسم الثورة والثوار مغلفاً بفتاوى دينية من تكفيريين ومعتدليين إسلاميين وفي خندق واحد، فما يسمى "جبهة النصرة" و "ألوية التوحيد" و "الفاروق" و "الجيش الحر" وغيرهم من الكتائب والألوية في جبهة نابشي القبور وقاطعي الرؤوس بحجة مواجهة عنف النظام والثأر الشخصي، وفي واقع الأمر ليس سوى تعبير حقيقي عن فكر مدعوم من أنظمة تتميز بالحقد الشخصي وتبحث عن بقاءها في ظِلّ تغيّرات قادمة على الإقليم وعلى مفهوم المجتمع الدولي.

الحقد والفشل "الأردوغاني" و "الأوغلوي" الإخواني المُعتدل يتحالف مع الفكر الوهابي ومع الملكية الوراثية الأوتقراطية وأمراء النفط في مواجهة الدولة "السورية" كحالة ظاهره...وفي الجوهر تعبير عن طبيعة ذاك الفكر الذي يمثلونه والذي يرفض أي شكل من أشكال الديمقراطية الحديثه لصالح شورى "أهل العقد والحل" من أمثال "القرضاوي" و "العرعور" وغيرهم من علماء النكاح والسلاطين مقبلي أيادي أسيادهم في "المغرب" وللأسف "غزة"...المشكلة تكمن ليس في الشكل فقط وإنما في جوهر النظام السياسي والإجتماعي والإقتصادي المطروح من قبل المعتدلين والتكفيريين معاً...الدولة المدنية والفكر الديني المُنغلق لا يتعايشان، وحتى النموذج "التركي" الإخواني الذي جاء لم يؤسس لواقع جديد بقدر ما تعاطى مع شكل النظام القائم دون أن يقوم بعملية تغيير ذاتي لعقلية الإخوان أنفسهم، وهذا عكس نفسه في خطاب رموزهم تجاه الأزمة "السورية"، خطاب مذهبي وحقد شخصي وأضغاث أحلام بوصاية "عثمانية" إخوانية في عصرٍ لا يقبل وصايات...وأما غيره فلم يغادر بوتقة عمامته ولا مُرشده، ولم يستطع أن يُطمئِن باقي مكونات المجتمع إن كانت سياسية أو دينية للنظام المنشود.

إن المطلوب من شباب الأحزاب الإسلامية السياسية أن تعي أن مفهوم القومية العربية والإسلام مكونان لا ينفصلان، فالتراث الشرقي المسيحي- الإسلامي جزء أصيل من المجتمع العربي ككل، وأن العصر الحالي لا يقبل بأقل من ديمقراطية وتعددية ومدنية مستندة لدستور وقوانين تعزز الشراكة وتؤسس لنهضة إقتصادية أساسها العدل الإجتماعي وليس السوق الحرة والخصخصة الرأسمالية ومفهوم التجارة الرابحة الأموية "السفيانية"، يصاحبها فكر لا عنفي وتحت سقف القانون، وحدوده أساسها التسامح والتعاون...نظام يعتبر المرأة مكون أصيل تُمثل فيه ليس فقط نصف المجتمع، بل وتربي النصف الآخر الذكري، وحتى يكون هذا النصف وهذا الكل فاعلاً فيجب عدم تقييده بأفكار حزب وبإسم الفضيلة والأخلاق، فمن يفرض شكل اللبس وطبيعته لا يؤسس لأخلاق جديده بقدر ما يقوم بعملية قتل فكري وشخصي لمفهوم الحرية الشخصية والفردية وطبعا ضمن حدود الإعتدال الشرقي، ومن يرى بأن الأخلاق لا تسود إلا بتغطية الرؤوس ومنع لبس بعض الملابس، عَليه أن يقوم بذلك بطريقة دعوية متسامحة لا بترهيب فكري وقوانين بإسم الشريعه الإسلامية...

المقصود هنا ضرورة إجراء إصلاح بنيوي في الفكر الإسلام السياسي كي يكون هناك شراكة حقيقية في داخل المجتمع وبين الدولة والشعب، وبين المكونات الدينية والأقليات القومية، وبدون فِكرٍ جديد لهذه الأحزاب فسيبقى العنوان الدائم لمجتمعاتنا العربية، عنوان قبلي وطائفي ومذهبي وقمعي فكري ونسائي، وتكفيري قاتل ومجرم، فلا فرق بين المُتطرف المُعتدل والتكفيري المُغالي في تطرفه، ولا فرق بين الفكر المُعتدل في الجوهر وبين الوهابي والقاعدي والطالباني ومن يسمون أنفسهم بالسلفية الجهادية، فالكل ينبع من منبعٍ اساسه الفردية والفكر المطلق ومفهوم الحلال والحرام في فكر وعصر القرن الرابع الهجري، قال تعالى عزّ وجل: "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً" "البقرة:143"

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت