واخيرا رحل القائد والمفكر الكبير ابو علي شاهين ، وما أشبه رحيله برحيل قائده الذي رافقه من عمره سنين الرمز ياسر عرفات – رحمه الله – كان مريضا ونتوقع رحيله كل لحظة ولكن عندما تزوره في فترة مرضه وترى الإصرار والتحدي والقوة تخرج من عنده بقناعة راسخة بأنه لن يرحل وأنه باق ، قوة حديثه وشدة ترحيبه بضيوفه والقيام بواجبهم كاملا وهذا الرفض العنيد في الاعتراف بواقع مرضه والاستهزاء بالألم وحرصه على معرفة التفاصيل في كل قضية يتم طرحها وإصراره على الشرح والمشاركة ، هكذا كان الرئيس الرمز ياسر عرفات حتى خلال مرضه وهكذا كان القائد ابو علي شاهين ، وفجأة عندما وصل خبر لحظة الرحيل كانت الصدمة واضحة على وجوه الجميع كل من أحبوه وعرفوه وعاشروه عن قرب .
القائد ابو علي شاهين كان يمثل في حياته وعلاقاته فسيفساء فلسطين كل من يتفق أو يختلف معه يجد نفسه عنده ولا ىتشعر بالغربة معه وتشعر بالقرب منه ليس بقدر اتفاقك معه بل بقدر ما تحمله من فكر وعشق لفلسطين والمقاومة ومحاربة المشروع الصهيوني وهو قد يقبل من محاوره أن يختلف معه في الوسائل ولكن لا خلاف معه على المباديء والأسس الوطنية ، العلماني والليبرالي والإسلامي والوطني ليس بعيدا عنه وكذلك الفتحاوي والحمساوي والجبهاوي يسكنون في جوارحه ويرى فيهم خارطة فلسطين المستقبل ، عاطفته ومشاعره ليست ملكا لفصيل معين أو لفريق دون الآخر بل قد تجد علاقاته مع قيادات من خارج حركته أقوى بكثير من قيادات من داخل حركته – فتح - .
لقد آمن ابو علي شاهين بحركة فتح التي اعطاها كل ما يملك وعاش تفاصيلها وتجاوب مع تطور حركتها وشارك في دفع ضريبة سلطتها وكان أحد اعمدة السلطة والحركة وحاول جاهدا المزاوجة بين الأمرين ، وآمن بكل الفصائل جميعها واعطاها دون استثناء وحاورها جميعا وربطته علاقات خاصة بكافة قياداتها ونجح في نسج نوع غريب من العلاقة مع خصومه السياسيين عنوانها الاحترام المتبادل ولكن ليس على حساب الموقف ، احب خصومه الذين احترموا طبيعة تفكيره ولم يكره أحدا منهم ، كان يبتسم في اشد اللحظات عصبية ، أحيانا يرفع صوته ليفهم سامعه أنه ليس ضعيفا ويحتد مع من لا يفهم سوى لغة الحدة وما أشد تواضعه لمن يفهم لغة التواضع الفهم الصحيح .
كان حادا في كلماته وكتاباته لدرجة الكسر ولكن مع ذلك تجد فيها ثغرة للتراجع إذا فهم خصمه ما يريد ، هكذا المعادلة الفلسطينية الداخلية تجمع بين الحدة والليونة والشدة والرفق والحب وعدم الكره ، هكذا استطاع ابو علي شاهين الجمع بين كل المتناقضات ، من يعرفه لا يستعجب ولا يستغرب عندما يرى في صالون بيته كل شعارات وصور الرموز الوطنية والعالمية لانه عشقهم جميعا ، كان حادا في الدفاع عن رأيه ومعتزا بتاريخه ولا يقبل ابدا من اي كان التقليل من أهمية التاريخ والجغرافيا ، كانت فلسطين مرسومة في كل جزء من حياته في تفكيره وطبيعة حياته ، يكره التكلف في اي شيء ولم يعرف أجمل من عاداتنا الفلسطينية القديمة في اكله وممارسة طقوس حياته .
ابو علي شاهين حافظ على مشاعره تجاه من أحبهم حتى بعد رحيلهم كان يتردد على المقبرة ليزور من سبقوه بالرحيل واليوم هل سيتذكره من أحبوه ؟ هل سيزور قبره من عشقوه حتى لو اختلفوا معه ؟ هل بقي احدبأخلاق ابو علي شاهين ؟
رحمك الله يا صديقي ابو علي شاهين يا صديق البسطاء والمحرومين .
م. عمـــاد عبـد الحـــميد الفـــالوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت