المتقاعدون العسكريون .. رواد العمل الفدائي والعسكري والأمني !!

بقلم: عبد القادر فارس


في خضم الأحداث التي جرت وتجري على الساحة الفلسطينية , منذ إقرار قانون التقاعد العسكري عام 2005 في المجلس التشريعي الفلسطيني , وخروج أول كوكبة من قدامى المناضلين وكبار الضباط إلى التقاعد , ثم الإحالة المفاجئة لعدد كبير من هؤلاء الرجال للتقاعد وفق قرار رئاسي عام 2008 , وهذه الفئة والنخبة من أبناء شعبنا تعيش بشكل مهمش , بعيدا عما قدمته للثورة والقضية الفلسطينية , على مدار عشرات السنوات , كانوا خلالها رفاق الدرب للقادة الشهداء الكبار أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد وأبو علي إياد وأبو يوسف النجار وكمال عدوان وأبو الهول وأبو المنذر وأبو الوليد وجورج حبش وأبو علي مصطفي وأبو العباس وعبد الرحيم أحمد وسمير غوشة .. وغيرهم من القادة الكبار من المؤسسين لحركة فتح وفصائل منظمة التحرير وجيش التحرير الفلسطيني , والذين فارقونا على درب تحرير فلسطين , بينما لا يزال الآلاف من المتقاعدين العسكريين ينتظرون مستقبلا غامضا , نظرا لحالة الإهمال والتهميش التي يعيشونها الآن , وتنطبق عليهم الآية الكريمة : " فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلو تبديلا " .
هؤلاء الرجال الذين تعدى معظمهم الستين من العمر , هم رواد العمل الفدائي الأول منذ الطلقة الأولى , الذين خاضوا المعارك الشرسة من جنوب الأردن إلى جنوب لبنان إلى الجولان وجبل الشيخ , مرورا بكل حروب ومعارك المقاومة الفلسطينية من الكرامة عام 1968 إلى حرب اجتياح بيروت عام 1982 , وما بينهما من معارك وحروب سواء مع العدو أو مع الشقيق من أيلول الأسود إلى حرب السنتين في بيروت , إلى أحداث طرابلس في شمال لبنان عام 1983 , كانوا فيها مثال المقاتل الشرس المدافع عن الثورة وعن منظمة التحرير وقرارها المستقل , هؤلاء الفدائيون الأوائل تم رفدهم برجال محترفين في العسكرية الفلسطينية , فكان انضمام قوات التحرير الشعبية ومجموعة " أبو هاني " ( اللواء جمعة الجملة ) منذ البدايات , ثم التحاق قوات عين جالوت وجيش التحرير الفلسطيني إلى قوات الثورة في لبنان , لتندمج المدرسة الفدائية بالمدرسة العسكرية لتشكل قوات الأمن الوطني الفلسطيني , بعد الخروج من لبنان , ويتوزع هؤلاء الرجال في منافي وفيافي الصحراء العربية من معسكرات اليمن الشمالي والجنوبي , إلى معسكرات السودان النائية , ومعسكر السارة في أقصى الصحراء الليبية , مرورا بتونس , وصولا إلى صحراء تبسة والبيض في شرق وغرب الصحراء الجزائرية , يعيشون شظف العيش بين برد الشتاء وحر الصيف والصحراء , بعد أن ابتعدت بهم المسافات عن المحيط العربي بفلسطين في دول الجوار , جراء مؤامرات الشقيق , وغطرسة القوة للعدو المعزز بالدعم الدولي المنحاز , والصمت العربي والإسلامي القاصر والمقصر.
ثم كانت العودة لأرض الوطن , ليكون هؤلاء الرجال عصب المؤسسة الأمنية لقيام أول سلطة فلسطينية على الأرض الفلسطينية , منذ نكبة العام 1948 , حيث يبدأ هؤلاء الرجال بالنحت في الصخر والجبال , من أجل خدمة أبناء شعبهم , وحفظ أمنهم عبر مؤسسة أمنية شابة , تضم الشرطة الفلسطينية المدنية لأول مرة , إضافة إلى باقي المؤسسات الأمنية من مخابرات واستخبارات وأمن وقائي وأمن للحدود , لحماية الوطن داخليا وخارجيا , خاصة بعد أن أصبحنا على تماس يومي مع العدو , فكانوا نعم الرجال تكملة لرسالتهم الأولى , وهكذا أكد هؤلاء الرجال أنهم لم يكونوا رواد العمل الفدائي والعسكري في الخارج , بل أنهم أيضا رواد العمل الأمني في الداخل , يحرسون ويبنون سلطتهم الوطنية , على طريق بناء دولتهم العتيدة في فلسطين , حيث نذكر اليوم بكل الخير والعرفان المرحوم الفريق الركن عبد الرازق المجايدة قائد قوات الأمن الفلسطيني , والذي كان ضمن أول دفعة من المتقاعدين العسكريين , كما نذكر أيضا المرحوم اللواء أبو العبد خطاب , نائب رئيس الهيئة الادارية للهيئة الوطنية للمتقاعدين , وغيرهما من الرجال وكبار الضباط الذين فارقونا خلال السنوات القليلة الماضية.
اليوم وحين نلتقي في مقر الهيئة الوطنية للمتقاعدين العسكريين في المحافظات الجنوبية ( قطاع غزة ) , وهو مقر لا يصلح أن يكون بيتا لأحدهم , حيث يتسامر هؤلاء الرجال في أوضاعهم , وما وصلت إليه أحوالهم , يتذكرون الماضي بكل فخر واعتزاز , وينظرون إلى المجهول في مستقبلهم , متألمين مما يحصل معهم , خاصة بعدما حل بين بعضهم من خلاف – للأسف – وانقسام أدى في فترة ما إلى تشكيل هيئتين إداريتين للمتقاعدين العسكريين , لكن سرعان ما تنادى العقلاء من هؤلاء الرجال النخبة , والدعوة للتوحد وتشكيل لجنة تحضيرية مؤقتة تحضيرا لمؤتمر توحيدي يعقد في العاشر من شهر يونيو الجاري , حيث نأمل الخروج بقيادة جديدة موحدة تعمل على خدمة هذه الفئة من أبناء شعبنا , التي يجب أن تحظى بكل احترام وتقدير .
وبشأن التقدير الذي يجب أن يحظى بها المتقاعدون العسكريون , فإن أقل ما يمكن تقديرهم به , هو أن يتم حصولهم على مكافأة نهاية الخدمة , وتحويل رواتبهم إلى هيئة التقاعد العام ( التأمين والمعاشات ) سابقا , بدلا من بقاء ارتباطهم بوزارة المالية , وما يحدث من تأخير للرواتب أو تقليص لها في كثير من الفترات , وكذلك عدم حرمان أبنائهم بعد وفاتهم من حقوقهم المالية , بالإضافة إلى جوانب أخرى غير المالية يجب تكريمهم بها. ففي كل دول العالم يتم تكريم هؤلاء الكبار , بتعيينهم مستشارين للمؤسسات الأمنية والعسكرية , أو مدراء لمؤسسات هامة في الدولة , أو تكليفهم بملفات ومهمات خاصة , نظرا لخبرتهم الواسعة والطويلة , هذا بالإضافة إلى أنهم يحظون بمقرات كبيرة تشمل كافة النشاطات الاجتماعية والرياضية لأسرهم , تتواجد بها كل وسائل التثقيف والترفيه , بينما يكون هناك المكان اللائق لاجتماع هؤلاء الرجال , للتداول في أحوال البلاد , سواء الشؤون السياسية أو الأمنية , أو الاقتصادية والاجتماعية , على غرار نوادي الضباط في الدول المجاورة , والتي يشعر فيها هؤلاء الرجال أنهم محل تكريم الدولة والمجتمع لهم , بعدما قدموا زهرة شبابهم من أجل القضية والوطن , خاصة وأنهم يشعرون أنهم قادرون على أن يقدموا الآن في شيخوختهم كل خبرتهم ومهنيتهم من أجل الاستمرار في خدمة أبناء شعبهم ووطنهم .

بقلم العميد / د. عبد القادر فارس

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت