تل أبيب لا تستبعد عودة فياض للعب دور بحال تدهور الوضع اقتصاديا

القدس المحتلة - وكالة قدس نت للأنباء
كتب المحلل للشؤون العسكرية في صحيفة "هآرتس" العبرية، عاموس هارئيل، عن أنه في السنوات الأخيرة كان هناك سياسي واحد فقط، الذين تحدثوا عنه كبار الجنرالات في الجيش الإسرائيلي بتقدير كبير للغاية، إنه ليس رئيس وزراء إسرائيل الحالي، ولا الذي سبقه، إنما الحديث دار ويدور عن رئيس الوزراء الفلسطيني المنتهية ولايته، د. سلام فياض، الذي اعتبره المحلل بأنه إنسان وطني فلسطيني بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان.

وأضاف، من الصعب، إنْ لم يكُن مستحيلاً التفكير بسياسي أجنبي الذي ساهم بشكل كبيرٍ للغاية في الحفاظ على أمن الدولة العبرية، وتحديدا في منح الإسرائيليين الشعور بالأمن والآمان على الصعيد الشخصي، وخلال السنوات الماضية، أوضح هارئيل، أنه يُمكن الاستماع إلى شهادات وأقوال عشرة جنرالات في جيش الاحتلال الإسرائيلي يُكيلون المديح للرجل، أي لفياض، وخصوصًا أنهم كانوا على اتصال وتواصل دائمين معه، على حد قوله.

ونقل المحلل الإسرائيلي عن محافل أمنية وصفها بأنها رفيعة المستوى في تل أبيب قولها إن المساهمة التي قدمها فياض للحفاظ على الأمن القومي الإسرائيلي ستبقى في سوادها الأعظم طي الكتمان، ذلك أن فياض نفسه حذر للغاية من أنْ تُلصق به تهمة التعامل مع إسرائيل، وبالمقابل لم يكن مريحًا لحكومتي إيهود أولمرت وبنيامين نتنياهو أنْ توصفا بأنهما سلطتا الأضواء في علاقتهما مع السلطة الفلسطينية في المجال الأمني فقط، على حد قول المصادر عينها.

ولكن المحلل أضاف أن الحقائق تبقى على حالها، فبعد الجهود المشتركة لكل من الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام (الشاباك) في كبح جماح ما أسماه بالإرهاب الفلسطيني الذي بدأ مع اندلاع الانتفاضة الثانية في أيلول (سبتمبر) من العام 2000، جاء التنسيق الأمني الذي تم بناؤه من جديد مع الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية، وهذا التنسيق الأمني بين الطرفين، نقل المحلل عن المصادر عينها في تل أبيب، قولها إنه أثبت نفسه بشكل ممتاز للغاية، وبفضل التنسيق الأمني، أضاف المحلل، تم الحفاظ في السنوات الأخيرة على الأمن، وهكذا باتت السنوات التي تلت الانتفاضة الثانية من أكثر السنوات أمنًا وآمانًا في الضفة الغربية المحتلة وداخل ما يُسمى بالخط الأخضر، على حد قول المصادر الإسرائيلية.

وأضاف المحلل هارئيل قائلاً إن فياض تسلم مهام منصبه كرئيس للوزراء الفلسطيني في العام 2007 وهو الذي قاد عملية التنسيق الأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين، حيث سيطر سيطرة تامة على الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة وأعاد الأمن والأمن الشخصي والاستقرار إلى شوارع مدينتي نابلس وجنين، وتابع قائلاً إنه بعد مرور عدة أشهر على دخول فياض إلى منصبه الجديد، بادر قائد المنطقة الوسطى في ذلك الحين بالجيش الإسرائيلي، الجنرال غاد شمني، إلى هجوم واسع النطاق ضد البنية التحتية المدنية لحركة المقاومة الإسلامية حماس والمسماة (الدعوة) في الضفة الغربية المحتلة.

ونقل المحلل عن المصادر الأمنية في تل أبيب قولها إن رئيس الوزراء الفلسطيني أبلغ قادة الجيش والمستوى السياسي إنه هو شخصيًا سيقود هذه المعركة أيضًا في هذا المجال، وفعلاً، توقف الجيش الإسرائيلي عن ملاحقة البنية التحتية لحماس، ومن قام عمليا بالقضاء على (الدعوة) في الضفة الغربية كانت السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية وليس إسرائيل، وذلك بموازاة سيطرة حماس على مقاليد الحكم في قطاع غزة، على حد تعبير المصادر الإسرائيلية.

ونقلت الصحيفة الإسرائيلية عن الجنرال في الاحتياط رونن كوهين، الذي كان ضابط المخابرات في المنطقة الوسطى آنذاك قوله إن الإسرائيليين شعروا بأن فياض قادر على تنمية الاقتصاد الفلسطيني، وأنه قدر أيضا على التعاون مع الدول التي تُقدم المعونات والحصول على ثقتهن، وأن يقوم أيضا بعملية واسعة النطاق لبناء المؤسسات التي تكون جاهزة لدى إقامة الدولة الفلسطينية العتيدة، وأضاف الجنرال قائلاً إن الهدوء الذي ساد الضفة الغربية كان بفضل فياض أكثر من أي إنسان آخر، لافتًا إلى أن الجيش في البداية تعاملوا معه كرئيس وزراء مهني، ولكن رويدًا رويدًا بدأوا يُقدرون تواجده في الميدان، واطلاعه على جميع الأمور، وخلص إلى القول إنه من الصعب إيجاد رجل آخر يستطيع أنْ يكون مثله، ويملأ الفراغ الذي تركه وراءه، على حد وصفه.

ورأت المصادر أن رئيس الوزراء المكلف، رامي الحمد الله، سيقوم بتقديم نسخة فاترة من فياض لرئيس السلطة، محمود عباس، ولكن بدون فياض وبدون تدخل قادة فتح. وزاد المحلل قائلاً إن الحمد الله يُعتبر رجلاً معتدلاً جدًا، ولم يُشارك في الكفاح المسلح ضد إسرائيل، الأمر الذي سيجعله مقبولاً على الدول الغربية، ولكن بموازاة ذلك، أضاف أن الحمد الله لا يتمتع بخلفية اقتصادية، كالتي أحضرها معه فياض، ومن المشكوك فيها أنه يتمتع بالكاريزما التي كان يتمتع بها فياض.

وبحسب المصادر عينها، فإن التقديرات الإسرائيلية كانت حتى اللحظة الأخيرة بأنْ يتوصل عباس وفياض إلى حل وسط بينهما يضمن مواصلة فياض في منصبه، ولكن عباس أراد من وراء تعيين الحبد الله توجيه رسالتين إلى حماس، التي طالبت مرارا وتكرارا التخلص سياسيا من فياض: الأولى، أنه على استعداد للمواصلة في مسار المصالحة، والثانية أنه يُريد تحضير الجو للانتخابات، وخصوصا أن الحمد الله كان رئيس لجنة الانتخابات، ومع ذلك لم تستبعد المصادر في تل أبيب عودة فياض إلى لعب الدور المركزي في حال تدهور وضع السلطة الفلسطينية اقتصاديًا، على الرغم من معارضة كبار قادة حركة فتح.

وقال المحلل أيضًا إن كل هذه الأمور تجري على وقع نشر مجموعة تعقب الأزمات الدولية تقريرها في الأسبوع الماضي حول الوضع الداخلي في السلطة الفلسطينية.

والتقرير يُشير إلى تشاؤم حذر، فهو لا يتوقع اندلاع انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية، ولكن بالمقابل يُحذر التقرير من أن فشل المحاولات الأمريكية لإعادة ما تُسمى بالعملية السلمية قد يُسرع الصدام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهو الصدام الذي يُحاول منعه وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، عبر مبادرته الجديدة، على حد قول التقرير المذكور.