النكسة وجذر الصراع

بقلم: عبد الرحيم محمود جاموس


تأتي ذكرى الخامس من حزيران للعام سبع وستين مكملة لذكرى الخامس عشر من أيار للعام ثمانية وأربعين لينتجا معاً تكاثراً كارثيا بين (( نكبة ونكسة )) حلتا بالشعب الفلسطيني، وأدتا إلى احتلال كامل فلسطين، ليواجه الشعب الفلسطيني قدره ومصيره، نصفه تحت الاحتلال، يقاوم إجراءاته الغاشمة ويسعى للخلاص منه بوسائل شتى، ونصفه الآخر في الشتات يواجه ظروفه القاسية ويسعى نحو العودة إلى وطنه، وفي الوقت نفسه، يمثل هذا الثنائي الكارثي، هزيمة مركبة للنظام الرسمي العربي، في مواجهة العدوان الاستعماري الصهيوني، المتواصل دون هوادة، ويسجل فشله الذريع في معالجة آثار النكبة أو محو آثار (( النكسة )) التي أعطاها أولوياته بعد العام 1967م، صانعاً بذلك هزيمة ثنائية مركبة تقابلها ثنائية انتصار المشروع الصهيوني، متمثلة في التسليم له بما اغتصبه من أرض فلسطين سنة ثمان وأربعين، والتعاطي مع الصراع على أساس الواقع الذي فرضه العدوان في الخامس من حزيران 1967م، مع بقاء إشارات خجولة لحق العودة للاجئين الفلسطينيين، قابلة للمساومة والتفسير المفرغ لمعناها، هنا يتجلى إسقاط ((جذر الصراع)) وجذر القضية الفلسطينية، والتعاطي مع الفروع دون الجذور، على أساس القرار 242 الصادر بتاريخ 02/11/1967م عن مجلس الأمن أي بعد خمسة أشهر كاملة على وقوع العدوان الإسرائيلي في الخامس من حزيران والذي عكس تخاذل النظام الدولي في وضع حدٍ للعدوان وإزالة آثاره، من خلال أولاً التأخر في إصدار القرار من جهة، وخلوه من أي تدابير إجرائية وفق البند السابع لميثاق الأمم المتحدة من جهة أخرى، تاركاً تنفيذه للمفاوضات التي سيحدد مستقبلها ميزان القوى الذي فرضه العدوان على أرض الواقع واضعاً غطاءً سميكاً على جذر القضية والصراع الذي ابتدأ في 15 أيار لسنة ثمان وأربعين وما نتج عنه من اغتصاب للأرض وتشريد للشعب الفلسطيني، وهذه ستة وأربعون عاماً تمر على العدوان وعلى قرار مجلس الأمن، ولا زال الاحتلال جاثماً على الأرض، وآثار العدوان قائمة ويواصل العدو استثمار عدوانه، وفرض وقائعه: استيطان، وتغيير التركيب الديمغرافي على الأرض المحتلة، وفي مقدمتها مدينة القدس، وتغيير المعالم الجغرافية، وشق الطرق، وبناء الجدار، وغيرها من الإجراءات المتعارضة مع القانون الدولي، ضارباً بعرض الحائط كل النداءات والتوسلات العربية والدولية، ينفذ سياسة واستراتيجية جهنمية تستهدف سياسة التهجير للفلسطينيين ومصادرة الأرض وتهويدها، وبالتالي لا يجوز أن يهمل ما يتعرض له الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948م من إجراءات عنصرية تستهدف اقتلاعهم من أرضهم، ولا أدل على ذلك مما يتعرض له الفلسطينيين في الجليل والكرمل ومدن الساحل وفي النقب من مصادرة للأراضي وتضييق لسبل العيش وسن القوانين العنصرية التي تهدف إلى اقتلاعهم من موطنهم وتهجيرهم والتعامل معهم كأقلية طارئة على الدولة الإسرائيلية !!!

إن إعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية، وطنياً وعربياً ودولياً، ومواجهة الكيان الصهيوني وإجراءاته تقتضي وضعاً فلسطينياً وعربياً غير الوضع المتردي التي تمر بها الحركة الوطنية الفلسطينية والعربية، وإنهاء حالة الشرذمة والفرقة والانقسام، واستعادة توحيد المؤسسة الوطنية على مستوى القيادة والبرنامج السياسي والنضالي، وفق أسس تحدد آليات الكفاح والنضال الوطني الفلسطيني، على أساس الجذور والفروع، والتمسك برؤية وثوابت وطنية، تكون محل الإجماع الوطني الفلسطيني، وحشد للطاقات الفلسطينية والعربية لمواجهة التصلب والصلف الإسرائيلي.

إن إعادة الاعتبار لحل الدولتين يجب أن تستند إلى القرار 181 لسنة 1947م وللقرار 194 لسنة 1948م وليس للقرار 242 الذي لم يكن معنياً بأكثر من إزالة آثار العدوان لسنة 1967م، وإنما القراران السالفان هما اللذان تعاطى بموجبهما المنتظم الدولي مع جذر الصراع ومع القضية الفلسطينية، حيث أشار الأول إلى حل الدولتين، والثاني إلى حق العودة للاجئين الفلسطينيين، فالدبلوماسية الفلسطينية العربية يجب عليها أن تستند إليهما، وأن تنطلق لتفعيلهما، وإن الإنجاز الدبلوماسي الذي حققته القيادة الفلسطينية في 29/11/2012م باعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967م والقدس عاصمة لها يعتبر خطوة إيجابية في تأكيد الحقوق الوطنية الفلسطينية، ولابد من تفعيل هذا القرار الذي يعتبر لطمة للسياسة الصهيونية التي لا زالت تنكر هذه الحقوق، وتواصل إجراءاتها الاستيطانية والعنصرية في حق الفلسطينيين سواء في الأراضي التي احتلت 1948م أو 1967م، ورغم ذلك تبقى ثنائية الذكرى الحزيرانية تكوي ذاكرتنا الفلسطينية، والذاكرة العربية، لنتذكر جذر الصراع، وجذر القضية، كي لا نتوقف في معالجة الصراع عند مجرد محو آثار العدوان لعام 1967م.


د. عبد الرحيم محمود جاموس
عضو المجلس الوطني الفلسطيني
الرياض 05/06/2013م الموافق 26/07/1434هـ

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت