كيري .. الراحة على وسادة الأوهام

بقلم: مركز أطلس للدراسات


الوعود التي ظل الزعماء الأمريكيين يطلقونها بشأن تحقيق السلام في المنطقة وحل القضية الفلسطينية مجرد شعارات ووعود بلا رصيد، كل الجولات واللقاءات التي قام بها مبعوثي الادارات الامريكية المتعاقبة منذ انطلاق مؤتمر مدريد وتوقيع اتفاقية أوسلو لم تأت بجديد، وجهود وزير الخارجية الحالي جون كيري ليست استثناءً؛ بل ان ما يميزها أن الحكومة الحالية في اسرائيل هي أكثر الحكومات يمينية في تاريخ الدولة اليهودية، وهو ما صرحت به وزيرة القضاء ومسئولة ملف المفاوضات مع الفلسطينيين تسيفي ليفني من أن أسباباً أيدلوجية داخل أركان الائتلاف الحاكم تمنع احراز أي تقدم في مسيرة المفاوضات.

أركان الحكومة وعلى رأسهم رئيس الوزراء نتنياهو خاضع لتراث أيدولوجي لا يمكنه من التخلي عن الارض التي يراها حقاً خالصاً لليهود احتله العرب الغرباء في فترة استثنائية من عمر التاريخ. ظل قادة الكيان يتهربون من استحقاقات التسوية بزعم ان السلطة الفلسطينية لم تقم بالجهد الكافي لوقف ما يسمونه بـ "الارهاب"، وأن على أبي مازن أن يوقف الارهاب في أراضي سلطته، هدأت الامور في الضفة راحوا يطالبون السلطة بمنع اعمال المقاومة في غزة وهم يعرفون أن لا سلطة لأبو مازن هناك، وبعد ان هدأت الامور على جبهة غزة بعد عملية "عامود السحاب" وما أعقبها من تفاهمات بين سلطة حماس واسرائيل برعاية مصرية لجأوا الى حيلة جديدة، مطالبين عباس باعتراف فلسطيني بـ "يهودية الدولة"، وطالما يرفض عباس الاستجابة لهذا المطلب فهو ليس شريكاً لحكومة اسرائيل في مسيرة تسوية وغير جدير بالثقة؛ رحلة يتقنها أركان حكومة الاحتلال تدويخ الخصم وادخاله في متاهات بدون نهاية حتى يفقد صوابه وتنعدم حيلته.

بعد كل التنازلات التي قدمتها السلطة الفلسطينية يروج نتنياهو وأركان حكومته اليمينية ان المشكلة في محمود عباس؛ فهو العائق أمام صنع السلام. ليس هناك أقبح من تصريح يائير لبيد، الذي وصف نفسه وحزبه بالمعتدل والليبرالي، في لقائه مع "نيويورك تايمز" حين قال: "أبو مازن أحد الآباء المؤسسين لتصور الفلسطينيين بأنهم ضحايا"، واضح أن أركان الحكومة اليمينية تريد ان تتخلى السلطة الفلسطينية عن فلسطينيتها كي تكون جديرة بأن تحظى بوصف "الشراكة".

في الأسبوع المنصرم شن اليمين معركة على تصريحات للداهية العجوز شمعون بيرس في مؤتمر دافوس الاقتصادي على شواطئ البحر الميت وصف فيها عباس بـ "الشريك"، اليمين قاد معركة واتهم

بيرس بأنه قلب الطاولة وضعضع السور الواقي الذي صنع بجهد كبير حين اعاد الى عباس الاعتبار ووصفه بالشريك دون ان يحصل على مقابل!.

ولمن يتأمل الكلمات ما هو المقابل المطلوب كي يحظى عباس بـ "شرف الشريك"، انه الاعتراف بـ "يهودية الدولة"؛ بما ينطوي عليه المصطلح "اعتراف" من خطورة، أي اعتراف بالرواية اليهودية للتاريخ وادانه للرواية الفلسطينية بملكية الارض والجغرافيا والتاريخ بما يتضمن من اسقاط لحق العودة وادانة النضال الفلسطيني المستمر منذ 65 عاماً من الصراع.

جولات كيري أصبحت محل سخرية الاعلام الاسرائيلي، صحيفة "هآرتس" تصفه بـ "الدبلوماسي الساذج الذي يتصرف كفيل في حانوت للفخار"، وتنقل عن دبلوماسي غربي قوله "ان كيري يعتقد أن فشل أسلافه في المنصب هو انهم ليسوا جون كيري".

وما مظلة السلام الاقتصادي التي يلوح بها كيري سوى مظلة هرب اليها ليدرأ عن نفسه تهمة الفشل، فتجنيد الأموال للسلطة الفلسطينية ليس بالمهمة الشاقة على الادارة الامريكية والدول الغربية قياساً بسحب تنازل ذا مغزى من حكومة يمينية، وهي في الاصل فكرة بنيامين نتنياهو الذي رأى مقايضة السلطة بتسهيلات اقتصادية تساعد في تحقيق هدوء سياسي يمكنه من توسيع المستوطنات.

ان من المهم أن نذكر بهدف حكومة نتنياهو الثالثة كما ذكره مراسل صحيفة "هآرتس" الوف بن: "لحكومة نتنياهو الثالثة هدف واضح؛ توسيع المستوطنات، وتحقيق حلم مليون يهودي في "يهودا والسامرة"، ويفترض أن يحبط هذا العدد السحري تقسيم البلاد بمرة واحدة والى الابد انشاء دولة فلسطينية، ولهذا الصدد تم تسليم الوزرتان ذوات الاختصاص الى يعلون واوري اريئيل، وهما لم يجلسا في تلك الوزارات لتجميد الاستيطان؛ بل ليحققا تقرير ادموند ليفي وبرنامج عمل "البيت اليهودي" أي ضم الضفة بالتدريج.

وهنا تجدر الاشارة الى الحقائق التالية:

الاول: كما تقول صحيفة "معاريف" أن لا سبب يدعو الحكومة الاسرائيلية لتغيير سياستها تجاه الفلسطينيين، فعلى ما يبدو أن تقديرات نتنياهو وحكومته أن الزمن يلعب لصالحها، وترى أن نقطة ضوء إيجابية، لأن انشغال العالم بصراعها مع الفلسطينيين أصبح ثانويا مقارنة بالفظائع الجارية في سوريا والعراق ولبنان، وأن الحرب المضرجة بالدماء أحدثت شرخاً جد هام في تاريخ المنطقة بين السنة والشيعة.

الثاني: أن الزعماء الأمريكيون لا يؤمنون بأن الصراع مع الفلسطينيين يهدد مكانة الولايات المتحدة، والا لكانوا تصرفوا على نحو مختلف؛ فليس هناك سبب يدفع الولايات المتحدة كي تكون أكثر حزماً تجاه اسرائيل. الولايات المتحدة لو كانت جادة لاعترفت بدولة على حدود 67، كل الزعماء الامريكيين اكتفوا بشعارات وتصريحات ووعود فضفاضة وتنطوي على قدر كبير من العموم، ولم يقدم أحد منهم رؤية او خطة عملية، "دولة للشعبين" ظل مجرد شعار، لم يقل أحد طبيعة هذه الدولة ولا خريطة حدودها وهل الولايات المتحدة تعترف بها فعلاً، وماذا ستكون سياسة الولايات المتحدة في وجه الصلف والتعنت الإسرائيلي.

الثالث: العرب لم يقوموا بواجب حقيقي تجاه القضية الفلسطينية، حتى حكومات دول الربيع العربي لم تختلف كثيراً عن سابقاتها في شان الموضوع الفلسطيني، كان ولا يزال على الدول العربية ان تمارس ضغوطاً واضحة وصريحة على الادارة الامريكية كي تحدد على شكل واضح وصريح أين تتجه.

ان تعامل الامريكيين مع الموضوع الفلسطيني على النحو الذي نشاهده منذ عقود يلحق أكبر اهانة لمفهوم الحل السياسي، فالقضية ليست تجنيد اموال للفلسطينيين رغم شديد حاجتهم الى ذلك، وليست التسول على ابواب الاسرائيليين لرفع حاجز هنا او هناك او نقل هذه القطعة او تلك الى السلطة الفلسطينية.

ان من المعيب أن ينبري كتاب اسرائيليين لمطالبة الادارة الامريكية أن تنقذ ما تبقى من مصداقية، وذلك بإعلان حقيقي عن انتهاء المسيرة السلمية، كما كتب نوعم شيزاف "معاريف" وذلك لكي تجبر الدول الغربية والعالم على اعادة تقويم تعاونها مع ما أصبح احتلال دائم. الوضع بات احتلال دائم منذ زمن بعيد، يقول شيزاف ويضيف: "لكن احتمال ان يحصل هذا ليس وارداً؛ فإسرائيل والبيت الابيض وحتى موظفين رام الله تبقى الاوهام مريحة". ولا يسع عاقل أن يعفي طرفي الانقسام (فتح وحماس) عما لحق بالقضية الفلسطينية من تهميش وتراجع عربي ودولي، فإسرائيل أدارت سياسة في منتهى النجاح، استخدمت التناقض والصراع الفلسطيني-الفلسطيني، لتحقيق مآربها على أكثر من صعيد وهذا يحتاج الى حديث آخر.


مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية (2/6/2013)

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت