إنّ تحرك قوات حزب العمال الكردستاني من الأراضي التركية إلى شمال العراق لا يحمل دلالات شبة اتفاق بين الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني فقط، بل أن حالة الصمت والكتمان والسرية التي يلتزم بها الطرفين وربما الأطراف تؤكد أنّ هناك صياغة متكاملة لمشروع يتم إعداده وتنفيذه في إطار من السرية، خاصة وأن التحرك العسكري الكردستاني هو تحرك تكتيكي وليس استراتيجي، كما أن ردة الفعل العراقية كانت ردة فعل شكلية على عبور القوات الكردستانية، وسرعان ما التزمت الصمت هي أيضًا، وخاصة سلطة إقليم كردستان العراق" كركوك" التي التزمت الخرس السياسي، وهو صمت معرفة ببواطن الأمور ورضا وليس جهل وعدم رضا، أو ترقب وانتظار، أو أمر واقع، كما أنه ليس تضامن مع أشقائهم الأكراد، أيّ بما معناه أن الولايات المتحدة الأمريكية تُهندس وتخطط، وتأمر، وهناك من ينفذ، والبصمات الأمريكية واضحة وإن لم تكن معلنة.
فالطرف التركي أو الحكومة التركية برئاسة حزب العدالة والتنمية هي جزء من ما يدور في المنطقة، وجزء هام وحيوي بعد ما نفذته في ليبيا وسوريا، وخاصة الأخيرة " سوريا" الدولة الثالثة التي لديها عامل مشترك بالمسألة الكردية، في الوقت الذي أصبح فيه أكراد العراق في دائرة القرار بما أنهم أصبحوا شبه مستقلين في كيان خاص، وعلى رأس الهرم السياسي العراقي عبّر الرئاسة وفق التوزيع الطائفي والمذهبي للنّظام السياسي العراقي، أما الطرف الثالث وهو الحكومة العراقية فهي حكومة تمّ جلبها بإرادة أمريكية، ومساهمة أمريكية، وعليه فالحكومات العراقية ومنذ احتلال العراق عام 2003 جل مهمتها الإشراف على تقسيم العراق سياسيًا كطريق للتقسيم الجغرافي.، كفاتحة ومدخل للتطبيق على باقي دول المنطقة، وفق مخطط عام يُعاد صياغته.
إذن فالأحداث ومجرياتها مترابطة، أكراد العراق يتمتعوا باستقلالية تامة، وشبة كيان سياسي بنفوذ قوي للجانبين الأمريكي – الإسرائيلي، وينضوي تحت السلطة المركزية العراقية كإتحاد كونفدرالي، والحكومة التركية بدأت تنفذ الخطوات الأولى لمنح إقليم كردستان التركي الضوء الأخضر للتحرك سواء بدولة موحدة مع شمال العراق ومستقلة كليًا مع بعض الأراضي التركية الكردية من خلال اتفاق لم يرَ النور بعد بشكل علني، وأكراد سوريا يشتركوا بتمرد ضد النظام السوري، وبكل التقديرات سيكون دمجهم ضمن الحل الشامل للمسألة الكردية وكجزء منها من خلال إقليم كردي موحد، يتم الإعداد للإعلان عنه من خلال تركيا، وحكومة حزب العدالة والتنمية التي بكل تأكيد تبحث عن مصوغات سياسية تسوقها للشعب التركي ليتم هضمها واستيعابها وتأييدها، في ظّل ما يتمتع به حزب العدالة والتنمية ورئيس الوزراء طيب رجب أردوغان من شعبية وجماهيرية كبيرة في تركيا، برغم اندلاع حالة شعبية ومظاهرات شعبية تتدحرج يومًا تلو يوم، وتتمحور حوّل اتخاذ شكل انتفاضة شعبية يقف على رأسها اليسار التركي، ولكنها لم ترتق بعد لمستوى يمكن له أن يهز العرش الأردوغاني، أو يسقط حكومة حزب العدالة والتنمية، أو إيقاف المشاريع السياسية الإستراتيجية مثل مشروع كردستان أو الدولة الكردية، ولكنه يمكن أن يبطئ من عملية الدفع للأمام في المشروع، ويحجم من اتساع الخطوات وتسارعها. أي يمكن لهذه الاحتجاجات أن تدفع الحكومة التركية والولايات المتحدة الأمريكية للتروي في دفع هذا المشروع للأمام بخطوات واسعة، ومنحه مدة أطول ممّا كان مقرر له ليرى النور، والبحث عن مصوغات متنوعة لدفعه للأمام، لأن أي خطوة في هذا الوقت غير محسوبة أو متسرعة ستؤجج من كتلة الغضب في الشارع التركي الذي يرفض قطعًا اجتزاء أي بقعة من الأرض التركية، ورفضه المطلق لمشروع التقسيم للأرض التركية التي بدأت ملامحها أو محاولة تنفيذها في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وقاد أتاتورك حينها حرب التحرير التركية التي انتصر فيها وأعلن عن الجمهورية التركية، وهو ما يؤكد أن الغرب ينظر لتركيا كدولة شرقية إسلامية ضمن دائرة مشروع المنطقة، ولا زال ينظر لها نظرة الريبة والعداء للمنطقة عامة، من حيث الموروث التاريخي لتركيا، التي قاد تقطيع إمبراطوريتها العثمانية سابقًا.
أضف لهذه العوامل والمحددات السابقة الحالة السورية أو المشهد السوري المتأرجح، والانعكاس الطارئ التي قادته معركة القصير الأخيرة، التي ضربت مخطط الولايات المتحدة وحلفائها في سوريا" تركيا والخليج العربي، والغرب" بسرعة الحسم لصالح المعارضة، وبدأت تعيد حسابات ما أطلقت عليه بعد الأسد، بل ستجبر للتعامل مع الأسد الذي يثبت أقدامه في سوريا وبدأت الأمور تحت سيطرته أكثر من العامين السابقين، ولكن هل يمكن أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد أطلقت يد إيران في سوريا مقابل رسم الكيان الكردستاني، والكيان العلوي، والكيان السني، بناءً على النموذج العراقي؟ وبذلك يتم استكمال المثلث " العراقي- السوري- التركي" من حيث الدولة الكردية، ودولتين سنتين في العراق وسوريا، ودولتين شيعيتين في العراق وسوريا، ودولة كردية موحدة في تركيا – العراق- سوريا؟
هذه الحالة التخيلية يمكن أن تكون حالة تصورية واقعية في حال اتضاح معالم الاتفاق التركي – الكردي غير المعلن، واكتشاف خفايا وخبايا انسحاب قوات حزب العمال الكردستاني التكتيكي التحريكي إلى الأراضي العراقية، وعليه يتم رسم الحالة الانقلابية في المشهد السوري والتركي.
د. سامي الأخرس
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت