شخصيات تعمل على سد الفراغ

بقلم: عماد عبد الحميد الفالوجي


لا يشك أحد ان هناك فراغ كبير ناجم عن استمرار حالة الانقسام مع غياب وفقدان الكثير من القيادات التاريخية التي كان يمكن بمقدورها بما تملكه من حس وطني عام وتاريخ نضالي طويل وقدرة على استيعاب فسيفساء التكوين الفلسطيني وكذلك مرور المنطقة بحالة غير مسبوقة من سرعة المتغيرات المتلاحقة وكثرة الاحداث التي تحتاج الى توجيه وتحليل وإبداء الرأي فيها ، وكذلك وجود نسبة كبيرة من الطاقات الشابة التي ترعرعت في ظل هذا الانقسام ولم تجد شخصية قيادية ذات كاريزما معينة لقيادتها واخذ هؤلاء الشباب في البحث والتحري حول من يصلح ان يقود حالتهم ويعتبروه قائدا لتوجهاتهم أو يتحدثون معه عن همومهم وافكارهم وطموحاتهم وما يحتاجونه من آراء وإمكانيات تغطي بعضا من احتياجاتهم وعطشهم للعمل وإثبات ذاتهم في صياغة الواقع الجديد ، وكذلك حال الفصائل والتنظيمات التي لم تستطع أن تقدم النموذج المقنع لشرائح مهمة من المجتمع ، فأخذ الكثيرون في البحث عن من يكون في المقدمة ، وهذا دفع عدد من الشخصيات ذات الوزن الثقافي والنضالي الى تقديم أنفسهم لتلك المهمة في محاولة جادة لسد هذا الفراغ وهذه الحاجة .

وبرزت عدة محاولات تحمل في طياتها الجدية في تقديم نموذج قيادي ممكن ان يمتلك من المقومات الذاتية والفكرية والتاريخ النضالي لتلبية متطلبات هذه المرحلة وعندما لم تنجح أي شخصية في إقناع من حوله بقدراته ذهب البعض الى فكرة أكثر جدية وهي " القيادة الجماعية " وتجاوز قضية القائد الفرد وهذه المحاولات أيضا استجابة لضغط الواقع وفي ذات الوقت نفور البعض من تضخيم شخصية بعينها والتسليم لها لامتلاك زمام القيادة بعد التجارب الماضية التي صنعت قيادات ورموز كبيرة ولكنها فشلت في إيجاد بدائل عند فقدات تلك الرموز .

فكرة " القيادة الجماعية " من خلال اجتماع عدد من المفكرين والقيادات الثقافية يمكن أن تصنع فكرا قياديا جديدا وتجربة قيادية جديدة تكون هي المحرك وهي البوصلة التي تحدد حركة الجماهير وتضع السياسيات والتوجهات العامة وتحاول مناقشة كل المستجدات وتوجيه دفة الرأي العام والمزاج الشعبي وتستطيع – بكل هدوء الحكماء – أن تصنع قوة يمكنها من مواجهة الخلل الذي يضرب في أعماق الشعب الفلسطيني .

هذه " القيادة الجماعية " كل ما تحتاجه هو القدرة على استيعاب ذاتها أولا وقدرتها على التجاوب مع الفسيفساء الفلسطيني فلا يعتقد أحدهم أو كلهم أنهم يملكون عصا موسى في مواجهة سحرة فرعون أو يفرحون بأي إنجاز يحققوه وكأنه آخر المطاف أو يعتقد أحدهم أنه يمتلك الحقيقة المطلقة إذا صح رأيه في قضية محددة والأهم من كل ذلك الابتعاد عن سياسة " الأنا القاتلة " التي تفشل كل جهد وهذه " الأنا " لا تعني فقط الشخصنة بل تعني كل الجوانب النفسية والمعنوية في احترام من يخالفك الرأي أو من تعتقد أنه أقل منك في العلم والحركة والكلام .

فكرة " القيادة الجماعية " لعدد من الشخصيات الثقافية فكرة أكثر من منطقية وواقعية وتستجيب لضغط الواقع ولكنها مثل " السهل الممتنع " يمكن تحقيقها بكل سهولة لاستشعار الكثير من المثقفين المخلصين بأهمية تحقيقها وفي ذات الوقت هي صعبة لأ، هذه المجموعة لا تخلو من شوائب بعضهم أو استجابة البعض لأجندات للبعض الآخر ومحاولة استرضاء فئة على حساب فئة أخرى وتلك هي مقتلة كل عمل مهما كانت درجة الإخلاص .

" القيادة الجماعية " لا تعني محدودية عددها أو حجمها بقدر ما تعني روحية العمل من خلالها وقدرة أصحابها على الارتقاء بمستوى أداءها فهي حتما في حالة نجاحها ستضم كل من يجد في نفسه القدرة على الإضافة وتقديم الرأي والرؤية في مجال من المجالات التي تهم شعبنا وقضيتنا وهي ممتدة لتشمل المناطق الجغرافية والسياسية والفكرية والمهنية وغيرها .

فكرة " القيادة الجماعية " ليست بديلا عن أحد ولا تسعى للهيمنة على أي طرف بل هي ستكون مع كل الأطراف وتعمل الى جانبها حيثما تكون المصلحة العامة دونما جمود او تحيز أو تطرف ، همها الأكبر المساهمة في إنهاء الانقسام وخلال ذلك ستعمل على مواجهة سلبيات وممارسات الانقسام على أرض الواقع من خلال رؤية واضحة تمكنها من الحفاظ على المشروع الوطني بمفهومه العام الذي يتسع للجميع .

م. عمــاد عبــد الحــميد الفالــــوجي
رئيس مركز آدم لحوار الحضارات

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت