قفوهم إنهم مسؤولون

بقلم: صلاح صبحية


تـُعرف الحياة بمتناقضاتها ، كما تـُعرف الحياة بتكاملها ، فإن كان الليل نقيض النهار فهما يكونان معاً اليوم بكامله ، وإن كانت فصول السنة تتناقض فيما بينها فهي تكمل بعضها ، وإن كان الذكر نقيض الأنثى من حيث البنية الجسدية إلا أنهما يكملان بعضهما لاستمرار البشرية على الأرض ، وما حدث في كلٍ من باريس ولندن قبل إيام من تزاوج المثليين ، تزاوج الذكرين في باريس ، وتزاوج الأنثيين في لندن ، يتعارض مع خاصية التناقض والتكامل لبني البشر ، فالتكامل هو تحقيق نتيجة ، فالليل الذي يكمل النهار ينتج يوماً يقع في حساب الزمن ، والتكامل بين الذكر والأنثى ينتج فرداً بشرياً يقع في حساب الزمن أيضاً ، كما أنّ الفصول تتكامل فيما بينها وفق منظومة التتالي لتنتج السنة التي تقع في حساب الزمن أيضاً .
وفي داخل الإنسان توجد المتناقضات التي تكمل بعضها البعض ، ففي بنية الجسم يتكون الدّم من كريات حمراء وبيضاء لكل منها دورها في بنية تركيب الدّم ، ولا يكون الدّم دماً إلا بوجودهما معاً ، كما أنّ النفس البشرية تتكون من الخير والشر ، ولا تكتمل النفس بأحدهما فقط ، لأنه لا يمكن أن تتصف النفس بأنها نفسٌ خيّرة دون أن تتغلب على نزعة الشر في داخلها ، كما لا يمكن أن تتصف النفس بأنها نفسٌ شريرة دون أن تنهزم نزعة الخير في داخلها ، كما أنّ النفس يمكن أن تـُظهر جانب الخير في وقت وتعود لتظهر جانب الشر في وقت آخر أو وقت تال ٍ ، وفي داخل النفس البشرية تكمن المتناقضات الكثيرة ، وفي مقدمتها التناقض بين المبادىء والمصالح ، وهذا يضع الإنسان في لحظة اختيار صعبة إذا كانت نفسه تتوق إلى الخير دائماً ، فالنفس الأمّارة بالسوء تجعل الإنسان قلقاً ، وهذا أعنف صراع يعاني الإنسان منه في داخله ، فإذا كان المبدأ الذي يؤمن به يقول بأنّ المصلحة العامة أهم من المصلحة الخاصة ، وأصبح في موقف يتطلب منه أن يجسّد هذا المبدأ في حياته اليومية ، فإذا به يتوقف ، يتمهل ، ينتظر ، ويصبح السؤال في داخله ، لماذا أضحي بمصلحتي الخاصة من أجل الآخرين ، لماذا أخسر أنا ويربح الآخرون ، والموقف يحتـّم عليه التضحية دون غيره ، لكنّ نفسه الأمّارة بالسوء تقول له مصلحتك أهم من مصلحة الجميع ، فإذا كانت قناعته راسخة بمبادئه فأنه سيجد نفسه يقدّم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ، إمّا إذا كان إيمانه بمبادئه متزعزعاً ، فأنه سيجعل مصلحته الخاصة أهم من المصلحة العامة .
والمشكلة الأخطر هي التناقض بين الإيمان بالمبادىء وبين العبودية للشخص المؤتمن على تطبيق المبادىء ، ويحدث هذا في حياتنا اليومية ، فالحاكم يصبحُ مواز ٍ للمبادىء العامة ، بل وفي أحيان كثيرة يصبحُ هذا الحاكم أكبر من كل المبادىء ، فما يقوله الحاكم وإن كان مخالفاً للمبادىء يصبح هو المصلحة العامة بينما تصبح المبادىء لا معنى لها لديه ، وتصبح المحافظة على المبادىء المؤتمن عليها الحاكم هي تمردٌ على الحاكم ، فتنفيذ أوامر الحاكم والعبودية لشخصه أهم من المحافظة على المبادىء والمصالح العامة ، ورضاء الحاكم على الشخص أهم من المحافظة على المبادىء لدى هذا الشخص ، فالحاكم في نظر هؤلاء الأشخاص الذين يفضلون المصلحة الخاصة على المصلحة العامة وعلى المبادىء هو صاحب القرار وإن كان هذا القرار خاطئاً ، المهم أن يسمع الحاكم تصفيق عبيده له ، وهذا ما يحدث في ساحتنا الفلسطينية عندما يصبح القرار الخاطىء للحاكم أهم من مصلحة الشعب كله ، ورحم الله أبا بكر الصديق وهو يقول في أول خطبة له ،( أيها الناس إن أصبت فأعينوني ، وأن أخطأت فقوموني ) ، ورحم الله العادل عمر بن الخطاب وهو يقول من فوق المنبر ( أخطأ عمر وأصابت إمرأة ) ، فمتى نصبح في ساحتنا الفلسطينية على قدر المسؤولية ونقول لحاكمنا : لقد أخطأت أيها الحاكم فتراجع عن خطأك إذا كنت تقتدي بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، لأننا نريد أن نرى تكاملاً بين الحاكم والشعب من أجل المصلحة العامة للوطن والقضية ، ونريد أن يكون الحاكم مسؤولاً عمن هو راع ٍ لهم لأنّ كل راع ٍ مسؤول عن رعيته ، إلا إذا كان الراعي الفلسطيني لا يعرف عن رعيته ما يجب أن يعرف ، فتضيع الرعية بجهل الراعي لها وعدم التكامل معها ، فلا راع ٍ بدون رعية يـُسأل عنها يوم يحق السؤال حيث لا مهرب منه ، والله سبحانه وتعالى يقول ( قفوهم إنهم مسؤولون ) .
حمص في 8/6/2013 صلاح صبحية

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت