لقد أكل الدهر وشرب، على ما يسمى بحل الدولتين، فشعار الدولتين في القاموس الإسرائيلي، مر عليه أكثر من (46) عاماً، أي منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1967، فهو ليس بالشعار الجديد، الذي أصبح تجسيده متأخراً، تجاوزته حقائق المستوطنات في أراضي الدولة الفلسطينية، فالأرقام والوقائع تشير إلى نهاية حلم حل الدولتين، هذا الحل الذي لم تقره الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، حتى أن من ينادي به من بين الإسرائيليين حالياً، يتعرض إلى التوبيخ، كما حصل لـ "شمعون بيرس" الذي شمل خطابه في منتدى البحر الميت الاقتصادي مؤخراً، فإن أكثر من (550) ألف مستوطن في الضفة الغربية، بما فيها القدس، لا وجود لزعيم في إسرائيل قادر على القيام بتفكيكها، ولو افترضنا جدلاً بوجود مثل هذا الزعيم، فإن إخلاء الضفة الغربية من المستوطنات يكلف (42) مليار شيكل حسب التقديرات الإسرائيلية، ولو افترضنا بإبقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة، مقابل عملية تبادل الأراضي، فإن المستوطنات المعزولة التي قد يتم إخلاؤها، ويعيش فيها نحو (70) ألف مستوطن، فإن تكلفة إخلائها سيزيد عشرة أضعاف تكاليف إخلاء مستوطنات قطاع غزة، مما يحول خيارات السلام وحل الدولتين إلى رابع المستحيلات.
وزير الخارجية الأميركي "جون كيري"، يحذر هو الآخر من فقدان آخر فرصة للتوصل إلى حل الدولتين، وهذا حسب رأيه مرهون باستئناف المفاوضات في أسرع وقت ممكن، غير أن "كيري" ورئيسه أوباما، لم يعملا شيئاً ملموساً للضغط على إسرائيل، على الأقل بوقف البناء الاستيطاني، ولم يفيا بتعهداتهما بإقامة الدولة الفلسطينية، كما تعهد أسلافهما بإقامة الدولة، فهل سيكون هناك جديد إذا عاد الفلسطينيون إلى طاولة المفاوضات؟ لا نعتقد ذلك، بل أن الموقف الإسرائيلي الذي يعمل على فرض الأمر الواقع على الأرض، لن يتغير، فإن عودة الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، دون وقف البناء الاستيطاني، ودون المرجعيات المعروفة، سيكون انتحاراً، فالإدارات الأميركية المتعاقبة التي ضمنت الاتفاقات السابقة، من أوسلو وما تلاها، لم توف بتعهداتها، فهي ضمانات ووعود أميركية سخيفة ثبت عدم جدواها، وبدلاً من قيام الإدارات الأميركية بتوجيه ضغوطها إلى الجانب الإسرائيلي المحتل للأرض، تُوجه الضغوط إلى الجانب الفلسطيني المسلح بقرارات الشرعية الدولية، والقانون الدولي، فإن إنذار "كيري" بأن الولايات المتحدة ستسحب يدها من التوسط، إذا لم يتفق الجانبان على استئناف المفاوضات، فإن إسرائيل ستكون سعيدة جداً، بانسحاب الولايات المتحدة من التوسط، لأن السياسة الإسرائيلية تقود إلى تكريس الوضع الراهن، لاستكمال مخططاتها الاستيطانية، مع أن هذا الجمود لن يلغي الصراع، طالما بقيت القضية الفلسطينية دون حل، وهذا لن يكون على المدى البعيد في صالح إسرائيل، ولا في صالح الولايات المتحدة ومصالحها في المنطقة.
إن دعوة "نتنياهو" الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" من على منصة الكنيست، إلى إعطاء فرصة لعملية السلام واستئناف المفاوضات لا تعني شيئاً، بل تندرج في العلاقات العامة، المحلية والدولية، ولو كان صادقاً لأعلن عن وقف البناء في المستوطنات، وعدم الإعلان يومياً عن مناقصات لإنشاء آلاف المباني الجديدة، بدلاً من اتهام الفلسطينيين بالتهرب من المفاوضات، فالفلسطينيون تواقون إلى مفاوضات حقيقية وجادة توصلهم لإقامة دولتهم، أما نوايا "نتنياهو" من هذه الدعوة الخبيثة فتظهر أمام العالم بأنه محب للسلام، وأن الفلسطينيين يعطلونها بهدف المماطلة، وذلك لكسب المزيد من الوقت لالتهام ما تبقى من الأرض، وإحراج الفلسطينيين أمام المجتمع الدولي.
وبينما توجه المجموعة الأوروبية، رسالة إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، تطالبه بتجميد الاستيطان، تنذره بأن أوروبا ستدعم الفلسطينيين في محكمة جرائم الحرب في "لاهاي"، إذا أحبطت إسرائيل المفاوضات والعملية السلمية، بينما يمثل "كيري" في طروحاته وجهات النظر الإسرائيلية، فالرئيس الفلسطيني له أربعة مطالب جوهرية هي: رفض الحلول المرحلية، رفض الدولة ذات الحدود المؤقتة، رفض الحلول الاقتصادية، التي تتجاهل الحلول السياسية، إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين وعدم تغييب حق العودة، إنها لمطالب صحيحة وعادلة، يتطلب الإصرار عليها، وعدم التراجع عنها، على الرغم من الضغوط الأميركية المسلطة على الفلسطينيين، حتى أن رئيس المخابرات الإسرائيلية "الشاباك" "يورام كوهين"، في تقريره أمام لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست قال بأن الرئيس الفلسطيني لن يعود إلى طاولة المفاوضات بالشروط التي يطرحها "نتنياهو"، حتى وإن واصل الأميركيون الضغط عليه "6-6-2013 قضية مركزية"، وحسب كوهين، فإن "أبو مازن" غير معني بمفاوضات عقيمة لن تقود إلى أي مكان.
إنه من الصعب فهم مبادرة الهيئة التأسيسية المشكلة من عدد من الشخصيات السياسية والأكاديمية الفلسطينية، التي أعلنت عن إشهارها في رام الله بتاريخ "15-5-2013"، لمشروع سياسي يهدف إلى إقامة الدولة الواحدة على كامل الأراضي الفلسطينية، إذ أن هذا يلتقي بمعرفة أو دون معرفة، مع إستراتيجية اليمين الإسرائيلي، فإننا نفهم أن المبادرين ضاقوا بالاقتراحات والمشاريع السلمية التي فشلت، ويحاولون تقديم جديدهم، فهذا الجديد أكثر تعقيداً من ما يسمى بحل الدولتين، إلا إذا كان القصد من هذه المبادرة الضغط على الإسرائيليين الذين يخشون الدولة الواحدة ثنائية القومية، كي يحافظوا على نقاء دولتهم اليهودية، فالدولة الواحدة كما يفهمها اليمين الإسرائيلي، وما يعرف باليمين العقائدي من أتباع "زئيف جابوتنسكي"، هي مشروع أرض إسرائيل الكاملة، ومن يتابع الإعلام الإسرائيلي يرى هذا التوجه بوضوح، بأن مفهوم الدولة الواحدة لديهم هي دولة إسرائيل، يعيش فيها جالية فلسطينية، ليست شريكاً بالحكم، ومثال على ذلك، فقد أقامت بليدة عكا اليهودية في المتنزه البحري للمدينة منذ (20) عاماً، تمثالاً ضخماً نقش عليه خارطة ما يطلقون عليه بأرض إسرائيل، تشمل فلسطين التاريخية، وشرق الأردن، وأن وزير الحرب السابق "موشيه آرنس"، يروج لهذه الفكرة، ويطالب بتطبيق القانون الإسرائيلي على "يهودا والسامرة"، أي الضفة الغربية، إنهم يتطلعون لضم الضفة الغربية لإسرائيل، وجعل الفلسطينيين مواطنين إسرائيليين يعيشون تحت الحكم الإسرائيلي، أي أن الدولة الواحدة بنظرهم هي إسرائيل، وهذا التوجه يتبناه حزب الليكود واليمين الإسرائيلي.
وخلاصة القول، فإن فريقاً من السياسيين والقادة الإسرائيليين حسب جريدة "إسرائيل اليوم 22-5-2013" يرون أنه من غير الممكن تطبيق حل الدولتين، وأن يكون الأردن الدولة الفلسطينية، فلا حل للدولتين، ولا حل للدولة الواحدة، ولا وجود لمسيرة سلمية، ولا يوجد أي احتمال للتسوية، بل أن السياسة الإسرائيلية تتجه لابتلاع الضفة الغربية، وربما أكثر، طالما أن هذا الاحتلال غير مكلف.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت