انتظار اللا شيء...

بقلم: محمد السودي


ليس أحد فصول مسرح العبث للكاتب صموئيل بيكت ، وإن كانت النظرة المتشائمة أو السوداوية لتوصيف الأمور هي ذاتها من حيث النتيجة لرؤيا الكاتب عن حالة "انتظار غودو" بالمقارنة مع الوضع الراهن المأزوم ، يقول المثل الشعبي الدارج"أن الموعود ليس محروم" ولا إدري إذا كان هذا المثل ينطبق على أرض الواقع أم أنه مصنّف وفق اعتبارات موازين القوى الدولية أيضاً فمثلاً وعد بلفور المشؤوم حقّق الحلم الصهيوني بإقامة كيان لليهود على أرض فلسطين التاريخية ، بينما الفلسطيني موعود بالشيء الكثير ومحروم من كل شيء في ذات الوقت ، إذ أصبح مصيره رهينة وعود منظومة القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية من قبيل الحرية والإستقلال ،وحق تقريرالمصير ، وعودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم التي شردّوا منها عنوةً ،والحديث عن تهويل الجدوى من وراء اتفاق أوسلو التاريخي الذي تم توقيعه في حديقة البيت الأبيض قبل عشرين عاماً ثم الإنتقال إلى حل الدولتين لشعبين دون ذكر معالم أين ستقع إحداها فوق الأرض أم تحتها ومتى وكيف سيكون ذلك؟ المهّم أن الوعود تتوالد وعود عائمة على بحرٍ التفاصيل من مدريد الى النروج مرورا بكامب ديفد وواي ريفر وشرم الشيخ ، سريةّ علنيةّ استكشافيةّ مواقف مفاوضات ، الحياة مفاوضات ،منتديات اقتصادية في دافوس والعقبة ، أسماء لامعة اشتهرت على وقع العملية السياسية الرؤساء بوش وكلينتون وأوباما ،وطوني بلير الغارق بالفساد حتى أذنيه ،جورج ميتشل ،الجنرال دايتون والقائمة تطول ، في حين يتوه المفاوضين والمستشارين في كومة أوراق التقدير والتحليل دون نتيجة تذكر عدا توفير الوقت اللازم لالتهام ماتبقّى أمال الحاضر وافاق المستقبل المنشود .
يعود جون كيري وزير الخارجية الأمريكي للمنطقة مرة أخرى بعد تأجيل مفاجيء للزيارة عزا الناطقون باسم الخارجية اسبابه المعلنة إلى متابعة ماسيقرره الرئيس أوباما بشأن تسليح المعارضة السورية بأسلحة فتاكة على حد وصفهم ، وربما يكون تحديد الموعد الجديد قبل العشرين من الشهر الجاري نهاية المهلة الممنوحة له لبلورة رؤيا يمكن أن تعيد الطرفين لمسار المفاوضات المتوقفة منذ سنوات ،لكنه سيأتي خالي الوفاض نتيجة عدم رغبة ادارته ممارسة أي ضغوطات على حكومة التطرف العنصري التي استبقت زيارته الخامسة المفترضة بوضع جدران عازلة تسدّ الطريق بوجه احتمالات حدوث اختراق سياسي ما ، خاصة مايتعلق باستمرار البناء الإستعماري الإستيطاني على كافة الأراضي الفلسطينية ومدينة القدس التي لاتدخل حسابات الحلول التسووية وفق تعبيرات المسؤولين الصهاينة الواضحة وضوح الشمس التي جاءت بعضهاعلى لسان نائب وزير الحرب "داني دانون" وهوعضو بالكنيست بقوله أن حكومته وحزب الليكود على وجه الخصوص لاتؤيد أصلاً فكرة الدولة الفلسطينية ، ويضيف في مناسبة أخرى أن نتنياهو رئيس حكومة الإستيطان يواصل الدعوة إلى مفاوضات مع الفلسطينيين فقط لأنه يعلم علم اليقين بأن إسرائيل لن تصل الى اتفاق معهم ، رغم نفي مكتبه لهذه التصريحات التي تعبّر عن رأي صاحبها كما قال الناطق وليس عن رأي الحكومة ، كل ذلك يأتي بعد أن فشل السيد جون كيري في ترويج خطة السلام الإقتصادي ذات المليارات الأربع كمدخل للتسويه السياسية مع الإشارة أن مديونية السلطة فاقت الرقم الذي اقترحه وفق بيانات الحكومة الفلسطينية الجديدة بعد انتهاء اجتماعها الأول ،لذالك يحاول التعبير عن امتعاضه بإلقاء اللوم على الطرفين داخل الغرف المغلقة ليساوي بين الضحية والجلاد تهرباً من تحمل مسؤولية قول الحقيقة التي يعرفها كيري قبل غيره إضافة الى جميع أركان ادارته السابقة واللاحقة فضلاًعن المجتمع الدولي برّمته .
لايدري أحد حتى اللحظة الراهنة عن الإستراتيجية الفلسطينية لمرحلة مابعد المهل الممنوحة للإدارة الأمريكية التي طلبتها لاستكشاف المواقف المختلفة وجسر الهوّة مابين الرؤيا الإحتلالية والمحددات الفلسطينية القائمة على أساس الألتزام الكامل بها وتسمّيها حكومة اليمين العنصري شروطاً مسبقةً مايعني أنها ترفض رفضا باتاً الأخذ بهذه المحدّدات بعين الجديّة أو العودة إلى مائدة المفاوضات تحت أي ظروف كانت ، يقول البعض أن القيادة الفلسطينية ستذهب إلى الوكالات الدولية المنبثقة عن الأمم المتحدة طلبا ًللإنضمام إليها في حال فشلت الجهود الأمريكية في مسعاها إقناع الطرف الإسرائيلي بأهمية العملية السياسية والوصول الى نتائج عادلة لحل الصراع في ظل المتغيرات التي تشهدها المنطقة ، ولكن السؤال الذي يبقى حاضراً في ذهن كل مواطن ومراقب هل تتوقف عناصر الإستراتيجية المطلوبة عند حدود خطوة كان من المفترض الإقدام عليها فور حصول فلسطين على صفة الدولة غير العضو في الجمعية العامة للأمم المتحددة لتوظيفها عاملا من عوامل عناصر القوة والإستفادة من مزاياها لمحاكمة الإحتلال على جرائمه؟ لايبدو للعيان أن هناك استعدادا ًلمواجهة التحديات المقبلة ضمن خطةٍ متكاملة إن كان على مستوى تصعيد المقاومة الشعبية أو تعزيز صمود المواطن على أرضه في القدس والمسجد الأقصى الذي يدنّسه غلاة المستوطنين واعضاء من الكنيست بحماية جيش الإحتلال، مايظهر أن بقاء الوضع الراهن سيكون العلامة الواضحة للمرحلة المقبله بانتظار اللا شيء الذي يستنزف ركائز المشروع الوطني .
لعّل مايضيف المشهد قتامةً ونحن على عتبة مرور الذكرى السادسة للإنقسام الداخلي الأليم انتظار اللحظة التي تزول بها تلك الصفحة السوداء من تاريخ المسيرة الكفاحية الذاخرة بالبطولات والتضحيات الجسام للشعب الفلسطيني بعد عملية حوارية طويلة الأجل من القاهرة إلى صنعاء وقطر ولبنان وسوريا تكاد تكون الأطول في تاريخ العلاقات الفلسطينية الداخلية ،حتى أضحت إمكانية استعادة الوحدة الوطنية الفلسطينية أمراً في بالغ الصعوبة بعد أن اكتملت بناء المؤسسات الإنفصالية وفق ثقافة الإستبداد والتفرد ومفاهيم غريبة عن طبيعة المجتمع الفلسطيني شملت التعليم والحريات الشخصية وتراجع دور المرأة وملاحقة الرأي الاخر ، الأمر الذي يحتّم على القيادة الفلسطينية وأطرها المختلفة إعادة النظر بكل المعالجات الفاشلة حتى الأن لطي هذا الملف الخطير الذي لايستفيد من بقائه سوى أعداء القضية الفلسطينية المتربصّين بها في كل زمان ومكان ، ثمة تحديات أخرى لا بد من الوقوف أمامها فرضتها المتغيرات الجارية بالمنطقة العربية كانت من نتائجها نكبة جديدة لحقت بأبناء المخيمات الفلسطينية في سوريا الذين يربو عددهم على النصف مليون فلسطيني وأصبح مصيرهم مجهولاً بعد الدمار والخراب والقتل واختفاء أخرين دون ذنب اقترفوه ، ان التحرك تجاه المجتمع الدولي لوضعه أمام مسؤولياته في تأمين الحماية للشعب الفلسطيني اللاجيء ضرورة ملحّة لابد منها إلى أن يعود الفلسطيني لأرضه ووطن أباءه وأجداده التي طرد منها على أيدي عصابات الغزو الصهيوني وتواطؤ المجتمع الدولي الذي يتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية عن معاناة الفلسطينيين أينما وجدوا ، وإلا ماعلينا سوى انتظار اللأشيء ..............
كاتب سياسي

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت