من أكثر المشاكل التي جعلتني أتخبط في دوامات فظاعتها ،والتي لكم أني انتقدها بقوة هي،قضية الغلاء الفاحش ،والسريع سرعة الأعشاب الضارة التي تنمو كذلك بسرعة.. أن مايمكن أن نسميه اليوم لما يحدث في حياتنا هنا في قطاع غزة أو في عالمنا العربي هو الابتزاز والاحتكار والتنكيل من قبل التجار سواء أكانوا تجار لمواد البناء ،أو منتوجات ،وبضائع ،والوحيد الرابح في قناعتي هم أولئك التجار ،ومن والاهم أي المتآمرون معهم أو الذين هم غطاء لهم مقابل مبالغ ضريبية تدخل جيوبهم ،وخزائنهم ،فكما يقول المثل العربي الشهير اللبيب بالإشارة يفهم ،وبالإنجليزية A word to a wise man is enough لم أكتب هذه المقولة بالإنجليزية ليس من باب التفلسف وإنما من باب المنفعة ،متأثرا بمقولة لم أنساها من مخيلتي ، كان يرددها الفنان الراحل المصري حسين رياض في فيلم دراما مصري بعنوان " زقاق المدق" المأخوذ عن أحد روائع روايات الأديب نجيب محفوظ ،والتي هي تحمل نفس العنوان ..حيث كان حسين رياض يردد بعض كلمات بالإنجليزية ثم يقوم بهجائها حرفا ..حرفا ،مع الإضافة بقولة أكتبوها فقد تنفعكم ،وكنت فعلا أكتبها وقد نفعتني كثيرا في عدة مواقف..وعن الأحداث الجارية حولنا ومن تحليلات تبريرية باطلة في موضوع الغلاء فأني أقول لأصحاب التجارة السوداء والمستغلين أقول لهم لا داعي للتضليل ،أو الأكاذيب فكم قلت وأعيد مرة أخرى ليس في بلادنا أغبياء بل قلوب حالمة بسيطة تنساب كالنهر في عنفوانه ،وأن الشجرة تُعرف من ثمارها ..!! ولو تساءلنا من هم الخاسرون بكل المقاييس أجيب ببساطة شديدة هم أولئك المواطنون الذين ما كادوا أن يودعوا الغرف القرميدية إلى غير رجعة،على عجالة بعدما بدأت العطلة الصيفية حيث أعد أولئك المساكين العدة لتحقيق الحلم والأمل السعيد من خلال بناء بيت متواضع ،جمعوا أمواله من دم قوت حياتهم ،وشقائهم ورضوا بتحميل أنفسهم بديون فوق طاقاتهم لسنوات عديدة..!!ما أكثر البؤساء ليسوا فقط في بلادي بل في بلاد العُرب أوطاني ..!! إذاٌ هم لا يطمحون ببناء أبراج سكنية،أوبناء شقق للإيجار ،أوالعيش في شاليهات.. بل أن طموحهم لا يتجاوز الجدران ،والغرف المسقوفة من الباطون مع زيادة قليلة في المساحة تكفيهم للعيش ،و تسترهم عن أعين الناس ، ومن البرد القارص، ومن موجات الحر الشديد !!،لكن التجار الفجار بجشعهم يقتلون الأحلام والآمال إلا من رحم ربي، فما يكاد أن يُنقل إليهم الجن أوأعوانه عن نبأ إغلاق الأنفاق ،أو اقتراب إغلاقها ،وأن هناك إجراءات أمنية مشددة من قبل الجانب المصري على الحدود أو أنه تم القبض على مئات الأطنان من الحديد والاسمنت أو غيره من مواد البناء التي من المفروض أن يتم نقلها أو تهريبها عبر النفاق إلا ونجد أولئك التجار على عجالة قد تحولوا إلى أناس وكأنهم قدموا إلينا من عالم آخر ،وعندما نسألهم عن السر الرهيب والمزعج في ارتفاع الأسعار ،ما بين عشية وضحاها ،والتي أتحدى أن تكون هناك أدنى مقاربة في الغلاء بينها وبين دول العالم ،الشرقي أو الغربي ،فإنهم يقولون بكل وقاحة وجرأة وسخرية أن الأنفاق مغلقة ..!!،وهل يمكن أن يصدق الناس ،بشتى أطيافهم عاقلهم، ومجنونهم تلك الأقاويل ألا يعلمون أن تجار الاحتكار ،والسلب والنهب ،والسرقة أن لديهم مواد خام مخزنة بمستودعاتهم العفنة كقلوبهم ،وأنها تكفي لعدة أشهر أخرى ،رغم أن الإغلاقات لا تتجاوز سوى أيام قليلة ،ثم يتبعها انفراج ؟!!
لا أعرف ما السر وراء إصرارهم على الجشع ، والطمع، وابتزازهم لأبناء شعبهم ،حقيقة أقل ما يمكن أن يقال لتلك الفئة الجبانة ،والتي مهما ربحت ومهما علت جبال أموالهم ، أنهم حتما ستكون نهايتهم مخزية، هالكة لامحالة كما كانت نهاية قارون ،ونهاية ابن سيدنا نوح عليه السلام والذي قال: سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ، ليتهم يتعظون ..!! ثم هل من المعقول من تلك الزيادة الجنونية المسعورة من الأسمنت الذي زاد بنسبة 28% ،وسعر الحصمة 34% أما سعر الحديد فزاد 11%مقارنة مع الأشهر الثلاثة الماضية وذلك حسب اتحاد الصناعات الإنشائية وما علمناه اليوم أن هناك ارتفاع مخيف في الأسعار حيث وصل سعر طن الأسمنت إلى 560شيقلا بعد أن كان يباع ب 400شيقل في وقت سابق ،وأما سعر طن الحصمة وصل إلى 130شيكل بعد أن كان 85 شيقلا للطن ،وكذلك الحديد وصل إلى 3600شيقلا ،في حين أنه كان يباع ب 3300 بل أقل من ذلك ..اليوم رأيت بأم عيني سيل من سيارات الأجرة المصطفة على الشارع العام ،وعلى مقربة من احد محطات الوقود في أعتاب وشاية إغلاق المعابر ،لكني مقتنع تماما أن خراطيم المياه عندما تنقطع تظل هناك بقايا للماء تكفي لسقي الظمأى.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة قدس نت